العدد 2694 - الأربعاء 20 يناير 2010م الموافق 05 صفر 1431هـ

التبرّع الأميركي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زلزال هايتي المدمّر خلّف أكثر من سبعين ألف قتيل. ليس هذه كلّ الحكاية بالتأكيد. هناك ما يتوجّب قراءته، أو التساؤل بشأنه حول أوضاع هذا البلد في القَبليّات والبعديّات، حتى وإن كان أهالي بورت أو برانس لايزالون يرفعون المُجْلَد على أرواح ذويهم.

القضية باعتقادي تتعلّق بالوضع الجيوبوليتكي لهذا البلد المنكوب، وفي أي قوس سياسي يقع. فجزء مهم من القارة اللاتينية التي تزيد دولها عن العشرين لازالت عصيّة عن التّبعيّة، أو الاستغراق التاريخي داخل الفرو الأميركي. إنها حقيقة وليس شعارا. الأكوادور وفنزويلا مثالا.

تهجع هايتي (الجزيرة) في الوعاء البحري الملاصق شرقا للمحيط الأطلسي، وغربا للبحر الكاريبي. وفي الشمال الغربي (وهو الأهم) يُطلّ عليها اللسان الجغرافي (الميامي) الأميركي من جنوب الولايات المتحدة بعد الجزيرة الكوبية وإلى حدّ ما الجامايكية أيضا.

قبل 192 عاما استقلت هايتي على يد توسان لوفرتور الذي قادَ السُّود (وهم سكّان الجزيرة، إذ يُشكّلون 95 بالمئة جُلِبُوا خلال فترة الرّق) من الاستعمار الفرنسي. لكنها تحوّلت لاحقا إلى محميّة أميركية منذ بداية القرن العشرين ولمدة تسعة وعشرين عاما.

ورغم أن القوات الأميركية انسحبت منها رسميا في العام 1996، إلاّ أنها ظلّت حديقة خلفية لواشنطن، إذ كانت تتدخل الإدارات الأميركية المتعاقبة (الجمهورية والديمقراطية) بين الفينة والأخرى في سياسة هايتي الداخلية والخارجية وعلاقتها بالإقليم.

السؤال المطروح الآن في ظلّ هذه المأساة المُروّعة هو: لماذا لم يتحول ذلك الارتباط الوثيق بين هايتي (الفقيرة) والولايات المتحدة (الغنيّة) إلى ارتباط براغماتي لصالح الأولى؟ ولماذا ظلّت هايتي من أفقر دول العالم أجمع فضلا عن الأميركتين؟

لماذا لم تنتشل علاقات هايتي بالولايات المتحدة ثلثي سكان الجزيرة الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وتشغيل أزيد من أربعة ملايين هاييتي (نصف عدد سكانها) يعانون من البطالة، وتعليم 55 بالمائة من الهاييتيين الأميين، وتوفير الأمصال اللازمة لتخليصهم من الأمراض المعدية التي أكلت عشرات الآلاف منهم؟

لماذا لم يتحوّل مجتمعها الزراعي (65 بالمائة يعتمدون على الزراعة) إلى مجتمع صناعي، أو إلى برجوازيات نابهة حاله حال الدولة التي ادّعت حمايته طيلة قرن كامل؟ ولماذا لم تتحقق فيها بُنيَة تحتية تستطيع أن تقاوم بها هذا الزلزال المدمّر الذي يقول الخبراء إنه لم يضرب عمق العاصمة بل حوافّها فقط؟

ظلّت هايتي ذات السياسات الليبرالية والاقتصاد الحرّ والمفتوح متخلّفة بسنوات ضوئيّة عن جارتها كوبا التي تُحاصرها الرأسمالية الأميركية منذ أربعين عاما. والتي تُعَاب على اقتصادها المركزي ونُدرة الديمقراطية والحرّيات فيها.

هذه أسئلة وهواجس مشروعة لابدّ أن تُطرَح الآن. وهي باعتقادي قد تحوّلت إلى أسباب ودواعٍ لموجة التشكيك الدولية تجاه التدخّل الأميركي في هذه الجزيرة بُعيد الزلزال مباشرة، وأصبح لها ما يُبرّرها. فرنسا شكّكت. وكذلك البرازيل والأكوادور وفنزويلا.

هذه الأمور تجعل من القارئ للأحداث أن يُفاضل بين الدول الكبرى، رغم أنها في المُجمَل سيئة لكنها لا تتساوى في مراتبه حتما. فعندما احتفظت فرنسا بجزيرة مايوت دون الاتحاد القمري أسّست شرعية الاحتفاظ بها عبر جعلها أفضل الجزر (وحتى الجوار) على الإطلاق.

في الرّصد الأميركي فإن الأمر يختلف. فالتدخلات الأميركية في الدول (المحتاجة كما يُقال) لم تُفض إلى استقرار سياسي ناجز، ولا إلى وُفرة اقتصادية تمنح لها ولو جزءا يسيرا من الشرعية.

أفغانستان والعراق مثالَيْن حيَّين منذ ما يزيد عن الثمانية أعوام. بل وحتى في جزيرة أوكيناوا اليابانية وجزر مارشال في المحيط الهادئ والتي عانت من التجارب النووية الأميركية. هذه إثارات تُقال إلى جانب استذكار مأساة هايتي المروّعة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2694 - الأربعاء 20 يناير 2010م الموافق 05 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:24 ص

      البومة

      ومن متى امريكا دخلت بلد وصارت جنه هذه امريكا ما ان تحل في مكان والا انتشر الخراب والفساد مثل البومة التي تعيش في الخرائب وهي بومة الشؤم عند الكثير من اساطير الشعوب

    • زائر 1 | 5:20 ص

      يا حبيبي احمد ربك امريكا ملتفته لهذه الدولة الفقيرة

      المبتلاة بالمخدرات و الإيدز و الدعارة و البطالة، ان شاء الله تضمها أمريكا و تسويها الولاية 54، انت شضارك، يعني لا ترحم و لا تخلي رحمة الله تنزل. على الأقل امريكا بتبنيها و بتحتلها، أحسن من و لا شيء عليهم بالعافية.

    • الغدير | 10:25 م

      أمريكا

      أمريكا أفعى مجلجلة تأكل الأخضر واليابس، لا يسلم منها، وأكيد يعني من حرصها الدائم على جميع بلدان العالم ترسل جيوش في البلد المنكوب من دون أن تفكر في المقابل!

اقرأ ايضاً