العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ

ليبيا والمعادلة العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ركزت الكثير من التحليلات على خطورة مواقف ليبيا وتأثير السياسة الجديدة على الأمن القومي العربي. والسؤال هل السياسة الليبية جديدة حتى يكون لها مثل هذه السلبيات المفترضة على الأمن العربي؟

تقليديا تميزت السياسة الليبية بالتناقض فهي ما أن تقف على مبدأ حتى تنقلب عليه. وعمليا يمكن القول إن ليبيا خرجت من المعادلة العربية منذ وقت طويل يعود إلى فترة ما قبل العام 1986. ليبيا فعليا محاصرة منذ اتهام طرابلس الغرب بالمسئولية «المعنوية» عن سقوط طائرة «بانام» فوق بلدة لوكربي في اسكوتلندا.

وبعد الغارة الجوية التي قررها الرئيس السابق رونالد ريغان والعقاب الدولي الذي فرض دخلت ليبيا في غيبوبة سياسية لاتزال تعاني منها حتى الآن.

تلك «الغيبوبة» فرضت على طرابلس الغرب أجواء من الضغوط السياسية والاقتصادية زادت من وتيرة اللا استقرار في المواقف. ويمكن قراءة تلك التعارضات من خلال عشرات التصرفات التي وصلت إلى حد طرد الجالية الفلسطينية من ليبيا وإعلان براءة النظام من العرب.

لجأ «النظام» إلى سياسات «استبدالية» حين وجد نفسه في عزلة دولية لا تستطيع الدول العربية كسرها أو الاعتراض عليها خوفا من الغضب الأميركي أو مخافة اتهام جامعة الدول العربية بمخالفة القرارات الدولية.

وقف «النظام» في منتصف الطريق فهو لا يستطيع أن يكسر الحصار ولا يستطيع التعويض من خلال العمق الاستراتيجي العربي، فلجأ إلى إفريقيا وبدأ يطرح شعارات وحدوية اتسمت كعادة «الجماهيرية» بالانفعال والحماس الذي يفتر بسرعة.

لاقت شعارات القذافي الإفريقية بعض الحماس ولكنها لم تنجح في التموضع في مكان نظرا إلى صعوبة فهم تصرفات «الجماهيرية» المتعارضة بين سياسة منفعلة وأهداف تحتاج إلى الكثير من الموضوعية والعقلانية.

تخوفت الدول الإفريقية من افراط «الجماهيرية» في إفريقيتها وانقلابها على عروبتها. ومخاوف القارة السمراء في محلها نظرا إلى تجارب بعض دولها مع ليبيا التي انتهت من صداقة كاملة تصل في الليل إلى درجة المطالبة بالوحدة وتنتهي في الصباح إلى سلسلة من الشتائم وأحيانا طرد جالية الدولة المعنية خارج اراضيها.

وفي حال حددت حوادث الطرد يمكن تعداد عشرات القرارات خلال الفترة الممتدة من العام 1969 إلى العام 2003. فهناك الكثير من الجاليات طردت في فترات اتسمت بالخلاف السياسي بين دولة ما و«نظام» طرابلس الغرب. فالجماهيرية طردت الجالية المصرية أكثر من مرة، كذلك الجالية السودانية، والجالية التشادية، والتونسية، والتركية، والفلسطينية، وغيرها وغيرها من «جاليات» كانت تستقبل بالورد والزهور عند الحاجة إليها ثم تطرد في لحظة غضب أو نقطة خلاف وقعت بين «النظام» وتلك الدولة التي تنتمي إليها الجالية.

هذا النوع من اللا استقرار يعكس واقعيا عدم نضج سياسي له صلة بالاجتماع والحالات التي أوصل بها «النظام» الدولة في ليبيا إلى نوع من الجماهيرية (الفوضوية). فليبيا الآن تمر في مرحلة اللا دولة، واللا دستور، واللا قانون... فهي جماهيرية في معنى الفوضى المقصودة التي تستهدف عدم قيام نوع من التراكم السياسي أو الاقتصادي أو الاستثماري. وهذه «الجماهيرية» أفضت سابقا وفي قرارات غاضبة إلى إلغاء المؤسسات وإلغاء الجيش وإلغاء كل ما يمكن أن يكون موضعا للتجمع أو التراكم.

ليبيا خرجت من المعادلة العربية منذ فترة طويلة ووجودها في الدائرة العربية بات يساوي الآن عدم وجودها... فهي لا تزيد ولا تنقص من حسابات الربح والخسارة في الجبهة العربية. فهي تملك المال ولا تملك الوسائل، وهي تملك احتياطات مجمعة من السلاح والذخائر منذ أيام الاتحاد السوفياتي ولكنها لا تستطيع تحريكها أو استخدامها. وهي أيضا تملك طاقات بشرية ولكن سياسات «الجماهيرية» بددتها في حروب صغيرة ومراقبة المجتمع الأهلي ومعارك فوضوية مع جاراتها انتهت مرارا إلى خسائر فادحة بسبب الفوضى وانعدام النظام وتبخر الدولة والجيش.

التحليلات العربية التي ركزت حديثا على غموض سياسة «الجماهيرية» وموافقتها على دفع تعويضات بعشرات الملايين لضحايا طائرة لوكربي وضحايا طائرة «يوتا» التي سقطت في النيجر وأخيرا التخلي الطوعي عن برنامج أسلحة الدمار الشامل (وهو في المناسبة وهمي لا يقدم ولا يؤخر في المعادلة العربية) هي تحليلات غير صائبة لأنها لم تستند إلى مراجعة عامة لتلك السياسات المتناقضة التي اتصفت بالانفعال واللا استقرار منذ فترة طويلة ازدادت مع فرض الحصار قبل 18 عاما.

ليبيا الآن تبحث عن خيار آخر بعد حصول تحولات دولية كبرى، ثم احتلال العراق ومحاولات واشنطن فرض تحولات إقليمية تتناسب أو تنسجم على الأقل مع توجهات الولايات المتحدة في منطقة أطلقت عليها «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

لا سلبيات كثيرة متوقعة من خروج ليبيا على المعادلة العربية وذلك لأسباب عدة أولها أن «الجماهيرية» خرجت من المعادلة منذ وقت طويل.

ولكن السؤال هل تنجح «الجماهيرية» من النجاة بنفسها بعد خروجها من المعادلة العربية؟

الجواب عن السؤال يحتاج فعلا إلى رد ليس من طرابلس الغرب وإنما من القوى الدولية التي ترى أن «الجماهيرية» وقعت أخيرا في المصيدة التي نصبتها منذ أيام لوكربي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً