العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ

السيستاني يجبر واشنطن على تقديم تنازلات للأمم المتحدة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بدأت عملية جديدة لخلط الأوراق في العراق بوصول بول بريمر ممثل الاحتلال الأميركي إلى واشنطن ونيويورك. ويشير المراقبون إلى أن مظاهرات الاحتجاج التي تقوم بها جماهير الشيعة في العراق المؤيدة لآية الله السيد علي السيستاني دفعت بريمر إلى الاستغاثة بنصائح جديدة من إدارة الرئيس بوش واستجداء الأمم المتحدة كي تشارك في بناء عراق ما بعد صدام. وتسعى الولايات المتحدة على ضوء الخسائر البشرية التي منيت بها قواتها إذ بلغ عدد القتلى خمسمئة قتيل منذ إعلان بوش نهاية المعارك العسكرية في مطلع مايو/أيار الماضي، إلى تدويل الأزمة وإشراك أكبر عدد ممكن من دول العالم في فرض الأمن في العراق. وتعلم واشنطن أن دول العالم التي سترسل جنودها إلى بلد يملك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد السعودية، تتطلع بدورها للمنفعة المادية الأمر الذي كان واضحا حين وافق بوش على السماح لشركات من دول عارضت الحرب، مثل كندا وألمانيا وفرنسا، أن تسهم في إعادة تعمير العراق. في هذا الإطار شاركت أكثر من أربعين شركة ألمانية في معرض بالكويت أقيم خصيصا لتدارس مشروعات إعادة التعمير في العراق. ومن المرجح أن تحصل هذه الشركات إذا حالفها الحظ على حق المشاركة في تنفيذ مشروعات ستنفذها شركات أميركية كبيرة مثل تقديم قطع الغيار لتحديث منشآت الصناعة العراقية. ويأمل الألمان أن يسهم هذا في فتح الأبواب أمامهم بيد أن ألمانيا كانت أبرز شريك تجاري للعراق قبل حرب الخليج العام 1991. وتتفق التوقعات على أن القسم الأكبر من العقود الكبيرة البالغ قيمتها 14,6 مليار يورو محجوزة لشركات أميركية مقربة من إدارة بوش.

ويلاحظ بيتر مونش محرر السياسات الدولية في صحيفة «زود دويتشه» أن الرجل القوي في المعادلة العراقية والذي سيضطر بريمر إلى مواجهته هو السيستاني الذي يبدو من وجهة نظر الغرب خميني العراق. وقال مونش إن الزعيم الديني الشيعي الكبير يستخدم السلاح نفسه الذي أتى به الأميركيون إلى العراق حين قرروا الإطاحة بنظامه السابق: الديمقراطية. ويطالب مؤيدو السيستاني بإجراء انتخابات عاجلة ورفعوا شعارات يقول أحدها: الديمقراطية معناها إجراء انتخابات حرة. لكن بريمر لا يؤيد إجراء انتخابات في القريب وكل ما يريده هو تسليم السلطة إلى مجلس الحكم المؤقت كما هو منتظر في الصيف المقبل. أما الرئيس بوش فيأمل أن يكون أبرز حلفاء واشنطن أحمد جلبي، على رأس الحكومة العراقية الجديدة. وتدل مظاهرات الاحتجاج وعمليات استطلاع الرأي بين العراقيين أن شعبية مجلس الحكم المؤقت تتراجع كل يوم أمام زحف الشيعة نحو السلطة ومطالبتهم الولايات المتحدة بإجراء انتخابات لتشكيل حكومة شرعية. وتخشى واشنطن ودول غربية أخرى أن تكون نتيجة انتخابات حرة لصالح الشيعة الذين يشكلون 60 في المئة من سكان العراق. ويكشف مونش أن السيستاني رأى في نهاية المطاف أنه بالإمكان كسب المعركة على النفوذ ضد الأميركيين من خلال تمسكه بمبدأ الديمقراطية، ذلك أن الانتخابات على مبدأ صوت واحد لكل مواطن ستضمن الفوز لحكومة غالبيتها من الشيعة وهذا ما تسعى واشنطن إلى تعطيله وتحبذ تشكيل حكومة عوضا عن انتخاب حكومة مباشرة من قبل الشعب. ومثلما عجل السيستاني بسفر بريمر إلى واشنطن بحثا عن حلول جديدة لمشكلاته في العراق، ساهم السيستاني بعودة الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة كوفي عنان إلى الأضواء وحصوله على وضع مريح بعد أن ضعف موقفه بصورة واضحة بعد انسحاب موظفيه على إثر تعرض مقر الأمم المتحدة في بغداد إلى عمل تفجيري أسفر عن خسائر بشرية عالية. وقال عنان بعد الاعتداء أن الأمم المتحدة لن تمارس نشاطها مجددا في العراق إذا لم يتم استتباب الأمن في هذا البلد المحتل. ولأول مرة تستجدي الولايات المتحدة عون الأمم المتحدة بعد أن كانت باستمرار ترفض إشراكها في بناء نظام جديد في العراق.

وحمل بريمر إلى نيويورك رسالة من الإدارة الأميركية مفادها: ساعدونا فنحن في مأزق. وهو المأزق الذي توقعه الكثيرون في المنطقة وفي العالم الغربي حين راحوا يتفرجون كيف بدأ الاحتلال يترنح ويعاني من خسائر بشرية ومادية بصورة يومية وكيف بدأ يدفع الثمن عاليا نتيجة احتلاله العراق. لكن بالتأكيد لن يشمت عنان بقوى الاحتلال لأن الوضع الجديد يحتم عليه إعادة الأمم المتحدة إلى المسرح الدولي وعلى غرار ما قامت به الهيئة الدولية في أفغانستان، ستعمل لتجنب العراق الغرق في فوضى وجر دول المنطقة معه. وترغب واشنطن في عودة موظفي الأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن وأن تدعم الهيئة الدولية خطة واشنطن بتسليم السلطة في نهاية يونيو/حزيران إلى مجلس الحكم المؤقت. مثلما تم في أفغانستان لن تجرى انتخابات وإنما سيجري تشكيل مجالس محلية تتفق فيما بينها على حكومة مؤقتة. تأمل واشنطن أن تنجح الأمم المتحدة في إقناع الشيعة بتأييد هذه الخطة وتصبو كي ينجح عنان بذلك لكن الأخير قد يعرض سمعة الهيئة الدولية مجددا للخطر وخسارة صدقيتها عند غالبية العراقيين الذين سيشعرون بأن واشنطن استخدمت الأمم المتحدة لتنفيذ مخططها كما سيستفيد بوش في حملته الانتخابية وسيقوم بالتنصل من أي تطور غير مريح محملا المسئولية للأمم المتحدة وهكذا ستصبح حياة موظفي الهيئة الدولية في العراق عرضة للخطر من جديد. من هنا اشترط عنان على واشنطن أولا: أن تعلن إدارة بوش بوضوح تصوراتها للدور السياسي الذي تريده من الأمم المتحدة في العراق. وثانيا: أن توفر ضمانات أمنية لموظفي الأمم المتحدة. على رغم عدم التئام جروح الأمم المتحدة من أفعال واشنطن قبل غزوها العراق حين حجمت مجلس الأمن الدولي وأدارت ظهرها له وقامت بغزو العراق بعد فشلها في الحصول على تأييده، فإن المراقبين يتوقعون أن يتفق عنان مع بريمر بالنظر إلى مصلحتهما المشتركة في منع الشيعة من الهيمنة التامة على الحكم. ولا تحبذ الأمم المتحدة أيضا إجراء انتخابات حرة في العراق في الوقت الحالي لكن لا أحد من المسئولين في الهيئة الدولية يقوى على التصريح بذلك علنا. يجري التفكير في واشنطن ونيويورك بأن تشارك الأمم المتحدة في تعيين أعضاء حكومة مؤقتة في العراق والتحضير لانتخابات حرة في العام 2005 أي بعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وسيفسح هذا الوقت الكافي للأمم المتحدة والأميركيين كي يفكروا بسبل تمنع قيام دولة إسلامية شيعية في العراق وتحقيق حلم الخميني بقيام حزام شيعي من إيران إلى العراق مرورا بسورية ولبنان. في الوقت الحالي ستتحفظ واشنطن عن تنفيذ وعدها الذي قطعته للعراقيين حين أعدت جنودها للإطاحة بنظام صدام وقالت إنها ستنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وستجري انتخابات حرة، لكنها اكتشفت الآن أن هذه المبادئ تعرض استراتيجيتها في العراق للخطر

العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً