العدد 2711 - السبت 06 فبراير 2010م الموافق 22 صفر 1431هـ

أوباما... ربما أنت ضحية مثلنا!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

إذا أحسنا الظن بنوايا الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما سنقول أنه وقع ضحية مثلنا أيضا!

أوباما... ربما يكون الضحية الأكبر، لأنه لم يجد ثغرة للخروج من فلك السياسات الإستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة الأميركية والقائمة على منطق الهيمنة والمعايير المزدوجة والانحياز المطلق، وخصوصا في التعامل مع قضايا هذه المنطقة منذ أمد بعيد.

سيدي الرئيس... أنت وقعت ضحية اللوبي الصهيوني الذي يمسك مواقع النفوذ في الولايات المتحدة... هذا اللوبي الذي يحكم مؤسساتها السياسية وفي إمبرطوريتها الاقتصادية وأخطبوطيها الإعلامي.

أوباما، كنا ندرك جيدا في أعماق أنفسنا أنك لن تستطيع أن تغير أمرا جوهريا أو تردم الفجوة العميقة بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، ولكن اعذرنا بأننا اعتقدنا بأننا أمام فارس الأحلام الذي سيخلصنا من كوابيسنا يعتلي صهوة جوادٍ ملهم من البيض الأبيض!

بصراحة سيدي الرئيس... لمسنا منك الصدق، والمشاعر الدافئة، ومددنا يدنا لك سريعا، ووافقنا على عقد القران معك من دون تردد، لم نطلب منك مهرا لا مقدما ولا مؤخرا... لأننا اعتبرنا أنك كسبت ودنا وثقتنا واحترامنا.

يوم خاطبتنا من القاعة الكبرى في جامعة القاهرة نظرنا إليك أستاذا جامعيا، بل فيلسوفا مفوّها، يشاطرنا أمنياتنا في مواجهة المعاناة التي عشناها طوال عقود من الزمن، وجدنا تطلعاتنا حاضرة في خطاباتك وما أكثرها، لأنك لم تترك آية ولا حكمة ولا حديث من نبي مرسل أو موعظة حسنة إلا واستخدمتها معنا.

اليوم فقط أدركنا أن المواعظ الحسنة مكانها الصحيح هي دور الحكمة، وأن الفلاسفة مكانهم في الجامعات أو دعاة إصلاح في المجتمعات، اليوم فقط عرفنا أن الخطابات العذبة لا يمكن أن تكون سوى أمام الجماهير قليلة الوعي، عاطفية التفكير.

من حبنا المفرط لك سيدي الرئيس صرنا نتجادل فيما بيننا هل باراك حسين يخفي إسلامه تقية من أعدائنا، لم ننظر فيك سوى الشاب الأسمر الذي عانى التمييز والاضطهاد مثل شعوبنا تماما... راودتنا الأماني والأمنيات، ولذلك اليوم نفيق على صدمة اليقظة.

سيدي الرئيس... إذا أردنا أن نحملك على سبعين محمل سنقول لك لقد نلت شرف المحاولة... محاولة أن تزيل الأدران من سياسة بلادك الخارجية، ولكن كان علينا أولا وقبل أي شيء أن نزيل الأوهام من عقولنا.

ربما لا تختلف معاناتك عن معاناتنا، سوى أنك تحمل لقب الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، الذي عشق عبور المحيطات من أجل خوض حروب ومغامرات جديدة في أصقاع الأرض شرقا وغربا... شمالا وجنوبا.

فخامة الرئيس... بعد 400 يوم قضيناها معا ندرك أن ثمة بون شاسع بين ما قلته وما فعلته... قلت لنا إنك مصمم على إنهاء معاناة الفلسطينيين (أكبر قضية معاناة في التاريخ الحديث) عبر مشروع الدولة الموعودة، وقلت لنا إنك تدرك أن القضية الفلسطينية تشكل بؤرة لعدم الاستقرار في العالم.

نعم لا ننكر أنك أرسلت لنا مبعوثك الخاص السناتور جورج ميتشل، وتجول في عواصم المنطقة، وتكبد عناء السفر في الأميال الطويلة مرات ومرات، ولكن بعد عام نكتشف بأن ميتشل فشل في مهمته، وأن أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع أضحت أكثر سوءا بعد زيارات السيناتور ميتشل عما كانت قبلها.

والآن، نصحو مجددا على وقع خطاب الاتحاد الأخير، فنجد أن كلمة فلسطين لم تجد لها مساحة بين السطور الطويلة. تحدثت عن كل شي إلا عن قضيتنا!

فخامة الرئيس أوباما.. يحذونا الأمل ألا تكون قد أصبحت سجينا في الدوامة التقليدية للسياسة الخارجية، التي اجتاحت أفغانستان والعراق في عهد جورج دبليو بوش، والآن نشاهدك على أبواب التورط في بقاع أخرى... في إيران... وفي باكستان... واليمن واليوم أقحمت السودان ضمن القائمة أيضا، وجعل الله غدنا أفضل من ماضيه حتى لا نصحو على المزيد من الفواجع.

سيدي الرئيس، إذا كان بوسعك أن تصغي لنا قليلا - شعوب هذه المنطقة - سنقول لا تدير ظهرك لمعاناة الفلسطينيين... آن الأوان لأن تتخلى عن المفردات المستعارة من قاموس اليمينيين المتطرفين الذين التقط العالم أنفاسه قبل مغادرتهم البيت الأبيض، ليس بالقوة وبالترسانات سيعم الأمن والرخاء.

بعد عام كامل على رئاستك، أطفأت شمعتك الأولى، والقضية الفلسطينية لم تتقدم شبرا واحدا إلى الأمام... مر حول كامل وانتهى الموعد الذي حددته لإغلاق معتقل غوانتنامو سيء الصيت، ولكن المعتقل البرتقالي الذي شهد أسوأ التجاوزات بحق المعتقلين لايزال يشكل شاهدا على أكبر تجاوزات لحقوق الإنسان.

قلت لنا أيضا بأنك تنوي الانسحاب التدريجي من أفغانستان، ولكنك أوغلت في التورط العسكري قدت عنان المبادرة لإرسال أرتال عسكرية تحمل عشرات آلاف الجنود إلى هذا البلد، الذي بحاجة إلى الأمن والتوافق الداخلي والإعمار أكثر من التدخل السافر في شئونه والاستمرار في انتهاك سيادته، لن تحل المأزق الأفغاني عبر قصف المنازل الطينية على رؤوس ساكنيها حين يجنح الظلام.

سيدي الرئيس... وعدتنا أن الديمقراطية آتية لا ريب فيها إلى المنطقة، وقلت لنا بالفم الملآن: ساعة وقف الاستبداد قد أصبحت أقرب إلينا من حبل الوريد، ولكنك رضخت أمام مسلسل بيع المزيد من ترسانة الأسلحة الفتاكة للحكومات الحليفة عبر العالم!

عددّت أمام الشاشات والكاميرات قوائم طويلة من المبادرات «الخلاقة» لمد جسور التواصل مع العالم الإسلامي، في مجال التعليم وتعزيز الفرص أمام الشباب وتنمية قدرات المجتمع المدني والشراكة الاقتصادية، وقبل ذلك رفعت برنامج الحوار والتواصل مع هذه الشعوب، ولكن عفوا كل ذلك لم يحصل.

أوباما... كنا متعاطفين معك... وسنبقى كل ذلك... في أسوأ الأحوال، أنت زرعت لدينا بذور الأمل في أن نشاهد أميركا أكثر إدراكا لمتغيرات العالم، وأكثر قربا لقضايا الشعوب وفهم أوليات الاستقرار ومسببات الصراع، خصوصا في هذه المنطقة التي آثرتها بأكبر كمٍ من الخطابات والكلمات!

نعم، نقر بأننا قضينا أشهرا من العسل خلال العام الماضي على وقع القصص الرومانسية، صحيحٌ أنك أخفقت كثيرا ولكن إخفاقك بالتأكيد يقل كثيرا عن حجم إخفاقتنا، الفرق الوحيد الذي يميزك أنك أقررت بالتخبط وربما الفشل... ولكن نحن لطالما ألبسنا هزائمنا أثواب البطولة، حتى بتنا قاصرين عن التمييز بين آمالنا وأوهامنا.

ليس أمامنا الآن من خيار سوى أن نذرف الدموع على واقعنا... على هزالتنا... على سوء قدرنا... لا نريد أن نحملك مالا طاقة لك به، ولسنا بحاجةٍ إلى أن نسمع منك مزيدا من التبريرات...

ما تبقى لنا من أمنيات بأن يحالفك الحظ في عامك الثاني بأن تعي الدروس من أخطاء أميركا الجسيمة... نتمنى أن نرى ذلك وإن كنا لا نتوقع حدوثه في ذات يومٍ قريب... وحتى ذلك الحين نقول كان الله في عوننا سيدي الرئيس!

أوباما... نصدقك القول بأن خطاباتك قد ألهبت مشاعرنا، ونسينا قليلا الكثير من جراحاتنا، لذلك فجأة ومن دون مقدمات قبلنا عقد القران معك، لأننا تعاطفنا مع شعار التغيير ومع بشرتك السمراء، ومع لسانك المفعم بالحكم والعبر

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2711 - السبت 06 فبراير 2010م الموافق 22 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:45 ص

      على العرب والفلسطينيين الاعتماد على أنفسهم في تحرير أوطانهم- ام محمود

      إن الرئيس باراك اوباما ينوي إنفاق أكثر من خمسة مليارات دولار (تقريبا 7 مليار) على صيانة ترسانةِ الولايات المتحدة النووية ومختبراتِها الذرية في السنوات الخمس المقبلة من 2010 إلى 2011 وفي المقابل هناك عداء واستنفار لكل ما تقوم به الجمهورية الإسلامية من برامج نووية سلمية وهناك تحذيرات من بيل غيتس وأشار إلى (عقوبات قاسية) واوباما صرح من قبل إن هناك (عواقب متزايدة) للزعماء الإيرانيين سيتحملونها .. يقولون اوباما من مواليد برج الأسد وهو يتمتع بذكاء غير عادي وعقلانية وثقافة وسعة أفق تؤهله للحكمة.

    • زائر 2 | 1:27 ص

      احمل أخاك المؤمن، وليس الكافر!!

      لماذا نكبر الموضوع وهو صغير، لقد وصل أوباما إلى الحكم بالكلام المعسول ولم يعمل أي شيء، لقد حصل جائزة نوبل وسيحصل الكثير إن لم يقم بعمل أي شيء، وسنظل نحن العرب نصفق له وننتظره، بل وننتظر غيره ليأتي ليغير ما بنا من ضعف وهوان، وشكراً.

    • زائر 1 | 1:23 ص

      مع احترامي لك، ليس هكذا تورد الإبل

      مع احترامي للكاتب إلا أننا يجب أن نقول بأن أوباما ليس ضحية، ولو كان ضحية لأمكنه وبكل يسر أ يعلن للملأ أنه قد حاول، ولكن ما فعله أوباما أنه لم يجرب إلا الكذب مع الشعوب العربية والإسلامية ولم يتقدم بأية خطوة عملية.
      ويكفينا أنه لم يزحزح حجرة واحدة في سياساته الخارجية، ولا أتحدث هنا عن الكلام الكثير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
      أخيراًُ أود التأكيد على أنه من الخطأ أن نعول هذا هذا الذب الأميركي لأنه يبحث عن مصالحه أينما حلت، والماضي والمستقبل يشهدان، والسلام ختام.

اقرأ ايضاً