العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ

قراءة في كتاب ... الدونمة بين اليهودية والإسلام

كتاب في 183 صفحة من القطع المتوسط، يتحدّث عن تاريخ فرقة «الدونمة» وأصولها، في أسلوبٍ أدبي سلس. فالكاتب أستاذ جامعي عراقي، حاصل على البكالوريوس والماجستير من جامعة بغداد، وعلى البكالوريوس باللغات السامية (العبرية والآرامية والفينيقية)، من جامعة مانشستر، وعلى الدكتوراه من جامعة لندن.

المؤلف درس في جامعة البصرة، والملك عبدالعزيز، وجامعة مغيل وسالفورد ومانشستر، والكلية الإسلامية بلندن. وله عددٌ من الدراسات في اليهودية، وأشرف على عددٍ من أطروحات الدكتوراه، وترأس مركز اللغة العربية بجامعة لندن لمدة عشر سنوات.

أما الكتاب فدراسةٌ قيمةٌ لهذه الفرقة الغامضة، التي لعبت دورا سياسيا بارزا في تركيا الحديثة، رغم أن من أسّسها حاخام يهودي غريب الأطوار اسمه شبتاي صبي، وذلك قبل ثلاثة قرون، والذي ادعى انه المسيح الذي سيخلص بني إسرائيل ويقيم لهم مملكتهم الموعودة، فتابعه على ذلك الآلاف من اليهود في تركيا وعدد من البلدان الأخرى. والطريف أن الحاخام عندما ذهب إلى اسطنبول العام 1666م، واستقبله اليهود هناك على أملٍ كاذبٍ بأن تحدث معجزةٌ ويسلمه السلطان العثماني محمد الرابع الحكم، كان يعد اتباعه بأنه سيأخذ السلطان أسيرا، لكن الشرطة التركية ألقت القبض عليه بأمرٍ من الصدر الأعظم وأودعته في السجن.

ما حدث بعدها أن رُتّب له لقاء مع السلطان وافتضح أمره، وجرت مساومته على ترك حركته على أن يُعيَّن مديرا لخدم القصر. وأعلن إسلامه ولكنه بقي على يهوديته في الباطن، وهكذا بقيت حركته وأتباعه إلى اليوم.

الكتاب مقسم على بابين: شبتاي صبي مؤسس الفرقة، وفرقة الدونمة، من حيث أصولها وتعاليمها وفروعها، وينتهي باستعراض دورها في تركيا الحديثة.

هذه الفرقة الباطنية تأسست على أساس فكرة المسيح المخلص في اليهودية، التي تتكرر في صلوات اليهود وأدبياتهم، التي تتحدث عنه كواحد من نسل داوود، وأن يكون قاضيا ومعلما للتوراة. وبعد أن سيطرت هذه الفكرة على العقل اليهودي، ادّعى بعض اليهود في عصور مختلفة أنهم المسيح، أولهم رجل اسمه ثيودوس من فلسطين ادعى أنه نبي في حدود العام 44 ميلادية، وقاد أتباعه إلى نهر الأردن حيث وعدهم بفلقه، ولكن الحاكم الروماني كاسيبوس لحقه بجيشه وقتل بعضهم وأسر البعض الآخر، وقطع رأسه وحملوه إلى القدس.

وهكذا خرج آخرون في فلسطين ومصر وسورية وجزيرة كريت وهمدان وفاس والعمادية (شمال العراق)، والأندلس وفرنسا والبندقية (فينيسيا بإيطاليا). بل إن رئيس وزراء بريطانيا اليهودي بنيامين دزرائيلي اعتبر أحدهم (داوود الرئي) بطلا قوميا، إذ اختلطت فكرة المسيح بخلاص اليهود في البلدان الختلفة التي يعيشون فيها، والتي كانت تدغدغ مشاعرهم القومية وتجعلهم ينساقون مع الدعوات الكاذبة.

في الباب الأاول يتكلم المؤلف عن مؤسس الفرقة، الذي ولد في العام 1626 في مدينة ازمير التركية، لأبوين يهوديين، وقد هاجر أبوه مردخاي من اليونان واشتغل بتجارة البيض والدجاج، وأصبح تاجرا معروفا. وألحقه أبوه بالمدارس الدينية ليكون حاخاما مع بلوغه العشرين، ومن ثم يتصدى للتدريس. ولكنه فشل في ارتباطه بالزواج مرتين، وهو ما فسره طلابه بنوع من الطهارة والتبتل، ويفسرون ما يمر به من أطوار غربية (كالرقص أمام طلابه والغناء بصوتٍ عالٍ) على أنه نوع من مصارعة الشياطين. بعدها أخذ يعدهم بتحقيق أشياء عظيمة في المستقبل، ويسر للمقربين منه بأنه سيكون المسيح المخلص.

في العام 1662 رحل إلى جزيرة رودس، ومنها إلى طرابلس الشرق ومصر حيث عاش في كنف أحد الأثرياء اليهود. بعدها توجه إلى فلسطين ليعود إلى القاهرة، ويتزوح بامرأة اسمها سارة، اشتهرت لعلاقاتها وسلوكها الغريب بالرجال. في تلك الفترة التقى بحاخام شاب اسمه ناثان المتنبيء، لتبدأ قصة أغرب من الخيال، حيث تكوّنت علاقة قوية تربط الرجلين، يصبح فيها ناثان المنظّر الأكبر للحركة، التي سار فيها وراءهما كثير من الأتباع، من عدة بلدان، رغم معارضة بعض الحاخامات الذين اعتبروه دجالا. واستمرت هذه المعارضة منذ إظهار دعوته حتى ما بعد سجنه وتحوّله الظاهري للإسلام. فقد أثيرت حوله إشكالات مثل وضعه القرآن بيد، والتوراة باليد الأخرى، وأداؤه الصلاة بالطريقة اليهودية، والاحتفال بالمناسبات الدينية اليهودية.

في العام 1672، جاء من ادرنة الى القسطنطينية، مع مجموعة من اتباعه، وتركت له الحرية ليمارس طقوسه، ثم ألقي القبض عليه بتهمة الكلام ضد الإسلام، وذلك على إثر وشاية من بعض الحاخامات الذين أغروا به البستاني باشا، قائد حرس القصور، وارتأت الحكومة نفيه إلى ألبانيا، في أقصى جنوب مونتنغرو. وفي العام 1674 توفيت زوجته، فتزوج ابنة حاخام من سالونيك، وتوفي في 17 سبتمبر/ أيلول 1676، ودفن في مكان قرب البحر.

الدونمه

في الباب الثاني يتحدّث المؤلف عن الدونمة، وهي كلمة تركية أطلقت على اتباع شبتاي، وتعني المتحولين عن دينهم، أو المرتدين، بينما هم يسمون أنفسهم «مئامنيم»، أي مؤمنين. وكان عددهم قليلا في حياة المؤسس، وأكثرهم من تركيا ودول البلقان، وظلوا يصلون ويصومون رمضان وبعضهم يؤدي الحج، ولكن عبادتهم الحقيقية في معابدهم الخاصة، ولهم اسمان واحدٌ بينهم وآخر مع غيرهم. ولا يتزوجون من سواهم، فالمرأة التي تتزوج من غيرهم تذهب للنار، ويفسر البعض ذلك بأنه نوع من الحرص على الثروة لئلا تنتقل لغيرهم. كما أنهم لم يكونوا يلجأون للمحاكم الإسلامية بل للشريعة اليهودية عن طريق الحاخامات. وهو ما جعل الموقف الإسلامي العام مشككا فيهم، فإسلامهم لم يكن مبنيا عن عقيدة وإيمان، وإنما مجرد غطاء لدينهم الحقيقي.

الدونمة في تركيا الحديثة

قدر عدد الدونمة نهاية الدولة العثمانية ما بين 10 و15 ألفا، ولعبوا دورا كبيرا في جمعية الاتحاد والترقي، التي قادت الانقلاب على السلطان عبدالحميد، ومازال تأثيرهم كبيرا في تركيا الحديثة، إن في السياسة أو الإعلام والصحافة، من بينهم المحامي كراسو الذي كان مستشارا للحكومة التركية في الحرب العالمية الأولى؛ وعمانوئيل رفائيل، عضو الوفد التركي إلى مؤتمر لوزان إذ كان مسئولا عن البنود المتعلقة بالامتيازات الأجنبية في اتفاقية الدردنيل؛ وابراهام غلانته، أحد الداعين لتغيير الحرف العربي إلى اللاتيني، وحقي باشا سكرتير رئيس الوزراء، ومحمد جاود بك الذي تولى وزارة المالية ثلاث مرات، ومن النساء الأديبة خالدة أديب التي كان لها تأثير على أتاتورك، التي ينقل المؤلف عن الموسوعة اليهودية أنه (أي اتاتورك) أصله من الدونمه، حسبما يؤكده الكثير من يهود سالونيك.

ويذكر المؤلف عددا من الأسماء من بينهم رئيس تحرير صحيفة «مليت» عبدي ابكجي الذي اغتيل في 1978، وزوجة رئيس الوزراء الراحل بولند اجاويد (رحشان ارال)، التي كانت تترأس حزب الشعب الجمهوري ثم أصبحت نائبة الرئيس بعد إطلاق سراح زوجها من السجن وتعيينه رئيسا للحزب. وأطلان اويمن مؤسس وكالة أبناء «أنكا» الذي ترأس الحزب المذكور في التسعينيات. ومن بينهم أيضا رئيسة وزراء تركيا السابقة تانسو شيلر من ناحية الأم. وكذلك إسماعيل جم، وزير الخارجية بين عامي 1997 و2002.

الدونمة بين اليهودية

الكاتب: جعفر هادي حسن

دار الوراق للنشر

العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً