العدد 532 - الخميس 19 فبراير 2004م الموافق 27 ذي الحجة 1424هـ

خطوات جريئة تحتاج إلى دعم مختلف الأطراف

على خلفية توصيات المجلس الأعلى للمرأة

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

يجب الاعتراف شئنا أو أبينا أن بعض القيادات الدينية في بلادنا تمكنت من الوقوف في وجه صدور قانون الأحوال الشخصية وحرمت المرأة البحرينية الضائعة في المتاهات والمحاكم من وضع قانون واضح يمكنها من حسم مشكلاتها ومشكلات أطفالها خصوصا في زمن صار الكثير من الأزواج خالٍ من كل حس إنساني حتى تجاه الأطفال إذا ما تزوج بأخرى إضافة إلى بطء الأحكام الصادرة عن القضاة.

وإذا علمنا أن هؤلاء يسيطرون على العوام البسطاء ما يساعدهم في الانتصار على المرأة ومحاصرتها بذريعة أن لديها كل القوانين المطلوبة لإنصافها من غير اللجوء إلى القوانين الوضعية. وعلى رغم إدراكنا وإدراك كثير من المثقفين لمعاناة المرأة البحرينية فإن هذا الحاجز يقف في وجه أي تحرك تجاه الخروج من هذا الحصار. وهذا التحدي يعتبر من أخطر التحديات التي تواجه المجلس الأعلى للمرأة فبقدر ما يرغب هذا المجلس أن يحقق طموحات المرأة وحل مشكلاتها وفي مقدمتها إصدار قوانين ثابتة للأحوال الشخصية على غرار معظم الدول العربية ومن بينها دول الخليج العربية وجارتنا إيران. غير أن قرينة عاهل البلاد سمو الشيخة سبيكة تبذل جهودا مضنية لتخطي العقبات التي تقف في وجه إعطاء المرأة البحرينية حقوقها، وكل المؤشرات تؤكد أن المجلس الأعلى لم يستسلم ويترك المرأة البحرينية في محنتها ودخلت التحدي من خلال البحث عن وسائل أخرى، وقد اتخذت تلك الوسائل أشكالا متعددة لتخفيف معاناة المرأة.

ويجب الاعتراف أن رئيسة المجلس الأعلى الشيخة سبيكة تبذل جهدا كبيرا ومن خلال حماس كبير للغاية تستحق معه إعجابنا ككتاب وصحافيين، وما كلمة سموها في مناسبة يوم المرأة العربية قبل أيام إلا واحدا من أساليب التخفيف عن أعباء المرأة البحرينية حين أعلنت قرب تفعيل توصية المجلس بشأن كفالة حق المطلقة الحاضنة والمعيلة لأسرتها في الانتفاع من الوحدات السكنية كما أوصى المجلس أيضا بإنشاء صندوق للنفقة الزوجية بإعادة تنظيم وثيقة الزواج بما يكفل حقوق الطرفين مع اقتراح صفة الاستعجال لقضايا الأسرة.

وفعلا كما أكدت رئيسة المجلس الأعلى للمرأة أن المجلس لديه الكثير من المقترحات والتوصيات والبرامج التي عنت بصورة مباشرة بكيفية تحقيق الأمن الاجتماعي والقانوني والاقتصادي للمرأة بعد أن كشف جوانب القصور في بعض القوانين والقرارات، معلنة سموها أن المجلس سيعمل على التواصل الدائم مع المرأة العربية. وقالت الشيخة سبيكة ان جميع التوصيات المرفوعة لجلالة الملك تحظى بتعاطفه الشخصي إذ أولاها اهتماما خاصا فقد أصدر جلالته أوامره السامية بإحالة تلك التوصيات المتعلقة باقتراح مشروعات القوانين وتعديلها إلى الجهات المختصة، ودعت رئيسة المجلس كل الوزارات والمؤسسات الرسمية والأهلية والأبناء في كل المواقع بدعم هذه المسيرة وإدراكا منها أن المجلس الأعلى للمرأة لا يمكنه أن ينجح في هذه التحديات وحده، دعت جميع المواطنين إلى دعم هذا التوجه بقولها: «إن مسيرتنا لن يكتب لها النجاح الذي نطمح إليه من غير دعم جميع الأطراف».

أما الخطوة الإيجابية التي تلت هذه الخطوة المباركة والجريئة وهي تسجل كجزء من عملية الانفتاح والإصلاح الجديد هو ذلك الرد الإيجابي السريع من قبل وزارة الأشغال والإسكان حين أصدرت القرار الوزاري رقم 12 لسنة 2004 وأعطت بموجبه الحق للمرأة البحرينية العاملة أو التي لها دخل محدود وتعول أسرتها ولا تمتلك أي عقار في الانتفاع من إحدى الخدمات الإسكانية المقررة بموجب قانون الإسكان. كما أعطى القرار الحق للمرأة البحرينية المطلقة التي منحتها المحكمة الشرعية حق حضانة أطفالها أو التي اتفقت مع مطلقها بموجب مستندات رسمية بأن تبقى الحضانة لديها بصفة دائمة.

أما المكسب الثاني للمرأة فهو الجانب الآخر من القرار الذي حسم قضية كانت محل جدل كبير تصل إلى المحاكم في معظم الأحيان وذلك بإعطاء المرأة الحق بالبقاء في الوحدة السكنية التي ينتفع بها الزوج عند الطلاق أو بتقسيم الوحدة السكنية من قبل المحكمة الشرعية المختصة على أن يدفع المطلق إيجار السكن.

طبعا جاء ذلك بناء على توصية جلالة الملك واستجابة سريعة من قبله لقناعته بدور المرأة من جهة ولتفعيل دور المجلس الأعلى ليؤكد جلالته بذلك أنه لم يسمح بإقامة مجرد مجلس شكلي بل فعل ذلك قناعة من جلالته أن للمرأة حقوقا ويجب أن تعطى وتدعم.

إن المجلس الأعلى للمرأة استطاع من خلال هذا الجهد ومن خلال تنفيذ توصياته وتحويلها من دائرة التنظير إلى أرض الواقع أن يفرض نفسه على الساحة البحرينية. وكشف ذلك عن عدة أمور، خصوصا بعد أن تمت الاستجابة السريعة لأوامر جلالته من قبل الجهاز التنفيذي من دون تباطؤ أو عراقيل كما تعودها المواطن البحريني في السابق، أهمها:

أن المجلس لن يوقفه أولئك الذين يحاولون تحجيم حقوق المرأة البحرينية التي عانت طويلا ويرفضون انطلاقتها تحت عناوين مختلفة.

أن هذا المجلس جاء ليكون أداة فعالة لإخراج المرأة البحرينية من عصور التخلف إلى عالم متطور يؤمن أن من حق المرأة أن تتساوى مع الرجل في حقوقها.

إن القرار سيخدم المئات من المضطهدات طوال سنوات طويلة، ويعيد الاحترام إليها وينقذها من الضياع خصوصا إذا تعاونت المحاكم الشرعية معها بعقلية منفتحة ومن خلال حس مدرك بخطورة أوضاع المرأة البائسة التي كثيرا ما كانت ضحية أزواج بعيدين عن الإحساس بالمسئولية وما ينتج عنه من خراب للأسرة وضياع للأبناء.

كشف القرار أن القيادي الجاد يمكنه خدمة المجتمع وخدمة هذه الشريحة المهمة من المواطنين إذا أراد ذلك من خلال قناعة واضحة من دون أن يصطدم مع المشايخ الذين لا ينظرون إلى التطور الزمني والتغيرات الاجتماعية التي تحدث عالميا وإقليميا ومحليا، معتقدين أن العالم متوقف عند الثوابت الأولى التي تتضمن الشهامة والخوف على أطفالهم من الضياع والخوف على سمعته بعد الخوف من الله. وليت تلك الأخلاقيات باقية حتى الآن حتى لا تحتاج المرأة إلى قانون للأحوال الشخصية.

آن الأوان أن تقف مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب المجلس الأعلى بدعم المشروعات التي يرغب في إقامتها لصالح المرأة البحرينية من خلال هامش الربح الذي تتركه كل مؤسسة للأعمال الخيرية من دون أن تبادر بتقديمها إلى الجمعيات والمؤسسات الثقافية والفكرية ومن بينها المؤسسات النسوية غير مدركين أن ذلك أعظم دعاية لمؤسساتهم وأكبر ألف مرة من تلك الإعلانات والكتيبات الدعائية والإعلامية التي تصدرها لجلب المؤيدين وإبراز مكانتها أمام المجتمع.

إن المثقف البحريني لا يسعه إلا أن يشد على أيدي قيادة المجلس الأعلى للمرأة على جهودها الرائعة على رغم ولادته الحديثة ويشعر بالاطمئنان أن المجلس فعلا في أيد أمينة ويدرك ان تصريح الأمينة العامة للمجلس الأعلى للمرأة لولوه العوضي بأن رفع المعاناة عن المرأة البحرينية وبالتالي الأسرة البحرينية يعتبر من الأولويات التي يسعى المجلس الأعلى إلى تحقيقها بكل صدقية من خلال أفعال لا أقوال.

وبهذا يمكن أن نؤكد أن البحرين في عهد الانفتاح وإصلاحات جلالة الملك خطت خطوة جادة في محاولة تحرير المرأة من الاضطهاد الذي عانت منه طويلا خصوصا بعد إعطائها المجال لإثبات كفاءتها في مجلس الشورى بعد أن ظلمها المجتمع البحريني بعدم ترشيحها للمجالس البلدية والمجلس النيابي ما أكد أن عقلية الرجل البحريني بما فيهم مثقفيهم مازالت متخلفة. وقد كشفت الصراعات التي تحدث بين الجمعيات السياسية في الوقت الذي هم بحاجة إلى وحدة الصف لدعم المشروعات الإصلاحية من جهة والوقوف إلى جانب جلالة الملك بعدم إثارة الشكوك من خلال تصرفات لن تصب لصالح الوطن وخصوصا أن الصخور التي تقف في وجه الإصلاح دفاعا عن مصالحها الخاصة مازالت تقاوم مع أنها حسب رأي المحللين السياسيين في الرمق الأخير وأنها في عزلة عن المجتمع المتعطش إلى تجربة جديدة قادرة على إنقاذه من براثن الفقر والتخلف.

ونقول لـقيادة المجلس الأعلى للمرأة أن صدور القرارات لا يكفي وحده فهي بحاجة إلى إعطائها صفة الاستعجال من خلال تشكيل لجنة للمتابعة وتقديم تقرير واضح وبالأرقام عما يتم إنجازه للمرأة البحرينية مع نهاية كل عام ليطمئن المثقف البحريني

العدد 532 - الخميس 19 فبراير 2004م الموافق 27 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً