العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ

«المجهول» تعبير عن هواجس إنسانية

ضمن فعاليات مهرجان أوال المسرحي...

تتواصل التدريبات التي يقودها المخرج حسين العصفور استعدادا لخوض تجربته الجديدة الثانية «المجهول» في مهرجان أوال المسرحي السادس 2010 م... هذا المحفل الفني الذي يجمع فناني البحرين و المهتمين بالثقافة المسرحية و النقاد حول حزمة جديدة من الأعمال المسرحية الجميلة التي تكسب الفنانين روح الأخوة والتقارب وتبادل الخبرات.

ومسرح الريف يولي اهتماما كبيرا لمثل هذه المشاركات الفنية المتنوعة التي تهدف إلى تعميق أواصر التقارب بين الفنانين، لذلك نجده هذه الأيام يعدُّ العدّة لتقديم مسرحية «المجهول» من إعداد المخرج الفنان حسين العصفور في 20 فبراير 2010م على خشبة الصالة الثقافية في هذا العرس الفني.

والمخرج العصفور في هذه الأيام يتعايش أنفاس هذه المسرحية، ويحاول الحفر في الشخصيات والاشتغال بالتكوين ورسم جماليات العرض من خلال التدريبات المكثفة التي يجريها على خشبة مدرسة الروضة الابتدائية من أجل إظهار مسرحيته بمستوى جميل يتماشى مع فكره، فنراه يحدق النّظر و يفكر... و يعترض أحيانا... يشرح الصورة ليشكل توليفة مشحونة من معاناة الممثلين بتداخل أصواتهم لينسج أصواتهم وحركاتهم لوحات تعبيرية جميلة ليدلل بها عن مدلولات فنية مبطنة تحتويها الحوارات وتقودها نحو قضية تتفجر في دواخل الإنسان كالإحساس بالظلم مثلا أو معاناته للخروج مما يعتصره من قضايا. هكذا وجدت الدلالات من تلك الحركات المتزنة والمدروسة لدى المخرج... الذي يحاول توظيف أدواته الفنية ليظفر بعرض متميز.

في فترة الاستراحة بعد أن هدأت الجلبة وسكنت الحوارات المشحونة وجدت الفرصة سانحة لمحاورتهم ليقف القراء المهتمون على جديد هذه التجربة الفنية وعلى بعض المدلولات التي يمكن أن تفسر بعض المعاني التي تختزلها الحوارات.


بدأت بالمخرج الفنان حسين العصفور...

ما الجديد والمختلف في مسرحيتك «المجهول» التي تتحمس لإخراجها؟

- عادة ما يبدأ اختيار المخرج للنص من وجهة نظري عن طريق الوقوع في حبه دون سواه، وأقصد بالحب هنا إحساسه به ولا يمكن قياس هذا الحب بالمنطق أو تبريره، وبعد عملية الحب يجد المخرج نفسه أسيرا للنص فيبدأ عملية البحث في النص المسرحي لوضع الرؤية الإخراجية. ولأنني أحببته و بلغت غابة الاقتناع بمضمونه... فأنا أحاول الاستمرار في عملية البحث بين السطور محاولا تطويره وتقديم مادة مسرحية أكثر عمقا وتطورا ونضوجا عما عرضته في السابق.

قدمت مسرحية «الكرسي» و كان عملا متميزا... فما أهم الاختلافات بينه و بين المجهول من حيث الرؤية الإخراجية؟ وهل توجد نقاط اتفاق بينهما؟

- لكل عمل رؤية خاصة به ومختلفة يضعها المخرج وفقا لما يتناسب مع أفكاره .. أما بالنسبة للاختلاف بين العملين فتوجد عدة اختلافات فمسرحية « المجهول « نراها أكثر عمقا من الناحية النفسية، وهي تحاكي الذات، أما مسرحية « الكرسي « فتتميز بأنها أكثر واقعية اعتمدت على الصورة و الرمزية و الدلالة . كما أن مسرحية « المجهول « تعتمد من حيث الرؤية علي تغريب الحالة مما يعطيها عمقا أكثر و اعتقد أن نص المجهول يساعدني أكثر من الكرسي في تطبيق حالة التغريب .. ولكن النقطة الواحدة التي يتفق فيها العملان المسرحيان إن كليهما حاز على حبي و إعجابي .

الفنانة ابتسام القاضي في مشاركتها لأول مره مع الفنانين الريفيين سألتها ..

ما الذي تريدينه أن يصل للجمهور خلال الشخصية التي تجسدينها في هذه المسرحية ؟

- إنّ مسرحية المجهول تعتبر صرخة في وجه الإنسان أيا كان دوره في الحياة للخروج من دوامة المجهول الذي دائما ما يخاف منه .. تلك الصرخة تقودنا لتكسير قيود الوهم التي دائما ما يضعه الإنسان أمام عينيه و يبني حوله جدارا لا أساس له إلا في نفسه و عقله .

قدمتِ عملا مُونودراميا بقيادة المخرج الفنان خليفة العريفي وهو عمل متعب يؤديه ممثل واحد، وفي المجهول تقفين لأول مرة مع ممثلي الريف و مع المخرج حسين العصفور .. فما الذي يمكن أن يضيفه المخرج و مسرحية المجهول إلى رصيدك الفني ؟

- إن كل عمل يؤديه الفنان المسرحي يعتبر إضافة جديدة في مسيرته الثقافية و الفنية إذا كان يتصف بالجمال، وأن العمل مع المخرج العصفور يعدّ متعة و تجربة مثرية لعمل فني بنكهة مختلفة استمد منها خبرة و ثقة أعتز بها .. لذا فأنا أوجه شكري و تقديري لمسرح الريف و إلى المخرج العصفور على ثقتهم بي واختيارهم لي لتجسيد هذا الدور الصعب التي تتطلب أبعادا كثيرة في الأداء، كما يتطلب مني جهدا كبيرا علي الخشبة وذلك من خلال ترجمة الأحاسيس و الحالات إلى أداء معبر عبر تحولات خاصة مدروسة.

الفنان حسن العصفور.. فنان لامع دائما و يتميز بالكوميديا عادة و الدّعابة .. لكن دوره في المجهول له وقع آخر .. ولمعرفة أثر هذا العمل في نفسه حاورناه بعد أن أنهى الفترة الأولى من التدريب .

حدثني بإيجاز عن طبيعة دورك في مسرحية « المجهول « هل ترى فيه الجديد ؟

- دوري يختلف تماما ولا يتميز بالكوميديا كما هو معهود، ولكن يمتاز بأنه محوري، يتمثل في لعب الشخصية الهادئة .. السارحة المنتظرة للمخلص، خلاف بقية الممثلين . و استطيع من خلاله التأثير في جميع الشخصيات، حيث أدخلهم في دوامة من الحيرة .

المسرح من مهامه الأساسية توجهه إلى الجمهور، ومسرحية «المجهول» تحمل أبعادا فلسفية في المضمون .. فهل الجمهور البحريني يحتاج لمثل هذه الأعمال من وجهة نظرك ؟

- نعم .. جمهور في أي مكان في العالم يحتاج لأعمال فلسفية و ذهنية كهذه، وذلك لأن هذا النوع من الأعمال هو من صميم الحياة الإنسانية والطبيعة البشرية مليئة بالإحباطات و المنغصات ففيها يمكن ضعف الإنسان و قوته، و تشبثه بالأمل . أ و ليس الأمل وقود الحياة بالنسبة لمعظم الناس ؟!

وسألت الفنّان عبد الحسين مرهون عن طبيعة دوره في المسرحية فقال:

- شخصيتي في المسرحية تعبر عن شخص ذو قدرات فكرية و نفسية خاصة، فأنا أمثل من خلالها اتزانه الحكمة و صفاء الذهن و لكن مختلطة ببعض العُجب و الأنا المتعالية كما نجدها في واقع حياتنا المعاصرة ممن يمتلكون تلك القدرات.

كنت ممثلا في مسرحية الكرسي للفنان العصفور و هذه تجربة أخرى للمخرج نفسه و بصفتك مخرجا .. هل ترى ثمة اختلافات بينهما في طبيعة النص و الممثلين والإخراج ؟

- نعم اختلافات، أجد التطور الواضح لدى العصفور في استخدامه لبعض التقنيات و إبداعه في إيجاد اللوحات الفنية بحيث، فقد استطاع المخرج تحويل المسرحية ذات المضمون الفلسفي إلى مجموعة من اللوحات التي تكمل بعضها بعضا .. كما أن النص يحمل ثيمة فكرية جديدة و فلسفة إنسانية محضة . أما بالنسبة للممثلين فقد اعتمد في مسرحية الكرسي على ممثلين رئيسيين و أربع شخصيات مكملة .. ولكن في هذه المسرحية أرى أن الشخصيات مترابطة تعتمد على الأداء التمثيلي لكل فرد . و اعتقد أن المجهول هي قفزة للعصفور نحو طرح رؤية ناضجة في الإخراج.

أما الفنانة هديل كمال الدين فقد تحدثت عما يريده الكاتب و المعد من خلال النص قائلة:

ـــ نص المجهول يطرح أمورا كثيرة، و يمكن تلخيصها في محاولة الغوص داخل النفس البشرية و ما تحتويه من تعقيدات و تفسيرات مختلفة لما يدور حولنا... كما نستخلص منه الرغبة في كسر القيود المحيطة لنا لننطلق نحو الحرية.

رغم حداثة تجربتك في التمثيل، ما طبيعة الشخصية التي تقومين بتمثيلها وتجسيدها؟

- تعدّ هذه المسرحية التجربة الثالثة بالنسبة لي... ولكن تحمل شخصيتي أبعادا إنسانية، فأنا أكون ضمن مجموعة من الممثلين المسجونين في المكان المجهول وأرى بأنني أقل منهم كفاءة في الوقت الذي أنفرد في طرح بعض الأفكار التي تثير دهشتهم. من هذا الدور نستخلص منه أني شريحة من الناس المقموعين والمضطهدين فكريا في المجتمع وهم كثيرون.

صادق العلوي الذي انضم إلى هذا العمل يتمتع بحس فني سألته: حدثنا عن طبيعة دورك في هذا العمل المسرحي؟

- أنا من خلال شخصيتي أقع ضمن المجموعة في صراعاتها وصداماتها مع متغيرات كثيرة تشكلها أحداث المسرحية وأنا ألعب النهجين معا التناقص والتشابه في ذاتي الداخلية مع المجموعة في وقت واحد. ولكن ما يميز دوري ربما تعدد الانفعالات العاطفية ولذا فأنا أحتاج لتجسيد هذه الشخصية المزيد من الحفر في داخلي أكثر وأكثر لأن هذه الشخصية محفزة لي كثيرا وتستفز قدراتي دائما.

هل مسرحية المجهول قادرة على تفاعل الجمهور البحريني في المهرجان بما تحمل من مضمون يميل إلى الطرح الفلسفي؟

- أرى أن هذا العمل يرتقي بالذوق وسيروق للجمهور الذي يطمح إلى قراءة ناضجة من خلال العرض لأن المخرج على قدر عال ٍ من الكفاءة وله قدرات إخراجية وصفاء في الذهن ويبتكر توليفات من خلال المشاهد كما أنه يركز على الممثل من ناحية الأداء التمثيلي وله قدرة في ابتكار رؤية استعراضية في آنٍ واحد ولم يغفل أداوته كمخرج بالإضافة إلى أن هذا العمل يجمع ممثلين يتصفون بالقوة وأنماط مختلفة في الأداء وهذا يشكل في حد ذاته توليفة متناغمة وجميلة جدا تبعث بالارتياح فكريا. ولذلك أن الجمهور الذي يطمح في فكر جميل سيتفاعل معها و يحسن قراءتها.

أما الفنان حسن المحاري فله دور آخر... فهو يعكف جاهدا في بناء مؤثرات موسيقية حية تتداخل مع أحداث المسرحية سألناه...

هل تستطيع التأثير من خلال آلتك الموسيقية بالتعبيرعن دلالات مضمون فلسفي تتطرق له هذه المسرحية؟

- نعم... إنني أرسم و أعبر من خلال الموسيقى لتقريب الصورة، فأنا أرى أن الممثلين يظهرون حالات الحصار داخل النفس البشرية من خلال أدائهم و بالموسيقى أحاول التواصل معهم في معاناتهم.

فمن خلال دراستي للموسيقى تعرفت علي تاريخ الموسيقى و على كبار الموسيقيين مثل «أستروفسكي» و «بتهوفن» و «خاجا توريان» و جميعهم توغلوا في دواخل الإنسان، وقد لامست موسيقاهم معاناتهم... هذه المحاكاة المسموعة جعلتني أعتمدها في بنائي للمؤثرات التي تميل إلى هذا الجانب الفلسفي... أتمنى أن تلاقي استحسان الجمهور وتكون أصدق تعبير دلالي يوازي جهد الممثلين على الخشبة و تفجر طاقته الإبداعية وإحساسه أيضا.

العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً