يولي الفنان التشكيلي خالد الطهمازي عناية خاصة بألوانه، يستمتع بها وهي «طازجة على الكانفاس الأبيض»، ينتشي بها ويظل يسبح فيها، كما يعبر، لأنها تأتي من داخله، يلعب بها على إيقاع خاص يمليه شعوره «الذي يجعل لها طعما ونكهة مميزين».
السمة الرئيسية لأعماله تتمثل في المزج بين التجسيد والتجريد، ومعرضه الشخصي السادس الذي يفتتح مساء اليوم بجمعية البحرين للفنون التشكيلية تحت عنوان: «أطياف الديمومة» يعرض 22 لوحة من أعماله الجديدة التي يقول عنها خالد: «أقدم في أعمالي خطوط الجسد بشكل غير واضح أنقل من خلاله الإحساس بهذا الجسد».
«الوسط» حاورت الطهمازي حول أسلوبه الفني، أسباب «عزلته» الفنية إذ جاءت آخر معارضه الشخصية في العام 2003، وبعض هموم فناني البحرين التشكيليين من الشباب.
ألواني العفوية لا تأتي اعتباطا
الألوان في لوحات خالد والكيفية التي يعالج بها هذه الألوان هي ما يشكل البنية الأساسية لأعماله، عن ذلك يقول «ما إن أضع الألوان على اللوحة حتى تبدأ في تشكيل روح العمل، بعدها قد تفرض علي اللوحة أمرا غير ما أردت، تصبح العملية تفاعلية بيني وبين العمل».
ويضيف «لعل ما يميز لوحاتي هو إحساسي العاطفي بالألوان فيها، وأنا لا أريد أن أحلل ألواني أو أنتقد نفسي لكن بالنسبة إلي فإن الألوان تعكس شخصيتي ومزاجي وإحساسي وهذا ما أبحث عنه دائما في أعمالي».
ثم يقول: إن «ألواني فيها عفوية أستحضرها من دون التركيز على ماهيتها، أنتشي بها وأظل أسبح فيها لأنها تأتي من أعماقي ولذلك تحمل في شكلها النهائي نكهة خاصة تعكس روحي وأفكاري وثقافتي وذوقي».
بالنسبة إليه لا يهم تكنيك توزيع اللون أو الأداة المستخدمة، إذ «لا يوجد لون أو تكنيك أو حل جاهز. الألوان تأتي نتيجة عملية متسلسلة من البحث عن الشكل المبهم أو الذي يحمل كيانا غير مرئي».
ما يهم خالد فعلا هو «التأثير الذي يتركه اللون، وأتحدث هنا عن التأثير الطبيعي المنبثق عن أعماق ذاتي. هكذا تتشكل لوحاتي، التي أعيش فيها رحلة البحث في أعماقي عما يضفي روحا للأماكن والأشياء حتى أصل إلى الصورة النهائية. بالطبع لا يعني ذلك أن تظهر ألواني بشكل اعتباطي؛ ففي لوحاتي هناك دائما نوع من التكوين لشكل ما. شكل يأتي كتبرير وحجة للون».
بين التجسيد والتجريد... واقعية جديدة
أعمال خالد الفنية تتميز أيضا بالمزج بين التجسيد والتجريد مشكلة أسلوبا فنيّا هو أقرب إلى التعبيرية الجديدة. عن ذلك يقول: «في بداياتي اهتممت برسم الوجوه (البورتريهات) بعدها أصبح التجسيد ورسم الشخوص الإنسانية هو الموضوع الرئيسي في أعمالي التي كان أسلوبها في ذلك الحين أقرب إلى السيريالية.
بعدها بدأ التجريد يدخل في أعمالي، من خلال إحدى لوحاتي التي قدمتها العام 1993 والتي قمت فيها برسم شخصي لفتاة، أردت في ذلك العمل أن أعطي الخلفية جوّا يشبه جو الحالة التي قدمتها. في الفتاة شيء روحاني وأردت أن تحمل الخلفية الإحساس ذاته.
من هذا العمل بدأت أركز على خلفيات أعمالي بشكل مختلف يجعلها تشكل موضوعات بحد ذاتها. فبدأت أبحث في الموضوع فوجدت أن المساحات اللونية تعطي إحساسا مختلفا، وأن التعاطي مع المسطحات اللونية يمكن له أن ينقل الكثير من الدلالات للمتلقي، حتى الخطوط في هذه المساحات لها دلالات كثيرة.
هكذا بدأ هذا الأثر يظهر في أعمالي وبدأت في تقديم خطوط الجسد بشكل غير واضح أنقل من خلاله الإحساس بهذا الجسد. هنا جاء التجريد الذي لا أطرحه بشكل مجرد بحت لكنه يحمل روحا بسبب الشخوص التي تظهر من خلال العمل وهذا أسلوب قريب إلى التعبيرية الجديدة، وهو أسلوب يحمل إمكانيات أكبر كما إن فيه عمقا وحرية أكثر وهو في الوقت ذاته يحافظ على روح العمل، وهذا يحقق ما أطمح إلى تقديمه في أعمالي، إذ ليس مهمّا بالنسبة إلي قدرة المتلقي على استنباط شكل معين في أعمالي بل أن تظهر له فكرتي وإحساسي من دون وجود أي مدلول عقلاني.
همي اليوم هو الوصول إلى الحالة الروحانية من خلال اللون وأن أترك اللوحة تتشكل في الوقت الذي استبعد فيه كثيرا من التفاصيل. همي ليس ما يرى الآخرون بل العلاقة بيني وبين العمل والارتباط معه والمشاعر الكثيرة التي أضمنها أعمالي لتتحول إلى أعمال تحمل بصمة فيها روحانية وحس وأثر لإنسان عمل وفكر وكان لديه شعور معين، إلى مادة توثيقية مضافة إليها يد وروح وحس انطبع فيها.
مطلوب دعم الفنانين... ولا للسياسة
سبعة أعوام مرت مذ أقام الطهمازي آخر معارضه، وهو يقول: «أحبطني الانصراف الشديد إلى السياسة في السنوات السابقة في البحرين، وأن يكون الشأن الثقافي والفني هو آخر ما يهتم به الناس. في السنوات القليلة الماضية لم أجد أي نوع من الجدية في التعاطي مع شئون الساحة الفنية حتى من قبل الفنانين أنفسهم سواء من حيث أصالة الأعمال أو حتى اختيار الموضوعات».
الآن هناك توجه ملحوظ نحو الاهتمام بالشأن الثقافي، لكن ما ينقصنا هو وجود مشروع وطني يعنى بشئون ساحة الفن التشكيلي. نريد أن نقدم أعمالا فيها أصالة ويجب أن يدرك الفنانون هذا الأمر، كذلك ينبغي الاهتمام بالفنانين الشباب وبأولئك الذين يقدمون أعمالا فيها نوع من الأصالة، تجب متابعتهم والوقوف إلى جانبهم وإعطاؤهم نوعا من التميز، وذلك فقط من أجل ألا يختلط الحابل بالنابل. كذلك ينبغي توعية الجمهور بأهمية الثقافة والفنون في حياتهم، يجب أن يكون الشأن الثقافي أمرا اعتياديّا لأنه يعطي الحياة قيمة وطعما.
يشار إلى أن الطهمازي شارك في عدد من المعارض الفردية والجماعية التي أقيمت في البحرين وفي خارجها وهو حائز عددا من الجوائز من بينها الجائزة الأولى في المعرض التشكيلي التاسع لشباب مجلس التعاون الخليجي العام 1993، والجائزة التقديرية في المعرض الوطني للفنون التشكيلية السادس والعشرين في العام 1997 والجائزة الرابعة لمسابقة ابيزا الدولية للفنون التشكيلية في 2001، والجائزة التقديرية من بينالي طهران الدولي للفنون الاسلامية في 2002. هذا ويستمر معرض الطهمازي الذي ترعاه وزارة الثفافة والإعلام حتى 11 مارس/ آذار
العدد 2732 - السبت 27 فبراير 2010م الموافق 13 ربيع الاول 1431هـ