العدد 568 - الجمعة 26 مارس 2004م الموافق 04 صفر 1425هـ

«العدل مع من نحب ومن لا نحب»

تساؤلات وآراء عن مجزرة عاشوراء

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

في أتون التفجيرات والأعمال الهمجية الدامية التي أودت بحياة الأبرياء من مئات القتلى، وخلفت عشرات الجرحى في كربلاء والكاظمية، بات الكل يسأل ويترقب الكشف عن الفاعل الذي يقف خلف تلك الجريمة، والبحث عن الحدث وتتبع خيوطه في الجانب المادي هو من الأعمال الصرفة للمخابرات، ولكن تتبع الجانب المعنوي القيمي، والذي هو الأهم في نظرنا، فهذه جريمة وهناك علم يسمى «علم الإجرام»، ويدرس في الجامعات بأن يهتم بنفسية المجرم وأسباب قيامه بالجرم ودوافعه الذاتية الموضوعية والمحيط البيئي، والبحث في الجانب المعنوي، هذا الجانب الذي تمثله الأفكار والمعتقدات التي حركت الفاعل نحو فعلته الدنيئة بكل المقاييس الإنسانية والدينية الإسلامية والمذهبية.

فمعالجة الجانب البنيوي القيمي لهذا الاعوجاج الفكري عند جميع الطوائف الإسلامية هو الأساس لأي حل. هذا الاعوجاج المترسب في الذاكرة التراثية السحيقة. فمازال البعض متربص بالآخر، فلو أن بعوضة قرصته لقال: هي من فعل أفراد الطائفة الأخرى! هذا الاعوجاج المؤدلج عقائديا في البناء الفكري للشخصية الإسلامية أما له أن يستقيم؟

ومن جهة أخرى، ماذا يعني اتهام تنظيم «القاعدة» بالمسئولية عن التفجيرات، وبعد مرور عدة دقائق فقط على حوادث التفجير؟ ومن دون دليل يثبت ذلك! وعلى رغم نفيها لأية صلة بالحادث! ألا يعني ذلك خللا في تفكيرنا؟

و«القاعدة» التي نشير إليها في هذا المقال، هي التنظيم الذي يتزعمه أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، والأخير نفى سابقا أي دور للتنظيم في حادث اغتيال السيدمحمد باقر الحكيم.

وماذا يعني اتهام «القاعدة» بأنها تعمل «كطرف مواز للسياسة الأميركية» بل اتهامها بأنها «طرف تنسيقي في تحقيق الأهداف الأميركية الكبرى»؟ إذا كانت «القاعدة» تقوم بمثل هذا الدور الذي يدعيه البعض فما هو دور أحمد الجلبي إذا؟ ينقل لنا الصحافي، مراسل «الوسط» في واشنطن محمد دلبح («الوسط» 4 مارس/ آذار الجاري) عن دور الجلبي فيقول: لقد نجح (الجلبي) في إقامة علاقات متميزة مع مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ما جعله (أي الجلبي) يحظى بلقب (رجل البنتاغون في العراق)، ويعرف عن الجلبي حرصه على أن يقيم علاقات «سلام مع الكيان الصهيوني» ومنح الولايات المتحدة قواعد عسكرية دائمة في العراق لكي تستخدمها واشنطن في حربها ضد ما تسميه «الإرهاب». هذا دور الجلبي، الحر والطليق والمؤمن من قبل القوات الأميركية، الذي يحظى بأفضل المعاملات ومن أعلى المستويات، من نائب الرئيس الأميركي (ديك تشيني) إلى أمير الظلام أو الحرب (ريتشارد بيرل) مرورا (بارمتاج) فالخارجية والاستخبارات الأميركية، وعلاقته ودوره بالصفقات المشبوهة أكثر من أن تذكر في مقال. فأين موقع زعيم تنظيم «القاعدة» من الجلبي؟ الشيخ بن لادن محاصر وملاحق في ربى افغانستان، والبعض يريدنا أن نصدق أن بن لادن مختبئ وعلى وشك القبض عليه وفي الوقت نفسه يريد منا أن نصدق أن بن لادن هو من يقف خلف تفجيرات كربلاء والكاظمية! هل هذا استخفاف بالعقول؟ هل هذا تضليل للجمهور أم ماذا؟ إما أنه محاصر وعلى وشك القبض عليه وإما أنه يستطيع التحرك وله أذرع ضاربة وبعيدة المدى، هكذا يقول العقل والمنطق، فالجمع بين (النقيضان) هو جمع بين (الأختان) وذلك لا يجوز بإجماع علماء المسلمين!

ولكن «البعض» يصرّ إصرارا ومن دون دليل أو محاكمة عادلة تتوافر فيها شروط القضاء النزيه، على أن «القاعدة» تقف خلف التفجيرات التي حدثت في كربلاء والكاظمية ومن قبلها اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم وعبدالمجيد الخوئي وكل مصائب العرب والمسلمين، والشيعة، وتحديدا في العراق، هي من فعل «القاعدة»، هذا الإصرار ينطلق من ذهنيات إيديولوجية متشددة ضد الآخر، وعاطفية أكثر منها واقعية وعلمية تحليلية.

تساؤلات مشروعة

ولقراءة الحوادث بصورة منطقية واقعية، نسأل: لماذا لم يتم تقديم من قبض عليهم لمحاكمة عادلة تتوافر فيها الشروط المطلوبة؟ وخصوصا أن التحالف أعلن القبض على قتلة عقيلة الهاشمي ولم يحاكمهم، وقبض على قتلة الخوئي قبلها ولم يحاكمهم، وقبض على مغتالي السيدالحكيم ولم يحاكمهم، وقبض على منفذي التفجيرات الأخيرة ونجزم أنه لن يحاكمهم. «ولماذا لا تتم محاكمتهم حتى لا يبقى شعار المرحلة في العراق قبض على القتيل وفرّ القاتل أو قتل القاتل نفسه؟»، فهل بعد ذلك نتهم «القاعدة»؟ ولكن تقول العرب: إن الهوى شريك العمى.

وفي قلب المحنة التي ألمت بالأخوة العراقيين، يجب النظر إلى الفاعل من أية فرقة كان أو إلى أي مذهب ينتمي على أنه يستحق العقاب والقصاص العادل، إذ إن العقوبة شخصية، وليست العقوبة جماعية يؤخذ بوزرها أقوام أو طوائف بأكملها، «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (سورة الأنعام: 164)، ومثلما نطالب بقصاص عادل لقتلة يوم العاشر من محرم، كذلك نطالب بقصاص عادل لقتلة عبدالمجيد الخوئي، وقتلة السيد الحكيم، وقتلة الشيخ سليمان الضاري، وغيرهم الكثير من الأبرياء ومن أئمة ومؤذني المساجد ومرتاديها.

هل تنظيم «القاعدة» مسئول؟

لا يخفى على عاقل وجود أكثر من جهة متشددة حيال الوضع القائم في العراق، ويكون تنظيم «القاعدة» أبعدها عن عمل كالذي حدث في كربلاء والكاظمية، ذلك أن أجندة التنظيم الرئيسية والفرعية، العامة والخاصة، ليس واردا فيها قتل (الأبرياء) بتاتا، أما التنظيمات والتشكيلات الأخرى، على شاكلة تنظيم (جيش الصحابة) في باكستان أوغيره من تيارات، تتبنى الفكر الإقصائي الدموي. فتلك تختلف في الفكر والمنهج والأهداف عن تنظيم «القاعدة»، من هنا يجب على الكاتب الذي يخوض في تلك البحيرات أن يكون عالما بها، ولا يرمي التهم والعبارات على عواهنها. فليقل خيرا أو يصمت.

نعود إلى السؤال: هل تنظيم «القاعدة» مسئول؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب النظر الى عدة عناصر ومكونات تاريخية وعقائدية / مذهبية، وواقعية مصلحية، وكذلك من الناحية العلمية الموضوعية هناك عنصر الإمكان وهو الأهم للوصول إلى نتيجة يرتضيها العقل والمنطق، وتقربنا من الحقيقة.

تنظيم «القاعدة» والإمكانات

تقدم بنا الحديث عن ضعف إمكانات تنظيم «القاعدة»، في هذا الوقت تحديدا، فماكينة القاعدة الذاتية لم تستطع القيام بعمل بمثل هذه الضخامة، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار القوة الذاتية (للتنظيم) في بلد المنشأ والتدريب والتجهيز، وهي ربى أفغانستان، ومنذ الاحتلال الأميركي لأفغانستان عجزت «القاعدة» الى الآن على الأقل - عن تدبير حادث في مثل ضخامة الذي حدث في كربلاء والكاظمية، إذ الملاحقات والتضييق على (التنظيم وقادته) جارية على قدم وساق. فمن يعجز في أرض مكث ومكّن فيها قرابة عقدين من الزمان أن يقوم بعمل كهذا فهل من الممكن قيامه بعمل خارج أرضه بمثل حجم عمل كربلاء والكاظمية؟

ولكن إصرار «البعض» على الزج باسم «القاعدة» في كل صغيرة وكبيرة دليل عجز فكري في تحليل الحوادث، وبالتالي عجز عن تتبع خيوط الحدث وأركان الجريمة، فذلك متعب ذهنيا عند «البعض»، والأسهل اتهام «القاعدة» و(نخلص). فمن السهل الاتهام ومن الصعب إقامة الدليل. من السذاجة والخرف اعتبار «القاعدة» أو اتباعها، أو تحميلها المسئولية عن هذا الجرم المرتكب بحق الأبرياء، فما هي مسئولية قوات الاحتلال؟ وذلك على افتراض أن أحدا غير تلك القوات قام بهذا العمل. ألا يكفي «البعض» كلمات المرجع السيدالسيستاني والمرجع السيدفضل الله والسيدالصدر وتصريحات صدرت من الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ ولكن الإصرار على اتهام «القاعدة» يتأثر بشكل واضح بعدة عناصر كما أشرنا إليها سابقا، وذات علاقة مباشرة، ومترسخة في ذهنيات الآخر، وسنلقي على تلك العناصر الضوء مع قليل من البسط في الجزء التالي.

العناصر التاريخية

تدخل العناصر التاريخية في تحليل الجريمة، إذ التاريخ الإسلامي ومنذ المئة الثالثة للهجرة وليس قبلها، هناك نزاعات دينية بين الطوائف ولم يقتصر ذلك على طائفتي السنة والشيعة، بل بين مذاهب مختلفة من الطائفة نفسها، وراح ضحيتها الأبرياء من تلك الطوائف والمذاهب. ولا يمكن بأي حال من الأحوال استثناء العامل التاريخي بوصفه رافدا أساسيا في تشكيل شخصية الفرد وبنائه الفكري، وبالتبعية يؤثر ذلك على تفسير الفرد للحوادث والظواهر. فتاريخ القتال والتقاتل بين طوائف المسلمين، والفتاوى التراثية التي تقصي الآخر، والاتهامات المتبادلة من الطائفتين، فواحدة تتهم الأخرى بالعمالة للأجنبي، والأخرى تتهم الأولى بمساندة الظلم والطغاة، هكذا طوائف بأسرها (عميلة) وطوائف بأسرها مساندة (للحكام الطغاة)!

... وهكذا يجري مسلسل الاتهامات المتبادلة والمخاصمات الذي استفادت منه في الدرجة الأولى الامبراطوريات الغابرة ويستفيد منها اليوم كلا من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، والمتسلقون والانتهازيون في الدرجة الثانية، والمحصلة النهائية جماجم المسلمين من جميع الطوائف والمذاهب والفرق.

العناصر العقائدية

يقول السيدحسن نصرالله في إحدى ليالي المحرم الأولى: «إن أميركا ستستفيد من كل العداوات والتناقضات الموجودة في منطقتنا بما فيها من نزاعات عرقية وقومية وطائفية ومذهبية وفكرية وسياسية وحزبية، وعندما يقفل أحدنا حساباته الخاصة ولا يرى في المنظار الأشمل والأوسع سيخطئ في الفهم والمعرفة وبالتالي سيخطئ في الموقف».

وما لاشك فيه أن هناك الكثير من الروايات في كتب التراث الإسلامي خطيرة على استقرار الأوضاع في المنطقة العربية وتحديدا في بؤر التوتر، (ينبشها) ويستخدمها أذناب الاستعمار وأعوان الاحتلال، وكذلك مروجو مقولة «إبعاد الدين عن السياسة»، فهناك كتب تسفه الآخر وتحقره بل وتكفره وتستبيح دمه وعرضه وماله. وهذه الكتابات ليست من العقيدة في شيء وإنما تأثرت إلى حد كبير، وتم توظيفها من قبل الحكام وترويجها وتقديمها على المعاني والأخلاقيات الإسلامية الفاضلة، والمتتبع لنتاجات الفكر بعد القرون الثلاثة الأولى يلحظ مدى تأثير وتجيير التفاسير في صالح إحدى الطائفتين أو أحد المذاهب ضد الآخر. ولذلك كان أن عد العلماء نشوء الفرق السياسية المذهبية أحد أسباب الوضع في الحديث.

العناصر الواقعية

بالنظر الى الحادث الإجرامي، فأي الأطراف مستفيدة من هذا العمل؟ وهنا سنطرح عدة فرضيات، وليعذرنا البعض لأنها فرضيات مشروعة عقلية وليست عاطفية، ومن باب إنصاف الآخر والوصول أو الاقتراب من الحقيقة، وليس معنى ذلك الاتفاق أو الرفض المطلق لتلك الفرضيات، وإن ثبت ان من قام بذلك المسلمون فإنه يجب «التعامل بجدية وعناية فائقة مع كل أبعاد الصراع المذهبي بدلا من الاكتفاء بلعن أميركا و«إسرائيل» (ذلك أن) الفتنة سابقة على اكتشاف أميركا أو ولادة ثيودر هيرتزل» (السفير اللبنانية 4 مارس الجاري).

الفرضية الأولى: أصحابها يتهمون أميركا وذيولها بالوقوف خلف هذا العمل الدنيء، وذلك من أجل استمرار الاحتلال لأطول مدة ممكنة، أو للاحتفاظ بقواعد متقدمة للتدخل في حال تهديد المصالح الإمبريالية في المنطقة، وأصحاب هذا الاتجاه يقومون بعملية ربط بين هذا الهدف وبما يعلنه مروجو سياسة الاحتلال الأميركي للعراق، ويستشهدون بتصريحات (الجلبي) كأحد الأمثلة على ذلك. وقد صرحت الإدارة الأميركية بأنها ستحتفظ بعشرين قاعدة عسكرية، بعد تسليم السيادة للعراقيين، فأية سيادة تلك؟

ويستشهد أيضا أصحاب هذه الفرضية، بأقوال مارتن إندك الأميركي المتصهين، وبعد احتلال العراق، إذ قال: «إن من السذاجة الاعتقاد أن بالإمكان حكم العراقيين من خلال تحسين شروط حياتهم، مضيفا ان ذلك لن يكون إلا بإعمال سياسة فرق تسد فيما بينهم»، وأصحاب هذا الاتجاه يستندون على الكثير من «المؤامرات المعلومة والمعلنة».

الفرضية الثانية: يؤكد أصحابها على أن للموساد أيادٍ خفية وقذرة، وله سوابق مع اليهود أنفسهم فكيف بغيرهم، وهذا الخيار غير مستبعد إنسانيا على «الموساد»، وإذا ما نظرنا إلى استباحة العراق من قبل الأميركان وذيولهم الصهاينة فإن ذلك لا يحتاج إلى دليل، إذ تذكر الروايات كيف تحول فندق المنصور إلى فندق مرصع بنجوم داوود على السيراميك في بهو الفندق وصولا إلى (ملاحف) غرف النوم. وكذلك لا يخفى على المتتبع لخيوط الحركة الصهيونية منذ بواكير نشأتها الأولى إذ يتكشف له جليا ما يقوم به وكلاء العقارات من شراء للأراضي، سابقا في فلسطين والآن على الحدود العراقية التركية والسورية والأردنية. ومن مصلحة الكيان الصهيوني إضعاف المسلمين وإشعال فتنة لا تنتهي، فماذا سيحدث لو تداعت الدول المحيطة بالعراق لنجدة الطوائف المحسوبة عليها؟ فإيران تهب لنجدة (الشيعة) والسعودية والأردن تهب لنجدة (السنة) وتركيا تتدخل لحماية الأقلية التركمانية، وبالمناسبة كان هناك مخطط عرض في البنتاغون، وباختصار كالآتي: الشمال للأكراد والجنوب دولة شيعية وبغداد والمنطقة الغربية يتداعى علماؤها من أهل السنة والجماعة ويطالبون بالانضمام الى المملكة الهاشمية، هكذا يفكر رجال الإدارة الأميركية. فهل نستبعد على (الصهاينة) التمهيد لذلك؟

الفرضية الثالثة: يؤكد أصحاب هذه الفرضية ضلوع جهات إيرانية في الحادث، ولم تحدد تلك الجهات هل هي رسمية أو تستظل بالسلطة الرسمية في طهران، ويفسر أصحاب هذا الاتجاه اعتقادهم هذا على أنه نظرا الى فتح الحدود أمام العالم - وخصوصا العرب - للتوافد والزيارة وتلقي العلم، فإن المركز في إيران سيصيبه الضعف. والأهم من هذا ازدياد شعبية المرجع آية الله السيستاني في العراق، وتنامي مكانته السياسية والدينية في العالم، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار «انحناء» الدولة الإيرانية للعاصفة النووية المثارة حاليا، وفي مقابل ذلك نرى قوة (السيستاني) في مواجهة الأميركان (سياسيا).

الفرضية الرابعة: أصحاب هذه الفرضية يتهمون جماعة «القاعدة» بزعامة الشيخ أسامة بن لادن بأنهم المنفذون لهذه الاعتداءات الإجرامية، ولكن يخفي أصحاب هذه الفرضية مصلحة التنظيم في ظرفه الحالي تحديدا - من وراء هذه التفجيرات الإجرامية، فهل من مصلحة (تنظيم القاعدة) توسيع نطاق الحرب لتشمل الشيعة وأهل السنة فإنهم يرفضون ذلك العمل. وبحسب الجغرافيا العسكرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن (يغامر) الطرف الضعيف ويقوم بتوسيع دائرة أعدائه، ولا أحد يظن أن القاعدة بمثل هذا الغباء لكي تقع في هكذا ورطة، وتنظيم القاعدة وضع على رأس أولوياته عدة أهداف ودول (أميركا، بريطانيا، استراليا، اليابان، هولندا... وغيرها) وليس من الحكمة أن يضيف (الشيعة)، أضف إلى ذلك عنصر ضعف الإمكانات المشار إليها سابقا. والسؤال: ما مصلحة التنظيم في القيام بعمل كهذا؟ المصلحة العسكرية، المادية، استيلاء على غنائم أو أرض أو ماذا؟ أو انتصار معنوي على الأبرياء؟ وذلك غير مبرر إطلاقا، ولو كان كذلك (أي انتصارا معنويا) لأعلن عنه التنظيم في حينه! وهنا يتماهى الاحتلال في الترويج الى ان المقاومة إنما هي من عمل أصحاب الفكر البعثي، وبعد القبض على صدام، تم خلق عدو جديد وهو الزرقاوي، ذو الساق الخشبية، وبعد «الزرقاوي سيأتي السوداوي والصفراوي والبيضاوي»، كل ذلك من أجل إبعاد المرجعية الدينية الى أي دور أو خط تعاون أو تنسيق مع الجانب المقاوم، وبالتالي يظهر وكأن المقاومة سنية خالصة ومتشددة ودموية تقتل الأبرياء. وإلا فإنه تشير الدوائر العراقية الى اعتقال ثمانية آلاف مقاوم، فهل يعقل أن لا يعترف أي واحد منهم بصلته بالقاعدة وأنه مبتعث من قبل مولانا بن لادن خارق الجبال وعابر الأنهار والبحار! «إن الجريمة ينبغي أن تنسب لأكثر الأطراف استفادة» وهو الاحتلال الأميركي. وفي قراءتنا لهذه الفرضية يظهر سؤال محدد، وهو: إذا كانت أميركا تتهم قناتي «الجزيرة» و«العربية»، بعد بثيهما لبعض تسجيلات المقاومة العراقية، بأنهما (تروّجان) للإرهاب، وبالمنطق نفسه، هل هذه الوثيقة المنسوبة (للزرقاوي باشا) هي غير محرضة على الإرهاب والفتنة والقتل والدموية؟ أم تعتبر أميركا أن إسالة دماء العراقيين فيما بينهم ليست جريمة؟ ولكن قطرة دم واحدة من جندي (مرتزق) يعتبر عملا إرهابيا في نظر الأميركان؟

الخلاصة... إن عملية التوازن الفكري حين الملمات هي معادلة صعبة يجب على الكاتب فيها أن يتجرد من خلفيات ذهنية مسبقة، وترسبات ماضوية أو أحمال فقهية تحكم رؤيته للحوادث حتى قبل أن تقع وقبل أن يقام الدليل عليها، وإن المرء حينما يقوم بتحليل ظاهرة أو جريمة نكراء بحجم جريمة كربلاء والكاظمية، يجب أن يتعامل معها في حدودها الضيقة لا أن يسبح في خيال وترهات تؤجج الصدور وتنفخ تحت القدور، التي تغلي أصلا، بل على الكاتب أن ينظر إلى ماذا ستؤول كتاباته وإلى ماذا توصل نتائجها، وما هي المصلحة المتحصلة من الأمة من ورائها. إنها معادلة صعبة، يعجز عن تحقيقها كتابنا الأفاضل، وثمة فرق شاسع بين التحليل والتضليل، فالكاتب ليس محقق مخابرات بمعنى أن يلقي الأسئلة على المتهم ليتلقى الإجابة من فوره، إنما الكاتب يخاطب ضمير الأمة ووجدانها وينير طريقها ويرشدها.

أخيرا...

نتمنى من المراجع الكبار لدى الطائفتين إصدار فتوى للصلاة المتبادلة في جميع المساجد، وذلك حفاظا على الوحدة الوطنية وتجنبا لإراقة المزيد من الدماء المعصومة. فماذا تبقى لدينا من فرص الحوار إذا ما تربص كل منا بالآخر؟

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 568 - الجمعة 26 مارس 2004م الموافق 04 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً