العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ

تاريخ الرقابة على الصحافة الكويتية (1928 ـ 2010) (5 - 5)

إن إشباع حاجات الجاليات الوافدة رفع من نصيب التوزيع والمنافسة في الصحافة، التي استقطبت عددا كبيرا من الصحافيين العرب، كاللبنانيين والفلسطينيين والمصريين، وكان الكويتيون يشكلون فيها أقلية!، لذلك جاء الاهتمام بالمراسلين والحدث العربي والدولي ليحتل مكان الصدارة والاهتمام.

ربما كان هذا الخليط من السكان وانتقال الصحف إلى مشاريع تجارية وربحية هما ما ساهم بإنعاش الصحف وتوسعها وزيادة إمكانياتها الفنية والتسويقية والإعلانية، وباتت من القوة في الانتشار ما أكسبها تأثيرا ونفوذا واسعين على المستوى العربي.

وهذا ما أدى إلى جعلها في دائرة الضوء على المستوى المحلي، لتلعب دورا مباشرا في التأثير على أصحاب القرار السياسي، وتساهم في زيادة الوعي لدى المواطنين بالمشاركة السياسية، وخصوصا في مواسم الانتخابات أو من خلال خوض معارك سياسية رديفة لدور ونشاطات مجلس الأمة، إذ كانت الوسيلة المتاحة والوحيدة للتعبير عن هموم الشارع الكويتي، لاسيما في مواسم تعطيل مجالس الأمة.

على أن من السمات الأخرى لصحافة الاستقلال حتى العام1990 تعبيرها عن القوى السياسية والتجمعات الدينية بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها، وهي «خاصية» تكاد تتشابه مع خصائص المجتمع اللبناني الذي تتوزع صحافته على الطوائف والأحزاب والتجمعات.

ثم جاءت مرحلة ما بعد تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي، وهي مرحلة جديدة بمقاييس سابقة، أصبح التركيز على القضايا المحلية من ضمن الأولويات، وتراجع الاهتمام بالخبر أو الحدث العربي والدولي بشكل عام، وهذا ناتج من إفرازات الغزو العراقي.


صحافة ما بعد التحرير

حازت القضايا المحلية على الاهتمام الكامل، وباتت تتصدر الصفحات الأولى، يجري التسابق على نشرها وإبرازها من دون أن يكون للحدث العربي النصيب الكافي، فقد تراجع إلى الوراء بنسبة كبيرة نتيجة للصدمة التي أصابت الكويت من جراء الغزو العراقي، ومساندة عدد من الدول العربية لمواقف صدام، وخروج معظم أفراد الجالية الفلسطينية بسبب تأييد القيادة السياسية الفلسطينية لسياسة الاحتلال العراقي لبلد عربي شقيق، وهو ما جعل الشأن الفلسطيني في الصحافة حدثا ليس ذا أهمية كما كانت الحال في فترة ما قبل 1990.

عموما أصيبت الفكرة العربية في الصميم على مستوى الرأي العام الكويتي، وهو ما انعكس بدوره على الصحافة واهتماماتها، وكانت مقولة «دول الضد» من أكثر التعابير الشائعة في الصحافة، وتعني كل من وقف أو ساند صدام والعراق في احتلاله للكويت، هذا التوجه استمر إلى أواخر التسعينيات تقريبا بعدما حصلت مراجعات في العلاقات الكويتية - العربية، واختفت عبارة دول الضد من قاموس الصحافة والشارع.

ومع دخول الألفية الجديدة بقي الموضوع العراقي الشغل الشاغل للصحافة وللرأي العام ولمجلس الأمة والحكومة، إلى أن سقط نظام البعث وصدام في حرب 2003 على يد القوات الأميركية، واستبدل بنظام آخر جديد لتعود ولو نسبيا الاهتمامات بالمحيط العربي، والانفتاح عليه بعدما سقط العدو رقم واحد في الحفرة التي اختبأ فيها، وجرى ترسيم الحدود بين الجيران بقرارات دولية ملزمة.

أحدث تعديل على قانون المطبوعات تم العام 2006 بعد موافقة مجلس الأمة عليه ونشره بالجريدة الرسمية.


رقابة رؤساء التحرير

بعد رفع الرقابة من قبل وزارة الإعلام، عاشت الصحافة حقبة جديدة وفق معطيات مستجدة فرضتها ظروف التحرير، لاسيما الالتزام بالنظام الديمقراطي والحريات.

ومنذ التسعينيات عرفت البلاد نوعا جديدا من الرقابة الذاتية مارسها أصحاب الصحف ورؤساء التحرير على الكتاب والأخبار وما هو مسموح به أو ممنوع، وهي أشد أنواع الرقابة إيلاما وكانت في معظمها آراء لكتاب لم تجد طريقها للنشر، إذ تعرضت إما للتعديل أو المنع النهائي، مما اضطر بعض الكتاب لإيجاد صحف ثانية أو مواقع إلكترونية لنشرها والحديث عنها، وصارت تتنقل بين الناس بطرق سرية. محمد عبدالقادر الجاسم، رئيس تحرير صحيفة الوطن أوضح في ندوة له العام 2003 أن «هناك رقابة ذاتية نمارسها في الصحف وترقيعا لتصريحات بعض المسئولين التي لو نشرناها لكانت كارثة». إزاء هذا الوضع وجد رؤساء التحرير أنفسهم أمام مسئوليات وحالة جديدة أوجبت عليهم في أحيان كثيرة، وهذا ليس تبريرا أو تأييدا بل واقعا موثقا، التدخل بمنع أخبار تسيء إلى الوحدة الوطنية، كما حصل في شهر ديسمبر/ كانون الأول العام 2003، على سبيل المثال، وقضية تداول «الكاسيت» الذي تحول إلى منازعات طائفية مدمرة، أو كما بادرت «القبس» إلى الإعلان عنه في السنوات الثلاث الأخيرة (2007 - 2010) بالامتناع عن نشر أخبار فيها تحريض وإثارة وفتنة طائفية.


رقابة الكتب

الدور الاستئصالي للرقابة ظهر وبقوة في مرحلة ما بعد التحرير وعلى مدى السنوات العشرين ومع قرب موعد افتتاح معرض الكتاب العربي تتبارى الصحف بنشر أسماء الكتب المصادرة والتي وصلت إلى المئات وبلغت الذروة في عهد وزير الإعلام الشيخ سعود الناصر الصباح الذي تعرض إلى استجواب نيابي من قبل النائبين وليد الطبطبائي ومحمد العليم لسماحه بعرض كتب قيل إنها تمس العقيدة الإسلامية، وأدى إلى استقالة الحكومة العام 1998، ولم تتوقف عمليات المصادرة في السنوات اللاحقة، بل تفاقمت إلى الأسوأ نتيجة الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المتشددة والتهديد باستجواب أي وزير يتساهل مع الرقابة والمنع، فقد ذكر في حينه أنه جرى منع 1220 كتابا وحجز أكثر من 2050 كتابا في عهد سعد بن طفلة العجمي.


التعطيل والمحاكم في التسعينيات

ما يخص الرقابة على الصحف خلافا لحالات الكتب، فقد سجلت التسعينيات عددا من الدعاوى المتصلة بحرية التعبير في مجال إصدار حالات التعطيل والتقييد، ومنها القضية المرفوعة العام 1992 من قبل وزارة الدفاع بواسطة النيابة العامة ضد محمد جاسم الصقر بوصفه رئيس تحرير «القبس» والمحرر خضير العنزي بسبب نشر خبر يتعلق بتنقلات وتعيين ضباط بالجيش، حكمت المحكمة بالبراءة بتاريخ 10/ 4 / 1993 لأن نشر الهيكل التنظيمي لوزارة الدفاع ليس من الأسرار الممنوع نشرها.

العام 1995 أصدر مجلس الوزراء قرارا بتعطيل صحيفة «الأنباء» لمدة خمسة أيام، وهو قرار باطل بعد رفض مجلس الأمة العام 1982 الأمر الأميري بالقانون رقم 59 لسنة1976 والخاص بنفاذ المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات والنشر، وكذلك رفضه مرة ثانية العام 1993 عدم الموافقة على الأمر الأميري للقانون رقم 73 لسنة 1986 والصادر في أعقاب حل مجلس الأمة، وكان المنع بسبب نشر مقابلة لأمين عام الحركة الدستورية الإسلامية اعتبرت تقويضا للوحدة الوطنية ومثيرة للفتنة.

العام 1998 صدر حكم ضد محمد جاسم الصقر رئيس تحرير القبس والزميل إبراهيم مرزوق بعد شكوى مرفوعة من وزارة الإعلام يقضي بحبسهما ستة أشهر مع الشغل والنفاذ، وأمرت المحكمة بإغلاق الصحيفة لمدة أسبوع، ومصادرة العدد رقم 8817 بتاريخ 5-1-1998 والذي تضمن فقرة «ابتسامة» في صفحة خدمات وتسالي، عبارة عن رسم كاريكاتيري يصور آدم وحواء وطردهما من الجنة، اعتبر مسيئا للذات الإلهية.

كذلك جرى تعطيل صحيفة «السياسة» لمدة أسبوع وغرامة مالية بسبب مقابلة صحافية أجريت مع فتاة قيل إنها خادشة للحياء العام، وذلك في العام 1998.

وفي تقرير أعده الزميل إبراهيم المليفي، وصدر عن جمعية الخريجين الكويتية يرصد حالات انتهاك حرية التعبير على مدى خمس سنوات من 1995 إلى العام 2000 أورد أنه وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1999 أصدرت دائرة الجنح حكما نهائيا بحبس رئيس قسم العلوم السياسية السابق في جامعة الكويت أحمد البغدادي لمدة شهر بعد إدانته بتهمة الطعن في ثوابت العقيدة الإسلامية والتعرض على مقام النبوة.

وفي أكتوبر 1999 مثل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت شملان العيسى أمام النيابة العامة على خلفية الدعوى المرفوعة ضده من قبل مواطن في شأن ما ورد على لسانه في المقابلة مع مجلة «مرآة الأمة»، والتي أعلن فيها رفضه تطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت.

كما حققت النيابة العامة في أكتوبر/ تشرين الأول 1999 مع رئيس تحرير صحيفة القبس وليد النصف ورئيس قسم مجلة القبس عبده جبير بتهمة خدش الحياء العام لمسئوليتهما عن نشر رسم توضيحي لجسم بشري، الأمر الذي أوضحاه أمام النيابة العامة بأن الموضوع مترجم من مجلة أجنبية وتم شراؤها من إحدى المكتبات بالكويت وهي بالتالي مجازة من وزارة الإعلام.

وفي أكتوبر العام 1999 عطلت الحكومة صحيفة «السياسة» لمدة خمسة أيام بسبب تعرضها للذات الأميرية ومسند الإمارة. بعد نشرها وقائع ندوة عقدها الشيخ حامد العلي الأمين العام للحركة السلفية قال فيها ما اعتبر مثيرا للفتنة ويضر بالمصالح العليا للبلاد.

وفي مايو/ أيار 1999 أحالت وزارة الإعلام الزميلين ماضي الخميس رئيس تحرير مجلة «الحدث» وسعد العنزي إلى النيابة العامة بسبب قصيدة شعرية تضمنت عبارات تخدش الحياء العام وصدر حكم يقضي بوقف إصدار المجلة لمدة شهر.

بدورها أقدمت النيابة العامة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 على اتهام «القبس» و»الوطن» و»الأنباء» بنشر وقائع جلسات سرية لمجلس الأمة، معتبرة ذلك من باب نشر أخبار سرية يحظر القانون نشرها لكن المحكمة برأتها.

في العام 2000 تسبب نشر مرسوم أميري ملفق يتعلق بزيادة رواتب العسكريين بحدوث أزمة سياسية وإغلاق صحيفتين وسحب امتيازهما، لكن تم إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بواقعة النشر بأمر من أمير البلاد.

العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً