العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ

تجاوز بلا متجاوزين... كبرلمان بلا نواب

حسن المدحوب hasan.madhoob [at] alwasatnews.com

.

إذا ما كان من إنجاز واضحٍ لا يجادل فيه أحد في البحرين كلّها من شرقها لغربها، من حدّها لدرازها ورفاعها لرأس رمانها، يحسب للنواب على مدى الثماني سنوات منذ تأسيس البرلمان في 2002، فهو التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق في أملاك الدولة، التي حوّلت كل القصص والروايات التي كانت تسرد على نمط «ألف ليلة وليلة» على مدى عقود عن سرقات الأراضي وبسط الأيدي عليها بالنفوذ والفساد واستغلال السلطة إلى وثائق وشواهد موثقة بالأدلة والمستندات والحقائق التي لم يستطع أحدٌ أن يفندها أو يكذبها حتى الآن.

ما قام به النواب في لجنة التحقيق في أملاك الدولة على مدى 29 شهرا، وهي مدة تزيد عن نصف مدة الفصل التشريعي بأكمله والذي يمتد لأربع سنوات عمل يستحق أن يصل إلى كل بيت ومواطنٍ في البحرين، ليس لأنه يقدم طرحا وطنيا من الطراز الأول، تعالى بعيدا عن النزعة الطائفية التي لم يستطع أحد صبغه بها رغم المحاولات الحثيثة لذلك، بل لأن كل بيت في البحرين له علاقة مباشرة بشكلٍ أو بآخر بهذا التقرير، فأهل الحد مثلا يتوجب عليهم قراءة التقرير الذي وقف واضعوه سدا منيعا من أن تضيع آمالهم في توفير مساكن لأبناء الحد على أرضٍ مساحتها مليون و732 ألف متر مربع، بعد أن استطاعت اللجنة وقفه على الغرض المخصص له وحالت دون ذهابه إلى إحدى الشركات الاستثمارية العقارية، ولولا هذا الجهد لكان أهل الحد ينظرون بحسرة اليوم إلى «الفلل» والعمارات التي سلبت منهم حقهم في توفير منازل الأحلام لهم ولأبنائهم.

أهالي السنابس أيضا لابد لهم أن يقرأوا التقرير الذي كشف أن هناك ثلاث أراضٍ مساحاتها على التوالي 8 و10 و11 ألف متر مربع كانت مخصصة لإنشاء مدارس لأبنائهم ضاعت وذهبت إلى جهات أخرى ذكرها التقرير بكل شجاعة، وهذا التوجه الجريء من اللجنة هو خطوة في الاتجاه الصحيح للتأكيد على أن بعض مشاكل هذا البلد لم تأت بسبب شح الموارد أو الأراضي كما يراد لنا أن نظن ونعتقد، بل إن كثيرا من المآسي في هذا البلد جاءت بسبب طمع البعض ونهمه في الاستئثار بالأراضي التي يفترض أن تخصص للمواطنين سواء للإسكان أو التعليم أو الصحة.

المواطنون الأصلاء في الحد والسنابس وكل قرية ومدينة في البحرين تضرروا أيما ضرر من التعديات التي تمت على الأراضي في البحرين، ومن التوزيع المجاني لها، في حين ان المواطن ينتظر 20 عاما للحصول على منزل إسكان لا تزيد مساحته عن 1 % مما يوزع على الآخرين دون حسيب ورقيب، وكل مواطن في البحرين من الشيخ الكبير إلى الطفل الصغير من حقه أن يحضر جلسة النواب (الثلثاء المقبل) والتي سيناقش فيها هذا التقرير؛ لأن هذا التقرير لم تضعه اللجنة لوحدها أو النواب بمفردهم بل شاركهم فيه آلاف المواطنين الذين يتطلعون إلى أرضٍ لإسكانهم أو مستشفى لعلاجهم ومدرسة لأبنائهم.

بعد اليوم لن نتحدث عن سرقات الأراضي أو العبث بها كما نتحدث عن «ألف ليلة وليلة»، ولن نقول إن من يقوم بهذا العمل المشين هم «الجن»، من اليوم كل حديثٍ عن هذه التعديات سيتم بالأرقام والمستندات، ونتمنى أن يصل الحال إلى تحديد من أساءوا للبحرين وزادوا من معاناة شعبها الأصيل يوما بعد يوم وعاما بعد عام.

نواب الشعب لديهم حصانة لا يمكن أن يزيلها عنهم أي شخص في البحرين إلا أنفسهم، ولا يستطيع أحدٌ أن يمنعهم من الحديث عن المفسدين بأسمائهم، ونعتقد أن الجهد الذي بذلته لجنة التحقيق في أملاك الدولة هو جهد لا نظير له برلمانيا في تاريخ البحرين، وينبغي المراكمة عليه عند مناقشة التقرير في المجلس، وعلى النواب إذا ما كانت لديهم الجرأة والشجاعة والرغبة الصادقة في إيقاف التجاوزات أن يضعوا أيديهم على مواطن الخلل الحقيقي في التعدي على أراضي وعقارات الدولة، وذلك يحتاج إلى موقف وطني؛ لأنه لا يجوز أن نتحدث عن الفساد بالفم الملآن، وما ان نصل إلى ضبط الأمور ندفن رؤوسنا في الرمال.

النواب مطالبون الأسبوع المقبل بتتويج جهود زملائهم والدفاع عنها بما لديهم من آليات نيابية غير متوافرة لغيرهم، كما أنهم مطالبون أيضا بإعلان مواقفهم صراحة مما جاء فيه، وسيكون أي نائبٍ مهما كان شأنه واتجاهه محرجا إذا ما قرر مناكفة هذا السيل الجارف من الحقائق والمستندات الدامغة، ونقول أخيرا إن تجاوزا بلا متجاوزين شبيه تماما ببرلمان بلا نواب!

إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"

العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:05 م

      هذي مو شطارة!! 100% قرار حكومي!

      "استطاعت اللجنة وقفه على الغرض المخصص له وحالت دون ذهابه إلى إحدى الشركات الاستثمارية العقارية، ولولا هذا الجهد لكان أهل الحد ينظرون بحسرة اليوم إلى «الفلل» والعمارات التي سلبت منهم حقهم في توفير منازل الأحلام لهم ولأبنائهم"، تمش بوزها اللجنة تستطيع توقيف مشروع سرقة أية أراضي في المناطق الشيعية، قولوا الحكومة تنازلت لأن الحد سنية!

    • زائر 2 | 3:40 ص

      احسنت يا كاتب

      لكني لا اعلق امالا وكما يقول المثل العبرة في الخواتيم ولا ننسى قرب موعد الانتخابات

    • زائر 1 | 2:02 ص

      مقال ولا أروع!!

      شكراً أبو علي على المقال المتزن الرصين الذي ينم عن وعي وحس وطني صادق وعجبتني فكرة حضور جلسة الثلاثاء في مجلس النواب وبصراحة راح احضر لأول مرة في حياتي وربما تكون الأخيرة لمجلس النواب!!

اقرأ ايضاً