العدد 2358 - الأربعاء 18 فبراير 2009م الموافق 22 صفر 1430هـ

محمد غزوان: التقارير الخبرية السياسية مؤدلجة ومتحيزة

باحثا في خطاب الصحافة

بحث في تحليل الخطاب، بحث مهم في هذا الزمن الذي تتعاقب علينا فيه الخطابات، وتفعل بنا ما تفعل ونحن لا نعي ما وراءها، وماذا تخلّف من شروخ في العقول وفي لاوعي الفرد والجماعة، بحث في تحليل التحيّز الإيديولوجي بحث مهم، وأن يكون المجال التطبيقي له هو المجال الصحفي فهو مهم بشكل أكبر بالنسبة لنا وللقارئ المستهلك للصحافة اليومية، وأن يكون في مجال الخطاب السياسي فذلك ما يجعله أهم بشكل أكبر حيث تفعل السياسة بالإنسان الكثير حين تتمثله في خطاباتها المراوغة والتي تتحين الفرصة فيه فتتحيز ما تشاء وتلوكه بصيغاتها وإكرهاتها وألعابها الخفية والظاهرة، وباحث كمحمد غزوان حري به أن يلم زاده البحثي فينثره ورش عمل على الصحافيين ليبصرهم بما وراء صناعة الخبر من تحيز وليبصرهم بالخيط الدقيق الذي يمكن المشي عليه حين صياغة الخبر ما بين مهنية لا متحيزة ومصداقية مخلصة للمصدر، وحرفية تقتضي الإخلاص للمهنة.

- لباحثنا (محمد غزوان)، بطاقة تعريفية بسيطة فقد درس سبع سنوات بوزارة التربية التعليم، وانتقل إلى بوليتكنيك البحرين ، خريج بكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها، له اهتماماته الجدية بمنهج تحليل الخطاب النقدي CDA، حيث كانت رسالته الماجستير في التطبيقات اللغوية، والتي خصصها لدراسة الإيدلوجيا في التقارير الخبرية ولعل هذا ما دفعنا لهذا اللقاء.

ما مفهومك للتحيز الإيديولوجي في خطاب الصحافة؟

- لنبدأ أولا من مفهوم الإيديولوجية، وهو مصطلح استخدم أساسا في العام 1796 ليشير إلى «علم الأفكار والمثل»، ولكن سرعان ما التصق بدلالات سلبية عندما أتى نابليون ليهاجم ويعير به الفلاسفة الذين كانوا يستخدمونه، أما الخطاب الإيديولوجي في التقرير الخبري فهو تبطين الخبر بوجهات نظر وأفكار ومصطلحات وألقاب معينة لأجل الوصول لأهداف إيديولوجية كتحسين صورة الذات وتشويه صورة الآخر. عندما تكون الإيديولوجيا واضحة في النص فأعرف حينها أنها فقدت «ايديولوجيتها» لأنها تعمل أفضل ما تعمل في الخفاء. الخطاب الخبري يجب أن يكون موضوعيا مستعرضا للحقائق، أما اتخاذه مركبا لتحميل وتشحين النص بالتحامل والمحاباة والإخفاء والتهميش والإقصاء والتشويه والتمييز العنصري والجنسي فهذه إساءات وانتهاكات للنص الخبري، وهذه الانتهاكات والإساءات هي عين ما تحاول مدرسة تحليل الخطاب النقدي كشف النقاب عنها من أجل تنوير القرّاء والكتاب معا بأساليبها ومركباتها.

ما عنوان الدراسة بالتحديد وكيف تم اختياره من بين عناوين عدة قد تكون محل اهتمامك، وما الذي دفعك لدراسة هذا الموضوع؟

- عنوان الدراسة التي قمت بها هو «الإيديولوجية في التقارير الخبرية السياسية»، وقد شدني هذا الموضوع لعلاقة الإيديولوجيا التامة بالسلطة المجتمعية وبسط النفوذ، وربما يعجب أحدهم ويعتقد أن هناك مبالغة في الربط بين الخطاب اللغوي المقروء والمسموع وبين ممارسة السلطة والنفوذ السياسي والاقتصادي والديني... فقوة اللغة من ناحية التأثير والسيطرة والإقناع تعتبر أهم وأبلغ من القوة المادية البحتة، فهناك تطبيع لغوي يسبق أي تطبيع سياسي أو اقتصادي، وهناك تسويق لغوي للبضائع قبل التسويق الفعلي لها، وهناك هجوم لغوي ونعت بأقبح الصفات وتشهير فادح يسبق أي حرب أو اعتداء، ويمكنك إجراء بحث بسيط لمعرفة كم من الأموال تصرفها مختلف المؤسسات والمنظمات لإقناع الشخص العادي حول أفضلية بضائعها التموينية الاستهلاكية أو السياسية الحزبية. يمكن لأي فرد أو أمة التخلص من السيطرة المادية الفيزيائية بسهولة، وأما السيطرة الإيديولوجية فهي تحتاج لجهد وزمن أطول حيث أن إحلال أية أفكار وقيم جديدة يتطلب البدء بتطبيعها أولا بين الأفراد والمجتمعات ومن ثم تصويرها كشيء عادي طبيعي لا اختلاف عليه.

ما الهدف من هذه الدراسة؟

- الدراسة تهدف إلى ضبط وكشف التراكيب اللغوية المبطنة بالتحيز والذاتية في التقارير الخبرية السياسية، ومن ثم معرفة مدى تأثير الأدوات اللغوية المستخدمة ومقارنة كيفية توظيفها من صحيفة لأخرى.

ما الجدة في هذه الدراسة «الجديد الذي ترجيته أو الجديد الذي كشفته»؟

- هيكل التحليل اللغوي الذي استخدمته كان جديدا وقد اعتمدته بناء على قراءات متوسعة وبحوث مماثلة وهي تكاد تغطي كل أوجه التركيبات التي يمكن استخدامها «لتقنين» تمرير عملية الأدلجة في النصوص الخبرية، هذا الهيكل مستمد من أدوات تحليلية تم استخدامها من قبل رائد النحو الأسترالي مايكل هاليداي Halliday وروّاد الخطاب التحليلي النقدي مثل فيركلف Fairclough، فان دايك Van Dijk وفاولر Fowler. ومن خلال العينات التي استخدمتها يمكنني الاستنتاج أن أدوات التقديم والتأخير النصية وأداة الافتراضات المسبقة وأداة التوصيف هي أكثر الأدوات استخداما.

ما المنهج الذي اعتمدته في الدراسة، ولماذا اخترته، وما أهم أطره أو مقوماته النظرية أو التقنية الإجرائية؟

المنهج الذي اعتمدته في الدراسة هو تحليل الخطاب النقدي (Critical Discourse Analysis) وهو منهج آخذ في الانتشار بين المهتمين في العلاقة بين الخطاب اللغوي والمجتمع وهو يتعامل كما يقول أحد مؤسسيه الهولندي «فان دايك» مع اللاعدالة واللامساواة الناتجة من أبعاد سوء استخدام النفوذ الخطابي. ومن أحد التعاريف المشهورة لهذا المنهج هو «أنه منهج ديمقراطي بالغ التأثر بالسياق والبيئة يأخذ موقفا أخلاقيا نحو الأمور المجتمعية بهدف الإصلاح».

ما أهم المبادئ التي يعتمد عليها منهجك أو المنهج الذي اعتمدته في التحليل؟

- من أهم المبادئ التي يركز عليها المنهج المعتمد في التحليل هي:

التعامل من المواضيع الاجتماعية كالتمييز العنصري والتهميش والتنميط المؤدلج عبر فك الأوجه اللغوية فيها والتي يمكن أن تتواجد في الصحافة، الكتب الدراسية، القصص والروايات التراثية، أو في المحاضرات والخطب، ودور هذا المنهج ليس فقط تشخيص ممارسات الظلم واللامساواة اللغويين، وإنما يتعدى ذلك إلى نقدها بشكل صريح، ولا يمكن تجريد النص عن السياق الاجتماعي ومن المهم النظر إليه كنتيجة ومؤسس لتراكمات اجتماعية، ويعتبر هذا المنهج أن الخطاب هو المسئول عن تكوين الإيديولجيا وشياعها في المجتمع، ومن أجل الشفافية، لا بد من كشف أية إساءات خطابية وتوعية الناس بها لوقف أي اختلال في العلاقات المجتمعية ويتم ذلك من خلال التدخل والتفاوض.

ما العينة التي اعتمدت عليها في البحث وما أسباب أو حيثيات اختيارها؟

- العينة المستخدمة في البحث تتكون من 15 تقريرا إخباريا من أخبار الخليج البحرينية (النسخة الإنجليزية) أو GDN، ومن صحيفة الغارديان The Guardian البريطانية، ومن صحيفة الواشنطن بوست The Washington Post من الولايات المتحدة الأميركية. هذه التقارير الخبرية التي تدور حول خمسة أحداث سياسية من فبراير/ شباط حتى يوليو/ تموز 2005 هي: قمة سلام فلسطينية إسرائيلية، بيان من الجيش الجمهوري الإيرلندي، هجوم عسكري أميركي بالعراق، دعوة للديمقراطية في الشرق الأوسط من قبل وزيرة الخارجية الأميركية، واغتيال رمز سياسي في لبنان. وقد تم اختيار هذه الصحف الثلاث من أجل التنوع والإثراء فبجانب الصحيفة المحلية التي تمثل المكان الذي ينتمي إليه الباحث، تمثل الصحيفتان الأخريان الحرفية والمهنية في صناعة الصحافة في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية ولهما قراء منتشرون في كل أنحاء العالم وكثير من الوكالات الصحافية والتلفزيونية تقتبس من تقاريرهما الخبرية، وهما يلعبان دور السلطة الرابعة بقوة في البلدين اللذين تنتميان إليهما.

ما المجالات التطبيقية التي يمكن أن يفيد منها بحثك، أوفي أي مجال يمكن لنا أن نستفد من بحثك؟

- هنالك ثلاث طبقات يمكن أن تستفيد من هكذا بحث:

الطبقة الأولى: العاملون في الصحافة: حيث أن إلمامهم بكيفية تبطين النص بأدوات إيديولوجية تعكس رؤى الذات والجماعة والحزب يمكنهم تجريد نصوصهم وتقاريرهم الخبرية من هكذا «شوائب»، أو على العكس من ذلك يجعلهم يبحثون عن طرق أخرى أكثر خفاء أو دهاء، وأنا أشك بأن تلك الطرق ستمر مرور الكرام على الباحث اليقظ.

الطبقة الثانية: أتباع وناقدو منهج تحليل الخطاب النقدي: حيث إنهم سيجدون في هذا البحث أدوات تحليل لغوية تم جمعها من مصادر متعددة وفي هيكل واحد لم يستخدم من قبل.

الطبقة الثالثة: هم الناس العاديون حيث سيجعلهم واعين بما يتعرضون له يوميا من كتابات وتقارير مشحونة بتوصيفات وتحميلات إيديولوجية.

ما أهم «الطرف/ المفارقات/ الصدف/ النوادر» التي واجهتك أثناء البحث؟

- عند تحليلي لخبر قمة السلام الفلسطينية - الإسرائيلية في شرم الشيخ العام 2005 وجدت تقرير الغارديان متحيزا للجانب الإسرائيلي بشكل سافر يفتقد للمهنية والموضوعية، فمن ضمن 16 فقرة يتكون منها التقرير تم تخصيص 10 فقرات تتحدث وتقتبس عن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ أرييل شارون، بينما تم تخصيص 3 فقرات فقط للجانب الفلسطيني! وكان هناك افتراض مخفي بطنه الكاتب حول أن شارون رجل سلام وأنه «تخطى كل التوقعات في تنازلاته التي قام بها للجانب الفلسطيني».

ما الأدوات التحليلية التي اعتمدتها في البحث وما المنهج الذي اعتمدت عليه هذه الأدوات واستمددتها منه. وما مدى قدرة هذه الأدوات على تحليل خطاب الصحافة؟

- الأدوات التحليلية المستخدمة في البحث تعتبر من أدوات فصل الخطاب النقدي المشار إليه أعلاه، وهي اثنتا عشرة أداة لغوية ويمكن تصنيفها إلى أربعة أقسام:

أولا: أدوات التقديم والتأخير: التقديم النصي، الاقتباس، حذف المعلومات، حذف الفاعل، المبتدأ والخبر، أفعال التعدي.

مثال: تلك العناوين الخبرية كـ «مقتل 30 قرويا في الكونغو»، وهنا يتم تأخير نصي أو تغييب بعض الأحيان بسبب أو لآخر لمن ارتكب القتل.

ثانيا: الافتراضات المسبقة: مثل: «بعض المتظاهرين كانوا أكثر عدوانية ...» (يوحي هذا التركيب بأن كل المتظاهرين كانوا عدوانيين)، والمثال التقليدي في مثل هذا التبطين قولهم: «قام ملك فرنسا بمفاوضات سرية مع التنظيم المسلح» ، طبعا لا يوجد ملك لفرنسا ولكن تم تمرير ذلك كحقيقة.

ثالثا: الأدوات المعجمية (المفردات): الترابط المعجمي، التوصيف، التعبيرات المجازية، أفعال التقرير.

الترابط المعجمي: يتم عبر استخدام شبكة كبيرة من المفردات تصب نحو هدف معين، مثل الإيحاء بالعنف عبر مفردات: الحرب، فرق الهجوم، جنود، حرب عصابات، يفتح النار، القتل، الدم...

التوصيف: مثل: قتل اثنين من الإرهابيين (ليس محل اتفاق أن هؤلاء «إرهابيون») فلربما نفس الخبر ينقل بطريقة أخرى: استشهاد اثنين من مجاهدي المقاومة. (وهذا أيضا ليس محل اتفاق)

التعبيرات المجازية: وانتشر مثيرو العنف في البلاد كالسرطان في الجسد (طبعا الكاتب لم يحكم مباشرة على مثيري العنف ولكن استخدام التعبير المجازي هذا بمنزلة الحكم عليهم).

أفعال التقرير: زعم الرئيس الأميركي أنه سينتصر في حرب العراق (فعل زعم يستخدم للتبرؤ والتحرز والابتعاد المعنوي عما يقال).

رابعا: أدوات الاحتراز واليقين: مثل تقرير الكاتب : من الواضح جدا أن القرار سوف يفشل، (ليس من الموضوعية الحكم على الأشياء).

هل يمكن تخليص الخطاب الصحافي من عوامل التحيز، وكيف يمكن للصحافي أن يتجنب التحيز؟

- ربما من الصعب تجريد النص من ردائه الإيديولوجي بشكل كامل ولكن بالتأكيد يمكن تقليص حجم التدخلات المشخصنة وغير الموضوعية، نعم كصحف ووكالات تلفزيونية عربية من الصعب جدا وصف من يقتلون في غزة مثلا بأنهم «قتلى»، وهو الوصف الواقعي المجرد، ولكن هل سياسة المؤسسة الصحافية في هذا المثال هو عدم الانحياز وعدم توصيفهم بالشهداء لأن ذلك يؤثر على موقفي من الجانب الآخر والرؤية الأخرى التي ربما تكون عربية أيضا.

ما ملاحظاتك على الخطاب الصحافي في البحرين؟

- سياسة المؤسسة دائما ما تحد من الموضوعية حتى في موضع كتابة أو قول الخبر. هنالك مصطلح Newsworthiness ويعني مدى قيمة الخبر وهو يحدد بشكل موضوعي إذا كان يستحق التغطية الصحافية أو لا، أو هل يستحق أن يكون العنوان الأول أو الثالث وهكذا، وهنالك معايير موضوعية لتحديد القيمة الخبرية لأي حدث سواء كان سياسيا، اقتصاديا، رياضيا أو جويا، فلا يستحق خبر هطول أمطار خفيفة مثلا في البحرين العنوان والمانشيت الرئيسي، ولكن حينما تسقط أمطارا تسيل لها السيول وتعطل السير والطاقة ويتضرر الكثير فحينها من غير المعقول أن لا ينال هذا الخبر حظوة العنوان الأول.

ما النتائج التي توصلت إليها في بحثك؟

- نتائج البحث تشير إلى أن النصوص المختارة تحوي لغة غير موضوعية تكشف عن ممارسات خطابية معينة مثل كتمان بعض المعلومات، التحيز لبعض الآراء وتسليط الضوء عليها، استخدام مفردات لغوية تحمل توصيفات غير مقبولة من قبل بعض الجهات المعنية بالخبر، وإقصاء بعض الأطراف أو تهميشها. هذه الممارسات تمت أساسا باستخدام أدوات لغوية يصعب إلى حد ما على القارئ العادي اكتشافها مثل أدوات التقديم والتأخير وأداة الافتراضات المسبقة. ويشير تحليل النصوص أيضا إلى وجود اختلافات بين الصحف الثلاث «عيّنة البحث» في طريقة توظيفها للأدوات اللغوية من أجل إحداث تركيبات ذي طبيعة إيديولوجية

العدد 2358 - الأربعاء 18 فبراير 2009م الموافق 22 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً