العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ

«دوحة شْبَاثَة»... من جنة النخيل إلى الخراب والاندثار

إحدى القرى البحرينية المندثرة التي ذكرها التاريخ...

الجرافات تردم مساحة شاسعة من شباثة
الجرافات تردم مساحة شاسعة من شباثة

يجهل الكثير من البحرينيين قراهم المندثرة، و «دوحة شْبَاثَة»، واحدة من تلك القرى التي نالها الخراب واندثرت... هل تعرفون شيئا عنها؟ دوحة شباثة، تلك الجنة الخضراء، تحولت اليوم إلى أرض متصحرة خالية من الزراعة والعيون والجداول كما يوثق صاحب موقع «سنوات الجريش» التاريخي الباحث جاسم حسين آل عباس، فهذه المنطقة، أصبحت اليوم جزءا من مساحة قرية المعامير، ويطلق عليها (جنوب المعامير)، وإداريا تتبع المحافظة الجنوبية.

قبل عقدين من الزمان، كانت عبارة عن محمية طبيعية للكثير من أنواع الطيور المحلية والمهاجرة، وكان يقصدها الكثير من الناس للصيد، واليوم هجرتها الطيور بعد أن هجرها الإنسان، ولا تجد فيها غير آثار الأنهار وبقايا جذوع النخيل... الكثير من أهالي المنطقة (النويدرات والمعامير...) يعتبرونها آخر متنفس للقرية فهي خالية من المصانع والشركات، ويتخذها الكثير من الأهالي مضمارا للمشي والركض، لكن المصانع زحفت عليها قبل أربعة أعوام، فتم ردم نصف مساحتها تمهيدا لتحويلها إلى قسائم صناعية، ويطلق عليها اليوم منطقة «شباثة الصناعية» بعد أن كانت دوحة شباثة الزراعية.

ويشير الباحث آل عباس الى أن «دوحة شباثة» أو كما يسميها البعض... «سيحة شباثة»، وردت في العديد من المصادر على أنها منطقة زراعية ذات نخيل ومياه عذبة جارية، وعلى سبيل المثال، ذكرت في كتاب «عقد اللآل في تاريخ أوال» للشيخ محمد علي التاجر في الصفحة (32) حيث قال عنها: «سابية وجنوبها شبافة، وكلتاهما ذات مياه جارية ونخيل باسقة».

وفي دليل الخليج، يقول لوريمر في الجزء الجغرافي الأول: «شبافة (شباثة)، تبعد ثلاثة أميال شرق الرفاع الشرقي... تحوي ينبوعا، وفيها حدائق النخيل التابعة لأهل النويدرات الذين يخيمون بها صيفا، وقرية صلبا (سلباء) أقرب القرى لها»، وقال عنها الشيخ المبارك في «حاضر البحرين» في باب بلدان البحرين: «(شباثى) بفتح الشين والباء المخففة مقصورة وهي الآن خراب».


معنى الدوحة في اللغة

الدوحة في اللغة تعني المظلة العظيمة، وإطلاق القدماء لفظة الدوحة على شباثة يأتي للدلالة على أن النخيل الكثيفة الباسقة كانت تظلل جميع مساحة شباثة، بحيث لا تصل الشمس إلى الأرض إلا في أماكن قليلة، وهذا القول يؤكده كبار السن في المنطقة، وتعتبر شباثة من أشهر المناطق الزراعية القديمة في جزيرة البحرين، وكانت تضم عددا كبيرا من مزارع النخيل، وتعود ملكيتها إلى أهل النويدرات والقرى القريبة منها كالمعامير والعكر والرفاع وحالة أم البيض سابقا.

في القديم، كانت منطقة شباثة الزراعية تقع ضمن الحزام الأخضر المحيط بسواحل جزيرة البحرين من الجهة الغربية والشمالية والساحل الشرقي الممتد من المنامة وجدعلي وتوبلي والنبيه صالح وسند والعكر والمعامير ثم شباثة والسبابي والفارسية وسلبا وزويد وأبو جرجور وصولا إلى أطراف عسكر.

وبالعودة إلى الخرائط القديمة التي بينت المواقع الزراعية في جزيرة البحرين، نجد أن شباثة كانت مرصوصة بالنخيل الباسقة، ولم تتخللها أماكن فراغ عدا منطقة جبال سعود القريبة من ينبوع الخريص المحاذي للساحل القريب من حالة أم البيض وهي مساحة صغيرة.

ولا بد من الإشارة إلى أن دوحة شباثة لم تكن تحوي بيوتا، بل كان أصحاب المزارع والنخيل يضعنون فيها في فصل الصيف، وكانت تحوي (مضاعن وعرش)، وقبل الخمسينيات كان يضعن فيها بعض البدو أصحاب المواشي والرعاة لأنها غنية بأنواع الحشائش والمياه.


الموقع والحدود

تقع دوحة شباثة على الساحل الشرقي لجزيرة البحرين، ويذكر المؤرخ لوريمر في دليل الخليج أنها تبعد ثلاثة أميال شرق الرفاع الشرقي، وهي تقع جنوب المعامير وتحديدا شرق شركة نفط البحرين (بابكو).

وتمتد حدودها القديمة من أطراف النويدرات القريبة من بربورة مرورا بمنطقة الشريعة (دوار النويدرات)، التي كانت عبارة عن مجمع لمياه الجداول الممتدة من بربورة إلى شباثة، وكان الماء يتجمع في منطقة الشريعة ثم يتوزع على عدة فروع وجداول مياه إلى المزارع والنخيل القريبة، ومن الجهة الشمالية، تبدأ من أنابيب النفط جنوب المعامير إلى الجنوب قرب قرية سلباء وقرية الفارسية المهجورتين وتحديدا قرب ساحل حالة أم البيض، ومن الغرب تحدها مصفاة التكرير (بابكو) وقبل العشرينيات كانت منطقة بابكو تقع ضمن حدود شباثة.


أسماء النخيل والمزارع

لا بد من الإشارة إلى أن منطقة شباثة الزراعية كانت كلها نخيل ولم تكن توجد فيها مزارع أشجار، بل كان بعض المزارعين يزرعون بعض المحاصيل الزراعية البسيطة في مواسم معينة كالطماطم والبقل والبطيخ وهم قلة، أما نخيلها فكانت مقسمة إلى مناطق عدة كالجوابير والسبابي والصرم والنخيل، ونود هنا أن نقف على أسماء النخيل وأسماء اصحابها، ولابد من الإشارة إلى أن أهل النويدرات باعوا بعض المزارع لغير النويدريين، وهنا نبدأ بمنطقة السبابي التي تعتبر جزءا من شباثة وكانت تضم الكثير من صرم النخيل والتي تمتد من أنابيب النفط قرب المعامير إلى (LOO LEFT) و(HI LEFT) التابعة لبابكو جنوبا، والمقصود بالصرمة هي المربع المزروع بالنخيل وإن اختلفت أضلاعه قليلا.


أشهَر الصرم... مربعات النخيل

من أشهر تلك الصرم أو مربعات النخيل: صرمة محمد حسن وهو من أهل الرفاع، صرمة بن حمد، ملك علي بن حمد من أهل الرفاع، صرمة بن شلاخ، وهي ملك إلى عبدالله بن يوسف شلاخ أحد أهل النويدرات، صرمة أم القصب، وهي ملك للمرحوم الحاج علي بن كاظم من أهل النويدرات، والصرمة قريبة جدا من غاز نادر وكومة الكبريت التابعة لبابكو، نخيل فسيلة بن عمار، وهي ملك إلى أولاد بن هجرس أو هيرس القاطنين مدينة المحرق، نخيل الجبلات الأولى، وهي ملك لعائلة الفضالة المعروفة، نخيل الجبلات الثانية، وهي ملك إلى عائلة الغتم، ويذكر أن عائلة الغتم والفضالة كانتا تضعنان فوق منطقة جبلية تقع شرق شباثة (جبال سعود)، ولذا أطلق على النخيل اسم الجبلات نسبة للجبلة، وحينها كانوا ينصبون لهم أعمدة خشبية فوق الجبل ثم بنصبون عليها الخيام، صرمة البطحة تقع جنوب الجبلات وهي ملك للمرحوم مكي بن الحاج عمران والد الأستاذ موسى، وهو من أهل النويدرات، صرمتان لبن درباس، وتقعان جنوب البطحة وهما ملك للمرحوم الحاج محمد بن درباس النويدري، ويذكر بأن الحاج محمد بن درباس مدفون في ضريح صعصعة في قرية عسكر وقد توفي في العام 1945، صرمة أم درب، وتعود ملكيتها إلى الحاج محمد بن درباس النويدري، ويمر من خلالها طريق يؤدي إلى منطقة سلبا، وغربها يقع مضعن يسمى مضعن بن كاظم ويعود إلى عائلة بو دهوم في النويدرات، جوبار بن عفيس، ويعود إلى عبدالله بن أحمد بن سليمان، وهو من أهالي حالة أم البيض الواقعة في نهاية جزيرة سترة جنوبا، وأبناؤه حاليا يسكنون في مدينة الرفاع، ويذكر بأن (الحالة)، بعد رحيل أهلها عنها تحولت إلى سكن لبعض الأجانب لعقود ثم انتقلوا منها في التسعينيات وحاليا أصبحت مهجورة.

صرمة المنشلة، وتقع شمال جوبار بن عفيس، وهي ملك إلى خليفة بن شاهين، وكان يسكن حالة أم البيض سابقا وأبناؤه يسكنون حاليا في مدينة الرفاع، وهناك أكثر من 20 صرمة أخرى سجلها الباحث جاسم حسين آل عباس.


مصادر الري والمياه

بالعودة إلى (دليل الخليج)، يشير لوريمر في أحد الموارد إلى أن سابية وشباثة هما عينان ذواتا مياه عذبة وقنوات مياه تحت الأرض (ثقب)، وتقومان بري العديد من النخيل والمزارع القريبة منهما، ويذكر أن النخيل والمزارع تعود إلى أهل النويدرات وبعض الذين يضعنون بالقرب من العينان. ويقول بعض المعمرين، أن دوحة شباثة كانت تحوي عيونا طبيعية قديمة، أما الباحث آل عباس فيقول: قبل عدة أعوام، وقفت على إحدى الدراسات التوثيقية، وكانت تتحدث عن طرق الري في البحرين، وتذكر بأن منطقة شباثة تحوي عينا أو عينين طبيعيتين، والثابت أن في شرق شباثة يوجد ينبوع الخريّص الذي كان موجودا منذ القدم وهو عبارة عن (كوكب) ذي مياه عذبة، ويمتد منه جدول يصب في بركة مبنية بالحجارة البحرية، وتستخدم البركة للشرب وري النخيل وما زالت آثارها باقية حتى يومنا.

أما تسمية الينبوع بهذا الاسم، فذلك لانتشار الحشائش الكثيفة والأسل (نوع من الأشجار البرية) حول الينبوع، ولذا كان يطلق عليه باللهجة العامية الخريّص أي المكان الوعر. ويذكر الحاج علي بن كاظم النويدري أن نخيل شباثة كانت تعتمد على مصادر المياه المتصلة بعيون منطقة بربورة كعين كبرى وعين صغرى وعين الحرامية حيث كانت الأنهار والجداول تخرج من بربورة وتتصل بالنويدرات وتمتد إلى شباثة، وهذه الأنهار كانت آثارها باقية حتى فترة السبعينيات، وقد شاهدها الكثير من الناس وآثار الأنهار كانت موجودة بين بربورة وشباثة، وكانت تمر على شارع مجلس التعاون القديم ومصفاة النفط (بابكو).


أسباب هجرة شباثة

يرجع الباحث آل عباس هجرة شباثة إلى العديد من الأسباب، ومنها أنه بعد إنشاء شركة بابكو قامت الشركة بحفر بعض الآبار العميقة؛ ما أدى إلى تأثر المياه الجوفية القريبة من الشركة حيث نضبت أغلب العيون القريبة منها، وبعد أعوام قليلة من تشغيل الشركة، التحق العديد من المزارعين بها ما أدى إلى إهمال النخيل وبالتالي تصحر المساحات المزروعة.

ومن أسباب هجرتها أيضا، تلوث المياه الجوفية بنسبة عالية من مادة الكبريت وبعض المواد النفطية، ويذكر أن بعض المزارعين في فترة الخمسينيات قاموا بحفر بعض الآبار العميقة، ولكنهم وجدوا المياه تحوي نسبة كبيرة من الكبريت الذي يقتل الزرع، ولا شك أن معمل التكرير تسبب في تلويث التربة السطحية المحيطة بالمنطقة، ولا سيما القريبة منها كشباثة والفارسية وزويد التي كانت مليئة بالزرع والنخيل، ومن الأسباب أيضا، ظهور الكثير من المهن الجديدة بعد اكتشاف النفط، والكثير منها كانت أقل كلفة وجهدا وأكثر فائدة من مشقة المزارع والنخيل، والسبب الأهم هو أنه لم يكن يتوافر أي دعم حكومي للمزارعين، بل كانت هناك ضرائب ومشاكل كثيرة ترتبط بمهنة النخالوة والمزارعين.

العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:42 ص

      ما أجمل هذا التوثيق التاريخي الذي يؤصل لأرض البحرين وأهلها ، والذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن البحرين كانت غابة نخيل شرقا ولا يقتصر الأمر علی الشمال والغرب .شكرا جزيلا للباحث كاتب المقال ونشكر جهود الباحث التاريخي جاسم حسين . وإلی مزيد من التوثيق .يوما ما سيكون هو تاريخ البحرين القديم .

    • زائر 3 | 7:36 م

      واحد تعرفه

      ما تجوز يا غريب الدار ههههه

    • زائر 2 | 3:43 ص

      غريب الدار

      المفسدون في الارض

    • زائر 1 | 2:27 ص

      موضوع راقي جدا

      يحسب للوسط هذا التوثيق الرائع
      شكرا لسعيد محمد وجاسم حسين

اقرأ ايضاً