العدد 2764 - الأربعاء 31 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الثاني 1431هـ

مُعسكَر كلاّ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يُجيب الكولونيل الأميركي في سجن غوانتنامو على سائليه: لا يُوجد معسكرٌ هناك. يُرَدّ عليه: بل يُوجد كما يُظهِر ذلك البناء. يُعاود الكولونيل الإجابة: كلاّ، ما تعتقدون أنه موجود هو في الحقيقة غير موجود. هذه القدحة هي أصل قصّة الرّد وردّ الرد طبقا لمرويّات حارس زنزانات سجن غوانتنامو جو هيكمان. ماذا يعني ذلك؟

نعم... هيكمان اليوم هو شاهد مَلِك في قضية جنائية. الرجل (ومعه ثلاثة حُرّاس) يمتلك إفادة حقوقيّة حول انتحار سجينَيْن عربيين مسلِمَيْن أحدهما سعودي (ياسر الزهراني 22 عاما) ويمني (صلاح السالمي 33 عاما) بين يومي 9 - 10 يونيو/ حزيران من العام 2006 أثناء اعتقالهما في سجن غوانتنامو بتهم تتعلّق بالإرهاب.

رواية الحارس هيكمان تفيد أنه رأى ثلاثة سجناء يُنقلون إلى مستشفى السجن، وفي حلق كلّ واحد منهم خرقة قماش، وأن أحدهم كانت عليه كدمات. آخرين من الحرّاس ممن يلحظون المعسكر من زواياه العليا أفادوا بأن: «السجناء جاءوا من مكان آخر» ربما يكون من المعسكر «كلاّ»! سُمّي كذلك لأن إجابات الضبّاط المتكررة على استفسارات الجنود هي: كلاّ... لا يُوجد سجن سرّي في المعتقل. (راجع ما نشرته «وكالة الصحافة الفرنسية» في ذلك الشأن).

هذه الحادثة أثيرت بالتزامن مع إعلان هيئة مؤرخين غربيين قبل أسبوعين تفيد بأنها «تَجزِم» بأن (القصف الجوي والمدفعي لقوات الحلفاء الأميركية والبريطانية لمدينة دريسدن الألمانية في 13 و14 فبراير/ شباط من العام 1945 إبّان الحرب العالمية الثانية أدّى إلى مقتل خمسة وعشرين ألف إنسان) على الأراضي الألمانية!.

هذان الخبران يُنمّيان لدي حقيقة شاخصة، وهي أن الغرب ليس كتلة صمّاء، وإنما هو عبارة عن مجموعة صور غير متجانسة. في بعضها يُرَى كشريف روما، وفي أخرى لا يُرَى إلاّ على هيئة نيرون. وهو في ذلك يُحاكي واقعه السياسي والثقافي بشكل طبيعي، ومُزمن.

عندما تزور الولايات المتحدة يأسرك عالم مُشَاهَدٌ غير اعتيادي مُفعَمٌ بالنظام والقانون الحافظ للحقوق. ويأسرك معه تضخّم مهول في العلوم والصناعات وطريقة إدارة الأزمات والعلاقات القائمة والمُرتدّة ما بين قاع الهرم وقمّته، والتي تبدو منسجمة وكأنها منتظم تاريخي ثابت.

وعندما تنزل درجة نحو الأسفل ترى أن هناك عالما آخر من البشر والمصالح والحقوق، يُديره أرباب المال والسياسة والنفوذ. وعندما تنظر إلى ما تنتظم عليه البلاد من سياسات خارجية، ترى حجم الفُحش في البراغماتية والعضّ على المصالح، لدرجة إتلاف شعوب كاملة وحرق أرضها من أجل إصلاح موازنة أميركية.

في العالم المُشَاهَد توجد لوازم الإقناع المباشر. بعضها مبنيٌّ منذ الأوراق الفيدرالية التي أفاض بها جيمس هاملتون وحتى لحظة الحال. وبعضها تقوّم بفعل 26 تعديلا على الدستور الأميركي، وما سنّه ذلك من أعراف وقِيَم تجاه الدولة ولحمها الموصول بالمجتمع، والقانون المتغلغل بين آحاد الناس ومجموعهم.

وفي العالم السُّفلِي توجد أيضا لوازم الإقناع ولكن ليس للخارج فقط، وإنما للداخل أيضا، الذي قد يتحوّل في مواطن كثيرة إلى معيار للعمل. هنا يُصبح الموضوع أكثر إثارة. فحين تستوي أمور العالم وشئونه طبقا لإيقاعات الشعب الأميركي، وما إذا كان سيضع ورقته لصالح حزب الفيل أو الحمار، فإن الموضوع يبدو غاية في الاستعباد والقسوة.

لذا فإن ما يجب أن يُلتَفَت إليه هو إدراك تلك القيم لدى الأميركي. واستحضار أحواله في حاضره وسالفه. يجب أن لا ننسى إبادته لثمانية عشر مليون هندي أحمر، ودخوله في 131 حربا حول العالم. إنه خصم عنيد وقاسٍ لا يُمكن الوثوق به إلاّ بوجود ندّيّة تُجبره على التشارك على أقلّ تقدير.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2764 - الأربعاء 31 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:06 م

      روجيه جارودي

      كتاب جارودي حول هذه الامبراطوريات يبين حجم دمويتها

اقرأ ايضاً