العدد 2765 - الخميس 01 أبريل 2010م الموافق 16 ربيع الثاني 1431هـ

شموعٌ أخرى على الطريق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في حوالي العاشرة من مساء الثلثاء، تلقيت رسالة هاتفية عن حاجة أحد أبناء القرية لنقلٍ عاجلٍ للدم من فصيلة (- o) بغرفة الإنعاش في طوارئ السلمانية.

في الصباح الباكر كان مأتم أنصار الحسين يبث القرآن الكريم، ولما استفسرت من أحد الجيران أفاد بتعرّض جارنا زاهي ميرزا لحادثٍ مروري أليم. كان الخبر صاعقا، فالشاب ذو الحضور الاجتماعي يختفي كالبرق الخاطف.

عند الثامنة والنصف، تحرّك موكب التشييع، والمسافة إلى المقبرة لا تتجاوز السبعمئة متر، لكنها استغرقت ساعتين، فالجنازة كانت تسير الهوينى، فالقرية التي فُجعت بأحد شبّانها الملتزمين تريد أن تودّعه على مهل. وكلّ من تلقاه يومها يعزيك وتعزيه، ففقد الشباب مصابٌ للجميع.

في منتصف الطريق ارتأى المشيّعون أن يدخلوه المأتم الذي احتضنه طفلا ومراهقا وشابا، فلابد من دقائق للوداع الأخير. الرادود عبدالأمير البلادي أخذ يناجيه ويناديه في دخوله الأخير للمأتم فبكى وأبكى، ولو كان بيدي لقلت له دع القلوب تقر يا عبدالأمير.

عندما اقترب من مثواه الأخير، اقترب أبوه الشيخ الكبير من القبر، متكئا على أكبر أولاده، وأخذ يناديه: «أين ذهب المعرس؟ دعوني أراه؟ ماذا أقول لأطفالك عندما أعود»؟ وأراد الوالد المفجوع أن ينزل إلى القبر لينام معه فيه، لكنهم منعوه وهدّأوا من روعه حتى عاد إلى رباطة جأشه ومستقر إيمانه.

البلاد القديم تغصّ ثلاثة أيام بلياليها بالمعزين من مختلف المناطق والطبقات، والفقيد الذي لم يعرف أكثر الناس اسمه إلا بعد وفاته، كان من الشباب الناشطين في حركة الاحتجاجات التي طالبت بعودة البرلمان والعمل بالدستور. وتعرّض للإصابات ودخل معتقلات أمن الدولة أكثر من مرة، حيث أودع في زنزانات سجن القلعة الذي ضمت عنابره مجموعات من طلاب الحرية والإصلاح.

بعد الانفراج السياسي، تركّز نشاطه على العمل داخل المؤسسة الدينية (المأتم)، ربما لقناعته بأن هذا العمل تجارةٌ مضمونةٌ لن تبور. التحق بالإدارة لأكثر من دورةٍ انتخابية، حضوره دائمٌ في كل مناسبة مولد أو وفاة، مصطحبا طفليه كالظلّ ليتربيا في المكان الطاهر الذي تربّى فيه. في العامين الأخيرين شارك في لجنة التنظيم ومتابعة الأنشطة بجمعية «الوفاق».

الفقيد الذي شارف على الأربعين، ترك وراءه ثلاثة أطفال دون العاشرة، أصغرهم حوراء، فقد أرغمته الظروف على الزواج متأخرا، ولكنه أسرع في الرحيل.

لم أكتب لاستدرار العواطف والدموع، فتلك حكمة الله ولا راد لقضائه المبرم في السماء، إلا أن هناك أسبابا من صنع الإنسان. قرى كاملة تفتقر إلى بنى تحتية أساسية، وبخلٌ في إنشاء جسور مشاةٍ أو خطوطٍ وإشاراتٍ للعبور، قد تجنب الناس أمثال هذه الحوادث الدامية.

ثم هناك السرعة وأخطاؤنا نحن السائقين... التي تطفئ مزيدا من الأرواح والشموع. أغلب الحوادث وراءها السرعة، وأكثرها يكون الشباب طرفا فيها، والصحف تنشر الصور والأخبار ولا من معتبر.

صفحة كاملة أمس عن جارنا زاهي في «الوسط»، صور للسيارة التي صدمته، وصورة للإسعاف، وصور أخرى لأطفاله وللتشييع. وفي صحيفة أخرى أخبار حوادث بالجملة، بين ثلاث وخمس سيارات، والضحايا بالجملة أيضا، مواطنون ووافدون يتساقطون في مختلف مناطق البلاد. وأكثر الوافدين من العمال الكادحين الذين تهرسهم السيارات المسرعة تحت عجلاتها، ويخلّفون وراءهم أسرا وعوائل، وأطفالا يتامى وزوجات ثواكل.

رحم الله زاهي ميرزا، وعشرات الضحايا، وألحقه بالصالحين، وأخلف على عقبه في الغابرين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2765 - الخميس 01 أبريل 2010م الموافق 16 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 4:02 م

      إلى الاردني

      هذا المتطفل الاردني كشف نفسه، وحبل الك1ب قصير جداً. فمن يتخلى عن جنسيته وبلده لن يحب بلد غيره يا مغفل. وصدق الله العظيم حيث يقول: "ألا لعنة الله على الكاذبين".

    • زائر 20 | 4:00 م

      كل اناء بالذي فيه ينضح

      فإناء الكاتب ينضح بحب الانسانية ويدافع عن ارواح الناس بحرينيين ووافدين، عرباً وأجانب، وبيدعو لحفظ الارواح ومحاسبة النفس لعدم وقوع حوادث تزهق فيها الأرواح، بينما وهذا الجلف جاي يدافع عن الاجلاف ويدعو لازهاق الارواح.

    • زائر 19 | 3:57 م

      الى الاردني المتطفل

      احترم نفسك يا من جلبت من بادية الشام، واحترم مشاعر الىخرين. نحن نعلم ان مثل ههذ التعليقات لا تصدر عن بحريني أصيل، وإنما عن بدوي احمق. وتأكد ان لكل مقام مقال، ومن يدلي بكلام في غير موقعه فهو احمق.

    • زائر 18 | 3:41 م

      رحمك الله يا زاهي ...

      أعظم الله أجر أهل الفقيد .. ورحمه وأدخله فسيح جنانه مع محمد وآل محمد .. الدولة هي المسؤول الأول والأخير عن كل الأرواح البريئة التي تذهب كل يوم .. فبدلاً من الإهتمام بالشعب الأصلي سنة وشيعة علماً وثقافة .. ومحاولة تحسين البنية التحتية للجميع دون تمييز للمناطق وفق الطائفة .. كرست كل جهودها للتنجنيس القاتل .. الذي قضى على كل أحد من الطائفتين ..وعلى كل بنية تحتية جيدة محتملة .. وعلى كل شيئ قد يكون جميلاً في هذا البلد المغتال .. الميزانية تهدر في توفير ما تستطيع الحكومة توفيرة للمجنسنين المرتزقة ..

    • زائر 17 | 3:21 م

      الجنون

      إلى متى هذا الجنون في قيادة السيارات, برايي أنا هؤلاء السائقين قتلة مع سبق الإصرار والترصد, وبلا هراء هذه أرواح ومستقبل شباب, أو أن هذا الغباء في التهور الأحمق يقصد به تكثير اليتامى لكسب الثواب, أحدهم قتل أمرأة في قرية ......وبعد خروجه من التوقيف الذي قضى فيه عام كامل قام بحادث آخر,,,,,قهر من هذا الإستهتار.

    • زائر 16 | 12:48 م

      الى الزائر 10 و 13

      اولا أنا اردني وافتخر بذلك وبحب البحرين اكثر من بعض اهلها _ أن كانوا اهلها فعلا_ ثانيا بالنسبة للأخطاء الإملائية فهذا من سرعة الطباعة على الحاسب وعلى كل حال الخطأ غير المقصود ربنا بيغفره لكن التمادي في الخطأ هو الطامة الكبرى أما بالنسبة لتوقيت الكلام فهذا وقت محاسبة المخربين ونشد على يد الداخلية للضرب بيد من حديد

    • زائر 15 | 7:08 ص

      تعزية ل ال سماعيل و الشيخ علي

      نعزي الحاج ميرزا بن احمد والشيخ علي سلمان و ال اسماعيل الكرام بفقيدهم ا الشاب الغالي زاهي ميرزا و جعل مثواه جنة الخلد مع النبيين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا.
      و نسال الله أن لا يريهم مكروه في عزيز لهم. أمنين يا اله العالمين ............... الحاج علي بن سلمان و عائلته

    • زائر 14 | 6:56 ص

      but he was driving fast

      my wife told me that she was driving on the other side of the road and she saw the reckless driver speeding and after the made the u turn at kamees mosque she found that the same reckless driver had hit a man and he was laying on the floor
      the car was also tinted with deep ribbon
      god rest his soul and take him to heaven

    • زائر 13 | 4:23 ص

      ردود

      إلى رقم 10: شكراً جزيلاً، ردك برد قلبي.
      إلى رقم 11: كلامك معقول، مشكلتنا هي التخطيط ثم التخطيط ثم التخطيط وانظر مثلاً إلى الشارع المحاذي لمسجد الخميس، المفروض أن انتهى العمل فيه والصراحة يا ريت ما اشتغلوا ولا بهدلونا هالبهداله كلها وآخرتها الشارع مو عدل.

    • زائر 12 | 4:11 ص

      رحمة الله علية

      الله يرحمة برحمته الواسعة ويحشرة مع محمد وال محمد الطيبين الاطهار ويصيبر اهلة ويمسح على قلوبهم بحق هالجمعه

    • زائر 11 | 4:01 ص

      أنا أسرع بالسيارة .. ولكن لماذا ؟

      يجب عمل حل لردع سواق السيارات بسرعة عالية ، ولكن هناك أمور يتغافلها الكثيرون إن لم يكن الجمع هي سبب السرعة . منها مثلاً إزدحام الشوارع ، فيضطر السائق لزيادة السرعة في بعض الشوارع الأخرى لكي يتمكن من الوصول لمكانه المقصود !
      فالدولة أولاً وأخيراً هي المسؤولة عن السرعة القاتلة ، فيجب عمل خطة لتوسعة الشوارع وهو معقول جداً مع إيرادات النفط الكبيرة . إضافة لإيقاف العبث بالتركيبة السكانية .

    • زائر 10 | 3:31 ص

      الى الى الزائر رقم 9

      اولاً مو هذا موضوعنا ثانيا اكتب كلام منطقي وبحروف عربية اذا انت تدعي انك تحب الوطن فلابد من كلمة حق وهي التغير وانصاف الناس لا التميز والطائفية البغيظة .. عموما واضح انك شخص مرتزق وتدعي حب الوطن روح ابحث عن وطنك الاصلي غير البحرين يا مرتزق اما انت بلوشي او سوري او يمكن بنكالي بعد ... ههههه والله ضحكتني على الفصاحة والنطق السليم محتاجينك مدرس لغة عربية في الجامعة او تدري تعلم المجنسين امثالك اللهجة البحرينية على الاقل . اسمع المثل وش يقول : اخر الزمان ابو جلف صار مواااطن

    • زائر 9 | 3:11 ص

      قرى

      يا سيد حسين تقول عن القرى الفقيرة ولا تقول ان هذه القرى تنشر الرهاب في كل يوم في البلد وتضر اهل هذه القرى واهل البلد كلهم لماذا يا سيد حسين لا تستنكر هذه الاعامال الجرامية وترمي الحكومة بالتقصير البلد تحترق كل يوم وانتم صامتون بل بصمتكم تباركون ذلك

    • زائر 8 | 2:40 ص

      jmj_2@hotmail.com

      رحمه الله وحشره مع محمد وال محمد صلوات الله عليهم الجميعين
      لو اعتبرت الحكومه بان هذه الحوادث هي المعنيه به
      وركزت الوزاره المعنيه وهي وزارة الداخليه على الحوادث المميته لاجاد حلول لتغير الوضع للافضل
      فانا لا اعتقد بان وزارة الداخليه تفتقر الى الخبرات والقدرات فهي تثبت لنا في كل يوم بان قدراته في الامن ومحاصرة القرى تتطور يوما بعد يوم وهذا بسبب تركيزه على هذا الجانب

    • زائر 7 | 2:15 ص

      اراد الاخرة فذهب اليها سريعا

      لم اكن اعرف شهيد الكدح زاهي و لكنني ما ان سمعت الخبر حتى توجهت مسرعا للتشيع و لم استطع امنع دموعي من ان تتسرب من بين الجفون فقد كان الحادث فضيعا و الاكثر فضاعة انتظار ابنته حوراء لابيها ليرجع لها بما طلبته لتستقبله بالعناق ولكن سيطول بعده الفراق يا حوراء.

    • زائر 6 | 1:46 ص

      وش بيدنا

      الله يصبر زوجته على هذه الفاجعة، لا ألقاها إلا قليلاً في المناسبات ولا يخلو حديثها من ذكر اسم زاهي موضحة إنه يدها ورجلها التي تعتمده عليهم وليس لها غنى عنهم إنا لله وإنا إليه راجعون

    • زائر 5 | 1:40 ص

      إنا لله وإنا إليه راجعون

      (اللهم إني لا أسئلك رد القضاء ولكن أسئلك اللطف فيه)يارب هون على أمه وزوجته وذويه يالله

    • زائر 4 | 1:28 ص

      الله يرحمه

      رحمة الله الواسعة على زاهي
      إلى جنة الخلد إن شاء الله

    • um amal | 1:23 ص

      على مثل هؤلاء نبكي

      نعم هذا النوع من الشباب موته مصيبة ..الالتزام الديني،والمشاركة الفاعلة في كل ماهو مفيد ..نريد جيلا من الشباب بهذه الصفات ..رحم الله الفقيد والهم اهله الصبر والسلوان

    • زائر 3 | 12:54 ص

      عاطلة جامعية

      أستاذي العزيز بورك قلمك الذي دائما ما تضعه على الجرح الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته هو و جميع المؤمنين والمؤمنات

    • زائر 2 | 11:02 م

      يا الله يا رحيم

      الله يرحمه ويرحم المؤمنين والمؤمنات

    • زائر 1 | 10:22 م

      شموعٌ أخرى على الطريق

      رحم الله زاهي ميرزا، وعشرات الضحايا، وألحقه بالصالحين، وأخلف على عقبه في الغابرين.

اقرأ ايضاً