العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ

مهرجان كان: الذكريات والتاريخ والصدام مع جورج بوش

بين ذكريات السينمائي الإسباني بيدور المودوفار، عن حياة تلميذ في المدارس الكاثوليكية الصارمة أيام حكم دكتاتور إسبانيا السابق فرانكو، ذكريات مخرجنا العربي يوسف شاهين عن حياة طالب لفن السينما في كالفورونيا الأميركية، ستدور هذا العام فعاليات الدورة السابعة والخمسين لمهرجان «كان» السينمائي في الجنوب الفرنسي. ذلك أن فيلم المودوفار يفتتح تظاهرة المختارات الرسمية الأساسية في المهرجان مساء الأربعاء في 12 مايو/ أيار الجاري، فيما يختتم فيلم شاهين عروض تظاهرة «نظرة ما» التي تعتبر ثاني أهم تظاهرة في المهرجان... بل انها تتخذ أهمية متزايدة كون افلامها يغلب عليها طابع سينما المؤلف الفنية، بينما اعتادت عروض «المختارات الرسمية» أن تكون أكثر شعبية واستعراضية. علما بأن الفيلمين لن يكونا داخل أية مسابقة، وكذلك حال فيلم يسري نصر الله الجديد، باب الشمس الذي يعرض بدوره في تظاهرة المختارات الرسمية.

اذا من المودوفار الى شاهين تستعيد دورة «كان» لهذا العام نفسا طيبا كانت دورة العام الفائت قد فقدته اذ كانت باعتراف الجميع - واحدة من أسوأ دورات هذا المهرجان العريق خلال السنوات الأخيرة. والمودوفار وشاهين لن يكونا وحدهما في الميدان على أية حال فاذا كان هذان المخرجان المتوسطيان قد عرفا بكون أكثر أفلامهما يعرض أولا في «كان» ما جعلهما يستحقان ان يكونا من أبناء المهرجان، فإنه ثمة عودة هذا العام من «أبناء كان» الأخرين في التظاهرتين الأساسيتين أو في غيرهما، كما أن ثمة قادمين جددا يعرضون للمرة الأولى وثمة مخضرمين بعضهم يأتي للمرة الأولى... وعلى رأس كل هؤلاء يأتي اثنان طبعا من كبار شبان السينما العالمية في زمننا هذا، البوسني أمير كوستوريتزا، الذي يعود بعد غياب، وبعد جوائز كثيرة نالها في دورات سابقة وخصوصا على فيلمه قبل الأخير اندرغراوند (السعفة الذهبية مرة ثانية) بفيلم جديد له عنوانه «الحياة معجزة» والحال ان كوستوريتزا اراد من فيلمه هذا أن يلخص من عنوانه جوهر الحياة وجوهر الفن في آن معا، كما يقول. أما اذا أردنا أن نعرف كيف فعلينا انتظار بضعة أيام أخرى، ذلك ان كوستوريتزا على عادته لايزال حتى اليوم يحيط فيلمه الجديد بكل أنواع الأسرار والأسوار.

في المقابل لا يخفي، نجم «شباب» سينما العالم الراهن الآخر، الايراني عباس كياروستامي، أي شيء عن فيلميه اللذين يشاركان معا في دورة «كان» لهذا العام، كل في تظاهره: الأول 1100 «على عشرة» في الاختيارات الرسمية والثاني «خمسة في نظرة ما» اذ يقول لأن إنه منذ الان ينطلق فيهما من حيث كان توقف في فيلمه السابق «عشرة» الذي نظر الى أوضاع المجتمع الايراني عموما والمرأة الايرانية خصوصا من خلال سيدة تقود سيارتها ذات يوم في شوارع طهران ناقلة معها ابنها الفتى الغاضب عليها دائما وأحيانا سيدات صديقات لها، تروح كل واحدة عارضة مشكلاتها.

يقينا أن المخرجين الذين تحدثنا عنهم حتى الآن بافلامهم وبأشخاصهم ايضا، نجوم هذه الدورة الجديدة من «كان» لكنهم لن يكونوا كل نجومها... اذ هناك ايضا النجوم الآخرون «الحقيقيون» هذه المرة بالمعنى المتعارف عليه أي كبار الممثلين الأميركيين والفرنسيين. سواء من الذين لهم أفلام، أو من الآخرين الذين يقصدون «كان» لمشاهدة الأفلام أو التقاط الصور أو عيش حياة الرفاه والدعة لاسبوعين أو أقل من الزمن. ومن أبرز هؤلاء براد بيت مرافقا فيلمه الجديد «طروادة» والصينية غونغ لي، مرافقة مخرجها المفضل وصديقها السابق جانغ ييمو الذي يعرض هنا فيلمه الجديد فلايينغ داغجر» خارج المسابقة الرسمية، وهناك بينلوبي كروز وخصوصا سارلزتورن التي ستأتي حاملة أو سكارها الأخير فخورة به وآشلي جاد وبياتريس دالي وتوم هانكس وشين بن وجوري راش... بين آخرين.

غير ان نجومية سلفادور وغيفارا ستكون بدورها حاضرة على رغم مرور عشرات السنين منذ مقتل الزعيمين الثوريين لأميركا اللاتينية. سلفادور يحضر عبر فيلم باتريسيو كوزمان، بينما يحضر غيفارا عبر فيلم والتر ساليس المنتظر أكثر من أي فيلم آخر «مذكرات راكب دراجة» ويقودنا هذا طبعا الى القول ان التاريخ المعاصر والقديم حاضر في هذه الدورة بكثافة. فمن الحروب الطروادية الى القضية الفلسطينية ومأساة اللاجئين عبر فيلم «باب الشمس» للمصري يسري نصر الله هناك زيارات عدة للتاريخ، وفي التظاهرات كافة غير أن المؤكد هو أن زيارة مايكل مور، المخرج الوثائقي الأميركي المنشق والذي يعتبر منذ زمن طويل شوكة في خاصرة كل السلطات الأميركية، والذي أثار ضجة ما بعدها ضجة قبل عامين بفضل فيلمه «بولنغ لكولومباين» فزيارة مور لـ «التاريخ الحديث» ستثير أكبر قدر من الضجيج إذ ان هذا المخرج الذي هتف، حين نال الاوسكار في العام الفائت في وجه الرئيس بوش: «عار عليك يا سيد بوش» بعد الغزو الأميركي للعراق، يعالج في فيلمه الجديد والمعروض في المسابقة الرسمية حوادث سبتمبر 2001 وتحديدا من موقع ادانة السلطة اليمينية الأميركية.

وكذلك سيمكن المهرجان طبعا من اتاحة الفرصة لحضوره، ثم لمحبي السينما في العالم، ان يسمعوا عن أفلام من الصعب التعرف اليها لولا المهرجان. واذا كان هذا على الدوام، واحدا من أهداف «كان» فإنه هذه المرة يبدو هدفا اساسيا، اذ أن بلدانا من أميركا اللاتينية ومن آسيا القصوى، تعرض أفلاما، وكذلك ثمة أفلاما لمبدعين جدد، تماما كما أن بعض العمالقة لهم أفلامهم ومنهم جان لوك غودار الذي يكرم تكريما خاصا ويعرض فيلمه الجديد «بوسيفانا» وكذلك هناك الاخوان الأميركيان جول دناتان كون اللذان يعرضان فيلمهما الجديد «قاتلوا النساء» والى جانب مخرج غجري من فرنسا طوني غاتليف ومخرج افغاني سيشكل مفاجأة هو عالق رحيمي، هناك عشرات آخرون سيكتشفون في كان أو يعاد اكتشافهم فيه وكذلك سيعاد اكتشاف تاريخ السينما نفسها مرات عدة أهمها، في فيلم عن حياة وموت الممثل بيتر سيلرز، وثانيهما فيلم «دي لافلي» الذي ستختتم به تظاهرة الاختيارات الرسمية ليذكر بالعصر الذهبي للسينما الموسيقية الأميركية من خلال حكاية حياة الموسيقي كول بورتر صاحب مئات الأغاني في الأفلام وأبرزها «أنت موجود تحت جلدي» التي طالما تغنى بها فرانك سيناترا بين آخرين فماذا يريد بعد هذا؟

هناك الكثير... لكن الوقت لايزال ابكر من ان يسمح لنا بالاسهاب أكثر... لذلك نكتفي هنا بهذه الاطلالة تاركين الباقي والأكثر تفصيلا لرسائل مقبلة... من المؤكد أنها ستقول الكثير من جدل دورة أول ما هو مطلوب منها هو أن تنتشل المهرجان من عثرة كان وقع فيها العام الماضي، ويبدو أن تنويعه هذا العام، لموضوعات وجغرافيا وأساليب، ستكون خير رد ايجابي عليها

العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً