العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ

الشرير وسوء الفهم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تجنب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الاعتذار عن إساءة معاملة الأسرى في سجن أبوغريب العراقي. وهذا ليس غريبا عن وزير اتصفت سياسته بالعنصرية وكراهية العرب والمسلمين. وأيضا هذا ليس جديدا على وزير يحتقر شعوب العالم الثالث ويتعامل معها كاضافات مزعجة للجنس البشري. فرامسفيلد مثلا هاجم فرنسا وألمانيا واعتبرها من «أوروبا القديمة» لمجرد ان الدولتين اختلفتا معه على استراتيجية الحرب على العراق ورفضتا الانجرار خلف أميركا لمجرد ان واشنطن قررت خوضها من دون أدلة وبالضد من شعوب العالم وقرارات دول مجلس الأمن. فاذا كان رامسفيلد يعتبر ألمانيا وفرنسا من الدول القديمة وتجاوزهما الزمن في وقت تعتبر ألمانيا الدولة الأولى في العالم في حجم صادراتها التجارية وفرنسا تعتبر من الدول المميزة في موقعها الأوروبي، فكيف يا ترى سيكون رأيه بشعوب العالم الثالث وتحديدا معاملة أسرى أفغانستان (غوانتنامو مثلا) والعراق (سجن أبوغريب)؟ هذا ليس غريبا على رامسفيلد. الغريب حقا هو محاولة حكومة طوني بلير العمالية التشكيك بالرواية ونفي وجود اساءة للأسرى من خلال اتهام الصحافة البريطانية بأنها وقعت ضحية تزوير أو اسهمت في تزوير الصور التي تفضح جوانب من تلك المأساة الإنسانية والسياسية.

الغريب فعلا هو ان تلجأ حكومة بلير (أو بعضها) إلى التغطية على حوادث عنف وإرهاب وإهانة اتفق الجميع على حصولها منذ الحرب على أفغانستان وثم العراق ولا مجال للشك بصحة وقوع مخالفات لا تحصى في البلدين، وخصوصا ان المعلومات تجمعت من جهات مختلفة. موقف حكومة بلير لا يتعارض مع منطق حقوق الإنسان فقط وإنما مع جوهر الديمقراطية البريطانية العريقة التي تفاخر بأنها تتميز عن نظيرتها الفرنسية مثلا وتحديدا من جهة تركيزها على التعددية وحق الاختلاف الثقافي وعدم تعارض العلمانية مع المشاعر الدينية (موضوع الحجاب كمثال على تفوق الحريات في بريطانيا).

المشكلة في حكومة بلير انها بالغت كثيرا في مسايرة السياسة الأميركية بذريعة محاولة لجمها من الداخل. وهذه المبالغة في السير وراء مخططات «البنتاغون» اسهمت في تقسيم أوروبا وفي توريط الكثير من الدول وفي اعطاء ذريعة اضافية لواشنطن للسير في استراتيجية اختراع الأزمات وإثارة الفوضى والقلاقل وعدم الاستقرار في منطقة «الشرق الأوسط» وتحديدا في دائرة الدول المجاورة للعراق.

وهذه السياسة اذا استمرت فانها لن تعطي سوى المزيد من البؤس والكثير من الكراهية، لانها في النهاية تفتح الطريق امام أوهام كتلة ايديولوجية شريرة تعتقد ان القوة هي الطريق السليم لصنع الحرية وان الآلام والشقاء لابد منهما لولادة طفل مقولب على النمط الأميركي.

ومثل هذه السياسة المتواطئة ضمنا مع أهواء واشنطن ورغباتها تشد من عزيمة كتلة الشر في «البنتاغون» وتشجعها على ارسال المزيد من القوات الأميركية إلى العراق (50 ألفا تعزيزات إضافية) وتشجع أمثال مساعد وزير الخارجية ريتشارد ارمتياج الذي لمح إلى ان واشنطن تريد فرض عقوبات على سورية قبل نهاية مايو/ أيار الجاري.

هذا النوع من المسايرة البريطانية يعطي قوة للموقف الأميركي ولا يضعفه. وبدلا من ان تعاقب واشنطن تل أبيب على سلوكها ونقضها الدائم لقرارات مجلس الأمن تلجأ إلى الثأر من العرب وتكبيدهم المزيد من الخسائر.

التهديد بفرض عقوبات على سورية يأتي في الوقت الضائع وقبل ستة شهور من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقبل شهرين من الانسحاب الجزئي من العراق وانعقاد قمة الدول الثماني في سي ايلاند في جورجيا، وقبل ثلاثة أسابيع من القمة العربية المؤجلة في تونس. فهذا النوع من التصعيد لا يأتي من فراغ بل هو نتاج سياسات خاطئة تشجع المجرم على ارتكاب المزيد من العدوان والقتل أو إساءة معاملة الأسرى. وتضغط في الآن على القوى المعتدلة أو على الأقل المساندة أو المتفهمة لحاجات المنطقة إلى نوع من التسوية والاستقرار. وهذا عين الانتهازية السياسية في لحظات بالغة الخطورة وفي منطقة شديدة الحساسية.

المواقف البريطانية الخانعة والسياسة الأميركية الطاغية تأتيان في وقت وقَّع أكثر من مئة دبلوماسي وسياسي أميركي وبريطاني عريضة تحتج على لندن وواشنطن وتتهمهما بالانحياز لـ «إسرائيل» والعداء للعرب وفلسطين. انها فعلا مشكلة غير مفهومة. والمشكلة الآن ان واشنطن أوقعت نفسها في مصيدة فهي لا تعرف كيف تستمر ومترددة في الخروج... وهذا الأمر يفسر إلى حد كبير معنى تخبط السياسة الأميركية في معالجة الملف العراقي أو في إدارة أزمة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

والمشكلة الأكبر ان واشنطن أخذت تلجأ إلى سياسات «صدامية» في التعاطي مع الوضع العربي والملف العراقي. فهي من شدة ارباكها تعمد إلى فتح ملف جديد مرة تطلق عليه «قانون محاسبة سورية»، ومرة يطلق عليه الكونغرس الأميركي «قانون تحرير سورية».

وأكبر المشكلات ان واشنطن تعتبر نفسها انها حققت انجازات في العراق وتريد تعميمها على سورية وإيران... وربما السعودية كما ذكر الرئيس الأميركي في خطاب له الأحد الماضي. وهذه طامة تتحمل حكومة بلير تبعاتها وتداعياتها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً