العدد 624 - الجمعة 21 مايو 2004م الموافق 01 ربيع الثاني 1425هـ

دعوات إلى تحديد أطراف الحوار وآلياته وأهدافه ليكون الحوار منتجا

في منتدى «الوسط» عن الحوار الوطني

الوسط - سلمان عبدالحسين، خليل عبدالرسول 

21 مايو 2004

أكد المشاركون في منتدى «الوسط» عن الحوار الوطني على ثوابت محددة للحوار، من ضمنها المصالح المشتركة وحرية إبداء الرأي والشفافية، فيما دعا بعضهم إلى تحديد أطراف الحوار وآلياته وأهدافه ليكون الحوار منتجا، في حين دعا بعض المنتدين إلى تهيئة أجواء الحوار بين المعارضة والحكم والسماح للمعارضة بالتعبير عن رأيها في كل القنوات الإعلامية ليكون الحوار شفافا ومنتجا، ودعا بعضهم الآخر إلى عدم مخالفة الحكومة قواعد اللعبة الديمقراطية لكيلا تتسمم أجواء الحوار، كما حصل في قضية معتقلي العريضة.

وشارك في منتدى «الوسط» كل من رئيس جمعية الأصالة النائب الثاني لمجلس النواب الشيخ عادل المعاودة، ونائب رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية حسن مشيمع، والناشط السياسي عبدالعزيز أبل، ونائب رئيس جمعية العمل الديمقراطي إبراهيم شريف، وعضو مجلس الشورى وعضو جمعية الميثاق عبدالحسن بوحسين، فيما تغيب عن المنتدى رئيس جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي عبدالله الحويحي، كما حاولت «الوسط» الاتصال بأكثر من عضو من كتلة «المنبر الإسلامي» إلا أن هواتفهم النقالة كانت مغلقة.

شهدت الساحة البحرينية في هذه الفترة مخاضات عسيرة، وخصوصا بعد العريضة الدستورية وطرح البرلمان موضوع التعديلات الدستورية، وقد نظمت «الوسط» «ملتقى الحوار الوطني» الذي خرج بمجموعة مفرزات، وفي حوارنا هذا هناك أطراف متعددة لها آراء متباينة، والسؤال: ما هي مرتكزات الحوار على أساس التعدد والاختلاف؟

- الشيخ عادل المعاودة: الحوار واسع جدا ولا حدود له إلا حدين: حد الشرع، وحد العرف، وما سوى ذلك، فالحوار مفتوح، ومع ذلك، فعرفنا نابع من ديننا، أما عن المرتكزات فتختلف أولويات المحاور فيها، ولكن أصل الحوار يقوم على مبدأ الشفافية والحرية والمصلحة المشتركة، فالحوار بشفافية ينتج، لأن الهدف من الحوار هو الوصول إلى مصالح أو وجهات نظر توافقية، وبالتالي فالشفافية هنا تعني الوضوح والصدق، ومن دونها يكون الحوار مجاملات وتمضية وقت لا طائل منها.

كيف كانت تجربتكم في الحوار الذي نظمته «الوسط» في فندق الخليج؟

- حوار «الوسط» كان صريحا وشفافا، كان متضمنا ما ذكرته على رغم قصر الوقت لمثل هذه الأهداف الكبيرة، لكن كان ينطوي على درجة كبيرة من الوضوح والصراحة على الأقل فيما سمعناه، ونحن نزعم أيضا أنه فيما قلناه كان كذلك.

ألى مدى تريد أن تذهب بالحوار؟ وما هو أفقك للوصول إلى مشتركات كهدف تطرحه؟

- القاسم المشترك الذي لا يختلف فيه معظمنا هو النهوض بالوطن ومصلحة المواطن، والذي يتقدم عليه ويصب فيه في الوقت نفسه هو حفظ الدين وحمايته، وهذا هدف لا يقل أهمية عن الهدف الأول، كما لا يمكن فصل هذين الهدفين عن بعضهما بعضا، أما كيف نصل إلى تحقيق هذين الهدفين، فمن خلال الوسائل التي قد لا نختلف فيها حقيقة، ولكن قد نختلف في أولوياتها، وليس معنى ذلك أن هذه الأولويات مهمة أو غير مهمة، وإنما نحن نراعي الظرف الذي نعيش فيه، حين النظر إلى هذه الأولويات.

مثلا: هناك من يقدم التعديلات الدستورية ويجعلها الهدف الأول ضمن أجندته السياسية، أما الطرف الآخر، فيجعل من رفع مستوى المعيشة الهدف الأول، وهنا لا خلاف في الهدف، ولعل الطرف الأول يرى في التعديلات الدستورية الطريق الأسهل لرفع مستوى المعيشة وحفظ كرامة المواطن، أما الطرف الآخر فيعرف أن تحقيق هذا الهدف قد يأخذ وقتا أطول، والناس محتاجة إلى عملية طارئة لرفع مستوى المعيشة.

حسن مشيمع ... ما هي مرتكزات الحوار لديك؟

- مرتكزات الحوار تنطلق من وجود ثوابت مشتركة بين الأطراف المتحاورة، وما لم تكن هذه الثوابت واضحة، فسيكون الحوار حوار «طرشان»، أي أنها ستكون حالا من التشريق والتغريب من دون الوصول إلى التوافق والوئام، وفي هذا الاتجاه: لا فرق... سواء كان الحوار بين الحكومة والمعارضة، أو بين التيارات المختلفة في الساحة باعتبارها مشتركة في وطن واحد، وتحمل هما مشتركا، والحكومة تقابل هذه الأطراف باعتبارها طرفا أساسيا في اللعبة السياسية، أما عن الثوابت التي يجب أن تحدد في إطارها الصحيح، وهي مسألة المصلحة الوطنية، ويجب أن نحافظ عليها على رغم اختلاف توجهاتنا سواء كنا سنة أو شيعة أو يسارا، فكلنا نشترك في هم واحد هو الحفاظ على المصلحة الوطنية، لأننا نعيش تحت مظلة هذا الوطن.

وفق هذه الرؤية، يجب أن يتحرك الجميع في منطلقاتهم وأهدافهم لبناء هذا الوطن بالشكل الصحيح الذي يحفظ كرامة المواطن، ويوفر له أجواء العزة والحرية، ويوفر له المستوى المعيشي اللائق.

لا اعتقد أن بناء الوطن أو الاشتراك في الهم الوطني معناه أن أعيش كالحيوان، وإنما أعيش إنسانا معززا ومكرما في وطني، كما لا ينبغي أن يكون هناك نوع من المساومات الشخصية والمزاجية بشأن مسألة الوطن، فالوطن لا يحدد بأطر شخصية أو حزبية أو طائفية، فالوطن ليس للشيعة فقط أو للسنة فقط. هذه مشتركات تصب في دائرة الوطن وبنائه من أوجهه المختلفة.

أما في قضايا الوطن، فالوطن يتطلب أن تكون هناك قضايا مشتركة لبنائه، والتوجه به نحو المزيد من التنمية والتطوير، وهي قضايا لا ينبغي أن تتحول إلى قضايا شخصية أو مذهبية، وبالتالي يقبل طرف معين من هذه الطائفة أمرا ما إذا كان في صالحه وليس في صالح الطائفة الأخرى أو العكس، فوجود الوطن المشترك معناه ضرورة وجود الأجندة المشتركة والقضايا المشتركة بين الجميع، فما يؤثر على هذا المواطن من هذه الطائفة فإنه يؤثر على المواطن الآخر من الطائفة الأخرى.

ليس هناك رأي آخر في الثوابت

في القضايا المشتركة، يجب الالتفات إلى مسألة مهمة، فالرأي والرأي الآخر مسألة مهمة، ولكنها ليست على إطلاقها، ففي الثوابت ليس هناك رأي ورأي آخر، فليس من المعقول أن أطرح كإنسان مسلم مسألة تديني للرأي والرأي الآخر، ولا أطرح مسألة المطالبة بحقوق شعبي للرأي والرأي الآخر، ولا أطرح مسألة التجنيس التي فيها مضرة للجميع، وتشكل سلبية على اقتصاد البلد للرأي والرأي الآخر، فالقضايا المبدئية ليست خاضعة للرأي والرأي الآخر، وإلا ضاعت كل القضايا، وبالتالي يمكن إخضاع القضية الفلسطينية للرأي والرأي الآخر، فالأميركيون والإسرائيليون لهم رأي في القضية الفلسطينية، يختلف عما نعتقده نحن العرب والمسلمين، وهذا يعني أن مسألة الرأي والرأي الآخر هي من القضايا التي لا تتعلق بالثوابت الأساسية، وإنما تتعلق بتفريعاتها.

فيما يتعلق بالقضية الدستورية مثلا، فالمفترض ألا يكون الخلاف على أساس مصلحة الشعب من حلحلة هذه القضية، فإذا كان بإمكاني أن أحصل على 60 في المئة من الحقوق لشعب البحرين، فلا يأتي الرأي الآخر ليقول لي: اقبل بـ 20 في المئة في مقابل 60 في المئة من الحقوق، بل ينبغي أن يعمل الجميع من أجل تحصيل 60 في المئة من الحقوق، وهنا تقع المشكلة، ففي مثل هذه الأجندة التي تعد أجندة أساسية ومرتكزا مهما في المطالبة بالحقوق، والتي ينبغي أن تكون هما مشتركا للجميع، سواء من شارك أو من قاطع، إلا أننا نرى العكس، وقد كان تحركنا قبل المشاركة والمقاطعة على هذا الأساس، إذ قلنا: إننا نحمل أجندة أساسية ومشتركة، وكل القضايا الأخرى من بطالة وتمييز وتجنيس هي تفريع لهذه القضايا، فلا تستطيع حل تلك الملفات ما لم تحل هذه المشكلة الأساسية.

قد ترى أن زيادة المشاركة الشعبية في القرار مرتكز أساسي للحوار، ولكن قد يرى طرف آخر - كما هو رأي المعاودة - أن رفع مستوى المعيشة هو الأساس، فكيف تقيم هذا الاختلاف في الأولويات؟

- لقد ذكرت القضايا المشتركة في الوطن، والتي تخص مصلحة المواطن تحديدا، ثم حددت القضية الدستورية بوصفها قضية أساسية ومحورية، فإذا كان الشيخ عادل المعاودة يريد رفع مستوى المعيشة، فهذا طموحي أنا أيضا، وإذا كان يحارب التمييز فأنا أريد محاربته أيضا، ولكن إذا أردنا الإنصاف، فإن أم المشكلات هي القضية الدستورية، وهي مسألة باتت واضحة حتى داخل البرلمان، فالكثير من القضايا لم يستطع البرلمان الدفاع عنها، لأنه لم يعط حقه الطبيعي ولا الأدوات الدستورية الكافية للدفاع عنها، وبالتالي ستكون الكثير من المشكلات معلقة، فكيف ستحلها إذا كنت تبحث عن حلول جذرية لها؟ والجواب على ذلك: هو أن توجد القوانين التي تصون حق المواطن، ومراقبة السلطة التنفيذية في تنفيذها لهذه القوانين لضمان حل هذه المشكلات، وهي مسألة أساسية لا ينبغي أن نختلف عليها سواء شاركنا أم قاطعنا.

أجواء الحوار

من مرتكزات الحوار أيضا: أجواء الحوار، سواء كانت من قبل الحكومة أو من قبل الشارع، وأجواء الحوار تتطلب أن تكون الحرية للجميع في إبداء رأيهم، لا أن يحارب البعض في آرائهم، ويفسح المجال للآراء الموافقة في الصحف وفي التلفزيون للتعبير عن رأيها بكل حرية، فهذه ليست أجواء حوار، فالشيخ المعاودة تطرق إلى مسألة الشفافية، فكيف تكون هناك شفافية إذا لم تفتح أجواء الحوار، فإذا كانت الحكومة لا تفتح أجواء الحوار، وإذا تم التعامل مع المقاطعين ككيان منفصل عن الوطن والشعب، فلن تتوافر أجواء الحوار، فأجواء الحوار يفترض فيها أن تهيئ لي أجواء من الحرية للتعبير عن رأيي بقدر متكافئ من الأطراف التي اختلف معه، كما أن الأجواء الأمنية التي شهدها البلد في الآونة الأخيرة لا تخدم أجواء الحوار الحقيقي.

من مرتكزات الحوار الحقيقي أيضا، هي الشمولية في الطرح، فكما انطلقنا من وطن مشترك، فيجب أن يكون هناك قضايا مشتركة، والمفترض ألا تكون المشكلات التي يواجهها الإخوة من الطائفة السنية خاصة بهم، وإنما ينبغي أن تكون شاملة لكل المواطنين، والمشكلات التي يعاني منها الشيعي يجب ألا تخصه وحده، وإنما تكون خاصة بكل المواطنين، وبذلك تكون هناك هموم مشتركة، وما نراه أمر آخر، فقضية المعتقلين الأخيرة أُخذت في بعض جوانبها من بُعد طائفي، وكذلك قضية معتقلي غوانتنامو.

الشيخ عادل وقع رسالة إلى جلالة الملك تناشده الإفراج عن معتقلي العريضة؟

- أنا لا أتكلم عن خصوصيات وإنما أتكلم في العموم، وأقول: إن القضايا المشتركة يجب أن يكون للشيعة والسنة فيها رأي وموقف بصفتهم مواطنين، بأن يتم التعامل مع قضايا الوطن والناس فيها من منطلق شمولي، فيكون المعتقلون مواطنون أدافع عنهم في جميع الحالات.

تحديد آليات وأطراف الحوار

هناك أطراف تشير إلى مسألة الثوابت، وهناك أطراف تشير إلى التوازنات القائمة في البلد والتدرج في العملية الإصلاحية، فالبلد كانت محكومة إلى فترة غير قليلة بنسق معين من الحكم، فكيف يمكن التعاطي مع هذه القضية في دائرة الحوار؟

- عبدالعزيز أبل: أنا أريد أن أغير وجهة الموضوع قليلا. في البداية وقبل كل شيء: يجب أن نحدد الفرق بين ما نسميه حوارا وبين ما نسميه نقاشا عاما، فإذا أردنا أن نتكلم عن الحوار، فلابد من تحديد جدول أعمال الحوار، وعن ماذا نتحدث، وليس أن كل طرف يأتي بموضوع من عنده، ويقول إن هذه هي أولوياتي، فلابد من غاية معينة للحوار، ودائما يتم الحوار بين أطراف معنية بحل المشكلة بينها للوصول إلى حلول، أما إذا كان الحوار عاما، ففي نادي العروبة الناس تتناقش كثيرا، وكذلك في جمعية التربية الإسلامية وغيرهما من الملتقيات، فليس هناك جدول محدد ولا غاية محددة، ولا أطراف حوار حقيقية، وفي النهاية لا توجد نتيجة للحوار.

عندما نتحدث الآن عن الحوار الوطني في البحرين، فيجب أن تكون هناك أطراف لها مصلحة في الالتقاء والاتفاق على نقطة معينة، وتحديد آلية معينة للحوار، وتحديد الإطار الذي يتحرك فيه الحوار. فاذا كنا نريد تسمية الحوار بالحوار الوطني، فينبغي الا تكون الأطراف الاهلية هي من يتحاور فقط، فأنا وأبوعبدالرحمن (المعاودة) أخوان، وقد نختلف ونتفق ونتناقش طويلا، لكن الحوار إما أن يكون بين المعارضة والحكم، ليكون حوارا جادا بين طرفين، الكل منهما يشد ويجذب الآخر، والكل منهما له مصلحة معينة، ويريدان أن يصلا إلى هدف معين في منتصف الطريق.

هناك حوار وطني بين الجمعيات السياسية، وهنا يجب أن تتحدد أطراف الحوار أيضا، سواء كانت سبع أو عشر جمعيات، وقد يكون القاسم المشترك هو الدفاع عن الوطن ضد أي طارئ يصيبه، فإذا كان هناك حوار وطني، فهناك مشكلة يجب أن نتحاور بشأنها، وهذه المشكلة هي التي يجب على الحوار أن يحددها ويحدد آلياتها وأطرافها، ثم ماذا نريد من الحوار، ومع احترامي الشديد للإخوة المتحاورين في المتلقى التشاوري الذي تنظمه «الوسط»، فإن حوراهم هو حوار جيد، لأنه يؤسس للحوار كمبدأ، ولكنه ليس حوارا حقيقيا، لغياب طرف أساس فيه، وهو الحكم، فالمطلوب وجودهم لسماع رأيهم، وتبيان مواطن الاتفاق والاختلاف بيننا وبينهم، والوصول أخيرا إلى اتفاق في مواطن الاختلاف، أما نحن كأطراف وطنية، فليس بيدنا «مفتاح العريش» كما يقولون، ولو اتفقنا أن البحرين يجب أن تسير في هذا الاتجاه، فهناك طرف آخر مهم يجب أن يتفق معنا في هذه الرؤية، ألا وهو الحكومة.

هل تقصد الاتفاق على صوغ موقف وطني موحد؟

- كما قلت، يجب تحديد أطراف الحوار، ولأية غاية يكون الحوار، فالحوار يختلف عن التفاوض والمناقشة، وهذه مفاهيم يجب أن تحدد بوضوح لتكون هناك ثمرة للحوار، فقد نتناقش في جمعية العمل الديمقراطي أو جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، ولا ضير في هذا النقاش، ولكنه ليس حوارا بين أطراف، ولا حوارا ووطنيا يحدد مشكلة يراد الاتفاق على حلها من خلال آليات محددة، فهذا حوار فكري نظري، لكن... أن تتحاور وطنيا، فيجب التحاور على أساس وجود أطراف للحوار تشد وتجذب للوصول حل معين يرضي جميع الأطراف.

وإذا رجعنا إلى ما أشار له الأخ «مشيمع»، فالجميع يتكلم عن وجود مشكلة البطالة في البحرين، ولكنها ليست هي المشكلة الوحيدة في البحرين، فالبطالة موجودة في كل مكان ويمكن وضع الحلول إليها، وكذلك مشكلة التجنيس والتمييز وغيرها من المشكلات، ولكن ليست هي المشكلة التي عليها خلاف شديد، ومطلوب فعلا الاتفاق عليها من خلال الحوار الوطني، وهنا يتضح المقصود من الحوار وأطرافه ووسائله وغاياته أكثر.

بدأنا نعترف بالمشكلة

ماذا عن رأيك إبراهيم شريف... ما هي مرتكزات الحوار الوطني؟

- إبراهيم شريف: فلنبدأ من البداية لنحدد أن هناك مشكلة باتفاق الجميع، ففي العام 2003، كانت الحكومة تتجاهل المسألة الدستورية، وتقول إنها مشكلة المعارضة، أما الآن فقد بدأنا نتكلم عن مشكلة موجودة، فالإخوة في المجلس النيابي شاهدوا المشكلة بأم أعينهم، وهي المواد المتعلقة بالصلاحيات، سواء كانت المادة 92 من دستور 2002 الخاصة بصوغ القوانين، أو المواد الأخرى التي تقيد نشاطهم النيابي وتؤكد تدخلات الحكومة في الشأن التشريعي، وبالتالي: فالاعتراف بالمشكلة أمر مهم.

قد تكون هذه المشكلة بالنسبة لنا كمعارضة كبيرة جدا، وقد يراها الأخ بوعبدالرحمن متوسطة، فهذه قضية أخرى، ولكن المشكلة قائمة على مستوى البلد، وهناك حال استقطاب في النظر إلى هذه المشكلة، فهناك تيار يرى أن المشكلة عويصة وحادة، وهناك تيار لا يرى وجود المشكلة من الأساس، وهناك تيار «بين بين»، ما يعني أن هذه المشكلة تسببت في تأزم البلد، ويجب حلها.

قد تعتبر المسألة الدستورية مشكلة عند الجانب الرسمي، لكنه يعتبرها حالا من حالات الديمقراطية، وقد تتطور في المستقبل إلى الأفضل...

- إذا كانت المسألة الدستورية عند الجانب الرسمي لا تمثل مشكلة، فهي بالتالي لا تحتاج إلى التصعيد الذي شهدناه في الفترة الأخيرة، فهذا أمر يمكن القياس عليه بالنسبة إلى الجانب الرسمي، وما إذا كانت المسألة الدستورية مشكلة لديه أم لا، فالجانب الرسمي لفترة طويلة كان «مطنش» المعارضة، وخلال فترة الأشهر الأربعة الأخيرة منذ بداية المؤتمر الدستوري، ما عاد الجانب الرسمي «يطنش» أو يتجاهل المعارضة، فالأشهر الأربعة الماضية كانت أربعة أشهر ساخنة بمعنى الكلمة، كما أن الجانب الرسمي في السنة من عمر المجلس ما كان مهتما بما تقوله المعارضة، ولكن منذ بداية السنة الجديدة وجدنا تغيرا في خطاب الجانب الرسمي، فالجانب الرسمي يعترف بوجود مشكلة، لأن تصرفاته تدل على أنه يتعامل مع مشكلة تواجهه، ولا يهمني «المناشيتات» التي تشير إلى أن المشكلة لدى المعارضة، وليس لدى الحكم مشكلة، لكن على صعيد البلد، هناك إدراك لوجود هذه المشكلة.

احترام قواعد اللعبة الديمقراطية

أما على صعيد الحوار، فيجب أن يعترف كل طرف من أطراف الحوار بالآخر، ويجب أن يمارس كل طرف الممارسات التي تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، بمعنى أنني قد أكون خارج السلطة وأعاقب على أي خطأ ارتكبته بحسب وجهة النظر الرسمية، ولكن هناك مجموعة قواعد للعبة الديمقراطية لا يجوز للحكم أن يتجاوزها، فلا يجوز للحكم أن يأخذ «رهائن» لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ويحتجزهم بتهم كتغيير نظام الحكم بطريقة غير مشروعة، على خلفية جمع توقيعات العريضة الدستورية، فهذا خلاف قواعد اللعبة الديمقراطية، فاللعبة الديمقراطية تقتضي من جميع الأطراف الالتزام بقواعدها، وهذا ينطبق على المعارضة أيضا إذا مارست العنف كما ينطبق على الحكومة، ومثل ذلك استخدام القضاء بشكل غير عادل، فهو من الأسلحة المحرمة في أي مجتمع يبدأ خطواته الديمقراطية.

ما أثار انتباهنا في قضية معتقلي العريضة الدستورية أننا غير متساوين أمام القانون، فقد وجدنا أنفسنا أمام نيابة عامة تتصرف وكأنها حكومة عندها مواقف سياسية وليست قانونية، إذ يقولون لك: إذا أردت الإفراج عن المعتقلين فاذهب للتفاهم مع الحكم أولا، والسؤال: هل النيابة العامة تتكلم في السياسة أم في القانون؟ وهذا يفتح المجال للقول: إننا لسنا متساويين أمام القانون، في حين أن الحوار يقتضي أن تكون جميع الأطراف متساوية أمام القانون.

ثوابت الحوار في الميثاق والدستور

أما عن ثوابت الحوار، فقد امضينا في جلسة «الوسط» في 10 ابريل / نيسان حوالي خمس ساعات للحديث عن ثوابت الحوار، ثم وجدنا أن الثوابت موجودة في الدستور وميثاق العمل الوطني، فلم نناقش أي شيء لم يكن موجودا في الدستور أو الميثاق، وحين الحديث عن الثوابت، وجدنا أن البعض يضع هذه الأولوية، والبعض الآخر يضع أولوية أخرى، ولكن في النهاية وجدنا أن الثوابت مقررة في الميثاق والدستور، ومع ذلك يتم تسمية الجلسة الأولى بأنها جلسة لكسر الجمود، نتيجة عدم الحوار السياسي، وهذا يتطلب النقاش في البديهيات والثوابت المقررة ليكون واضحا عند البعض أننا غير مختلفين عليها في القواعد الأساسية.

وفي قضية الحوار الوطني أيضا، يجب على الدولة ألا تستخدم أدواتها، بل يجب أن تكون حيادية، وهنا الدولة تختلف عن السلطة أو الحكم، لأن الدولة جزء من الحكم، ولكننا نجد أن هناك هجوما شرسا من الصحافة المحلية على المعارضة، وتشويه سمعتها كما حصل في قضية «الكوبونات». كما أن المعارضة محرم عليها تلفزيون البحرين، حتى في القناة الإنجليزية لا نخرج على الشاشة بعد أن كانت هذه الميزة متوافرة لدى المعارضة، وبالتالي: فنحن بحاجة إلى بيئة صحية للحوار الوطني، ويمكن القول إنه منذ بداية شهر ابريل/ نيسان الماضي حتى نهايته، بدأنا نخلق حوارا وطنيا من خلال حوار «الوسط» (مابين 10 ابريل و 9 مايو / ايار) في محاولة لخلق بيئة حوار جديدة، فليس من المعقول أننا في بلد واحد، ولا نجلس على طاولة واحدة، ونتناقش في أمور نكتشف بعد ذلك أننا قريبون من بعضنا فيها، لكن الحكومة سممت هذه البيئة في قضية المعتقلين الأخيرة، فليس من المعقول استخدام أسوأ المواد في قانون العقوبات لتطبيقها على شخص يجمع توقيعات على عريضة.

كلنا أبناء وطن واحد

عبدالحسن بوحسين... أنت عضو في مجلس الشورى، وهنا تجلس أمامك أطراف معارضة، وأطراف نيابية تمثل قطاعات من الشعب، وكمشارك في الحوار الوطني الذي نظمته «الوسط»، ما هي مرتكزات الحوار الوطني بالنسبة إليك؟ وكيف تطل على حال الحوار من موقعك في مجلس الشورى؟

- عبدالحسن بوحسين: نحن كمعارضة وحكومة وشورى ونواب كلنا أبناء وطن واحد، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، وأهدافنا حين نتكلم عنها أهداف واحدة، فكلنا نريد لهذا الوطن الأمن والاستقرار، وكلنا نريد للمواطن العزة والكرامة، ولكن قد نختلف في الآلية، وفي اعتقادي أن المسألة الدستورية مهمة، ولكن الموضوع ليس أسود بالكامل أو أبيض بالكامل، فأنا لا استطيع أن ألغي ما قاله الإخوة لأقول: إن المسألة الدستورية ليست مهمة، فهي مهمة جدا، ولكن الملفات العالقة مهمة جدا، فإذا سألتني عن تجربتنا في الشورى، ألا تحتاج هذه التجربة إلى تطوير وتعديل؟ فسأقول لك: إن هذه التجربة تحتاج إلى تطوير وتعديل، ولكن ما هي الآلية؟ فالتجربة في السنتين الماضيتين أثبتت حاجة التجربة إلى التطوير والتعديل، وجلالة الملك في أكثر من مناسبة قال: إن هذه التجربة في طور البناء، ولسنا في نهاية المطاف، بل يجب أن نستمر في ممارسة الديمقراطية، فهي ليست وصفة جاهزة، وإنما تحتاج إلى وعي كامل بالتجربة. في اعتقادي، أن فصل المسألة الدستورية عن معالجة الملفات الأخرى التي يعاني منها المواطن ليس صحيحا، والتركيز على جوانب وإهمال الجوانب الأخرى ليس صحيحا أيضا، نحن في حاجة إلى إبداء الكثير من المرونة للوصول إلى نقطة التوافق، فأي حوار ما بين أي طرف، يجب أن يكون فيه اتفاق على نقطة يتم التوافق عليها، فأي طرف ليس لديه الاستعداد إلى نقطة التوافق سيبقى عديم الفائدة.

دعني أثير مسألة... أنت هنا أمام مجموعة أطياف في هذا الحوار، فهناك طيف يرى نزع الصلاحيات التشريعية من مجلس الشورى وقصرها على المجلس المنتخب، ويشاركه في هذا التوجه طيف داخل المجلس النيابي، وهناك أطراف تدعو إلى تقليص عدد مجلس الشورى إلى 30 أو 20 مع رفع أعضاء مجلس النواب إلى 60 عضوا، فأنت إذا حلقة مستهدفة، فكيف تمارس الحوار مع هذه الأطراف كلها؟ وكيف تتعاطى مع المسألة الدستورية في ظل هذه الآراء؟

- هذه اجتهادات مشروعة، فلكل إنسان الحق في إبداء رأيه، وأنا كطرف في الحوار لا ألغي حق غيري في إبداء رأيه، فله الحق أن يبدي رأيه وأن يجتهد، لكن علينا جميعا أن نتفق على الآلية الأسلم للبلد، هل التدرج أفضل، أم نذهب إلى إلغاء الشورى؟ وهل نحن الآن في مرحلة تسمح باتخاذ هذه الخطوة، أو مهيئين نفسيا لاتخاذها؟ وهل هناك حاجة إلى إجراء تعديلات في اللائحة الداخلية لكلا الغرفتين، فأنا أتفق مع الإخوة في مجلس النواب في رفض فرض الحكومة آراءها على مجلس النواب في تعديل لائحتهم الداخلية وفق الرؤية التي تراها دائرة الشئون القانونية، وكذلك نحن سنعاني من تدخل الحكومة في لائحتنا الداخلية، وفي قناعتي أن هذا الموقف غير صحيح من الحكومة، بل يجب تقوية السلطة التشريعية، وعلى الحكومة أن تتيح لأعضاء مجلسي الشورى والنواب أن يقووا وضعهم لخدمة الوطن والمواطن، ويكونوا شركاء مع الحكومة يدا بيد في تنمية البلد. ليست المسألة أنني أستطيع لي ذراع من أتحاور معه، فعلم التحاور كما يدرس في الجامعات، يقضي بألا تلوي ذراع خصمك إلى الدرجة التي تقضي فيه عليه، بل يجب عليك أن تعطيه مجالا للحياة والمعيشة والبقاء لتكون المنافسة بينك وبينه قائمة، ومن آلية المنافسة تتطور الأمور، وحتى على مستوى المنافسة في الشركات العملاقة في الغرب، فهناك مبدأ يدعو إلى عدم قضاء الشركات العملاقة على بعضها بعضا لأن ذلك يخرب الاقتصاد، فعلينا حينما نتحاور، ألا نلغي بعضنا بعضا، بأن يلغي الشورى مجلس النواب، أو تلغي المعارضة الشورى، بل يجب علينا أن نفكر دائما في نقطة التوافق

العدد 624 - الجمعة 21 مايو 2004م الموافق 01 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً