العدد 627 - الإثنين 24 مايو 2004م الموافق 04 ربيع الثاني 1425هـ

القرارات العربية... وموازين القوى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيدا عن قرارات «البيان» الذي اختتمت به القمة العربية أعمالها في تونس يبقى السؤال: كيف يمكن نقل «البيان» من الكلام إلى التنفيذ؟ قادة الدول المشاركة قالوا إنهم أقسموا اليمين على الالتزام بقرارات البيان. قَسَمُ اليمين ليس كافيا للاطمئنان على أن القرارات سيعمل بها او تنفذ. فالمشكلة ليست في القَسَم او الالتزام المبدئي وانما في الامكانات والاستعداد للتضحية من أجل حماية «الحد الأدنى» الذي اتفق على صيانته حتى لا تهدر الطاقات وما تبقى من وحدة تجمع الإخوة والأشقاء.

المشكلة ليست في «الحد الأدنى» و«الحد الأقصى» فهذه معايير نسبية يمكن ان ترتفع مرة وتهبط مرة أخرى. المشكلة أن موازين القوى العربية لم تعد في وضع يسمح لها بتحقيق «الحد الأدنى» او «الحد الأقصى». فالحد الأدنى يتطلب نسبة معينة (مرتفعة على الأرجح) لتحقيقه. وأحيانا يحتاج الأدنى نسبة من الإمكانات والقدرات والتنسيق والتنظيم والمتابعة لا يقل عما يحتاجه الأقصى. فالمسألة ليست في تواضع البرنامج (البيان) وانما في نسبة الاستعداد للعمل من أجل تنفيذ ما اتفق عليه. فالتنفيذ هو جوهر المشكلة وإذا نجح الإجماع العربي في تحقيق «الحد الأدنى» يكون بدأ يخطو الخطوة الأولى في طريق «الألف ميل». ومن ينجح في حماية الأدنى والدفاع عنه يمكن أن يطور إمكاناته وقدراته للمطالبة بالأقصى. فالموضوع له صلة أساسا بموازين القوى وليس بلغة البيان وقرارات القمة.

حتى الآن تبدو المسألة سيان سواء طالبت القمة بالحد الأقصى أو بالحد الأدنى. ومادامت المسألة واحدة فلماذا تتراجع الدول العربية عن حقوقها التي يضمنها لها «القانون الدولي»؟ فالقانون الدولي يعطي الدول العربية أكثر بكثير مما تطالب به ومع ذلك فهي غير قادرة على كسب المعترف به في قرارات مجلس الأمن فكيف تستطيع ان تحصل «الحد الأدنى» الذي يصدر عن اجتماعات القمة العربية. فاجتماعات القمة العربية غير معترف بها وهي في مجموع قراراتها وصلت إلى نسبة من الحد الأدنى أقل من تلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن المعترف بشرعيتها القانونية دوليا.

المسألة محيرة وتبعث على الدهشة. فالدول العربية تراجعت الى ما دون السقف الدولي وهي مع ذلك غير قادرة على تنظيم إجماع يلبي الحد الأدنى من المطالب وينقذ الشعب الفلسطيني من كارثة جديدة لا تقل عن نكبة 1948 أو هزيمة 1967.

المشكلة إذا لها صلة بالضعف العربي العام على رغم أن الدول نجحت في إعادة تأكيد التزامها بالثوابت وتسجيل نقاط ترسم حدود التنازل. وعدم المزيد من التنازل يعكس في منطق موازين القوى حالات من الممانعة العربية.

هذا التعقيد في المواقف السياسية يتطلب قراءة تحليلية للوضع العربي العام. ويمكن تصورها ضمن المعادلة المنطقية الآتية: هناك أولا موازين قوى وهناك ثانيا حقوق شرعية. وهناك ثالثا قرارات دولية وهناك رابعا قرارات عربية. من ناحية القرارات باتت المطالب العربية أقل مما تعطيه القوانين الدولية من حد أدنى. ومن ناحية موازين القوى فان المطالب العربية على قلتها وضعفها وتراجعها قياسا بالشرعية الدولية وما اقرته من حقوق للشعب الفلسطيني تعتبر أعلى من قدرات وامكانات الدول العربية. فمن جهة الموازين يسجل لمصلحتها اصرارها على «الممانعة». ومجرد أن تعيد الدول العربية التذكير بالحد الأدنى من ثوابتها يعتبر نقطة مضيئة في ظل تراجعها العام وضعفها على مستوى موازين القوى. فالموازين ليست لصالح الدول العربية ولكن الشرعية الدولية لاتزال تعمل لمصلحتها وهذه نقطة قوية تؤكد الممانعة على رغم الضعف العربي.

المشكلة معقدة منطقيّا ولكنها واضحة سياسيّا. فالجامعة العربية كما قال أمينها العام عمرو موسى لا تتحمل المسئولية لأنها في النهاية تعكس الوضع العربي، فكما تكون الدول العربية تكون الجامعة. فالجامعة هيئة لكنها وبسبب ميثاقها ونظامها الداخلي تحولت إلى منبر للخطابات وليس إلى جهاز إداري يستوعب المشكلات ويحدد آليات حلها ضمن الأفق العام وهو تطوير العلاقات ورفعها من إطار الاخوة الافقي (التحالف القبلي) إلى اطار المصالح العمودية (اتحاد الدول). فالجامعة أشبه بحلف للقبائل العربية وليست اتحادا للدول العربية. وستبقى مشلولة وعاجزة مادامت الاقطار العربية لم تتطور إلى مرحلة الدولة. فالدولة شرط من شروط التطور العربي وهذا لا يبدأ بالجامعة وانما ينتهي بها. وحين تتطور الدول العربية كأقطار يمكن أن تتطور الجامعة وتتحول من دائرة الحلف إلى هيئة اتحادية تتخذ القرارات وتنظمها وتنفذها وفق آليات واضحة وخطوات محددة ومشتركة.

حين تصل الدول العربية إلى مرتبة الاتحاد يصبح بإمكانها نقل بياناتها من الكلام إلى الفعل سواء كانت لغة الفقرات تتحدث عن الحد الأدنى او الحد الأقصى. فهذه كلها معايير نسبية وشرطها أو رافعتها التاريخية هي الإمكانات والقدرات والاستعدادات، وكلها تعني عمليّا موازين قوى. فالموازين ترسم حدود الحقوق وليس قَسَمَ اليمين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 627 - الإثنين 24 مايو 2004م الموافق 04 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً