العدد 634 - الإثنين 31 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الثاني 1425هـ

تركيا... وأوروبا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اعلان حزب كردي استئناف العمليات العسكرية ضد حكومة انقرة المنتخبة يؤكد مسألتين: الأولى ان الحرب (كفاح مسلح) مستأنفة وليست جديدة. فهي انتظرت الظروف المناسبة لاعلان تجديدها في وقت تبدو المنطقة المحيطة مهددة بعدم الاستقرار الأمني. والثانية ان مفهوم الديمقراطية (الانتخاب الشعبي) الذي يفترض احترام قواعد اللعبة السياسية وتنظيم العلاقات بين الغالبية والأقلية لايزال عرضة للاختراقات والتجاوزات. فالمفهوم كما يبدو لايزال عند الجماعات والهويات المختلفة مجرد فكرة غامضة لم تتحول إلى سياسة تنظم علاقات القوى وتضبطها في اطار المصالح المتوازنة والاحترام المتبادل.

الفكرة الديمقراطية (تداول السلطة) لاتزال ضعيفة في المنطقة العربية (وتركيا ايضا) سواء على مستوى المعارضة أو الدولة. فهي دائما معرضة للاهتزاز أو الانقلاب عليها من جهة السلطة أو المعارضة السياسية. والمعارضة بدورها في معظم بلدان العالم العربي - الاسلامي لاتزال بعيدة عن السياسة في معناها البرنامجي. فالمعارضة هي أقرب إلى التجمع المناطقي أو المذهبي أو الطائفي أو العرقي. وفي تركيا تبدو المعارضة أشبه بحركة اقوامية (قومية) تطرح شعارات تربك الدولة وتجعل السلطة متخوفة من الانشقاق الاهلي والانفصال السياسي - الجغرافي. وتركيا من الامثلة النموذجية التي يمكن اتخاذها للتأكيد على خطورة تداخل السياسة بالتجمع الاهلي الذي يدفع التعارض نحو التصادم من دون اكتراث للانتخاب الشعبي والاحتكام إلى الصناديق لتداول السلطة.

المثال التركي يمكن اتخاذه كاتجاه عام للدلالة على وجود خلل بنيوي في طبيعة السلطة وتركيبة الدولة الحديثة. فالدولة في العالمين العربي والاسلامي تختلف في تكوينها التاريخي عن تلك القائمة في أوروبا مثلا. ففي أوروبا تقوم الدولة الحديثة على قاعدة اجتماعية شبه متجانسة قوميا ودينيا وأحيانا متجانسة على المستوى المذهبي الأمر الذي ساعدها على تثبيت نوع من الاستقرار السياسي والتفاهم على صيغة تداولية للسلطة. بينما نجد في تركيا وفي غالبية بلدان العالم العربي - الاسلامي ان الدولة الحديثة غير متجانسة وتعاني دائما من خلل في بنيتها الاجتماعية الأمر الذي يعطل كثيرا الاستقرار ويمنع قيام معارضة مستعدة للتفاهم على صيغة تداولية للسطلة من دون تهديد أمن الدولة ووحدتها وسيادتها.

المثال التركي مهم في هذا السياق. فالحكومة الحالية انتخبت على أساس البرنامج الاصلاحي السياسي (الاسلامي) الذي لا يفرق بين الجماعات الاهلية في البلاد. وحققت حكومة الشباب سلسلة انجازات اقتصادية في فترة قياسية غير مسبوقة. فالتقرير الأخير لصندوق النقد الدولي وضع تركيا في مصاف الدول التي حققت تقدما على صعيد الانتاج العالمي. وبرأي التقرير احتلت تركيا المرتبة 22 في العالم بعد ان كانت في المرتبة 25 قبل سنة فقط، فبلغ ناتجها القومي في العام 2003 نحو 239,8 مليار دولار، مرتفعا في سنة واحدة بنسبة 29,8 في المئة. وبذلك تخطت تركيا اقتصادات دول أوروبية مهمة مثل النروج وأوكرانيا والدنمارك واليونان ورومانيا وفنلندا وبلغاريا وبولندا. وبسبب هذا النمو غير المسبوق رجح التقرير ارتفاع متوسط دخل الفرد السنوي إلى نحو 5 آلاف دولار وهذه درجة عالية في بلد يبلغ تعداده السكاني حوالي 70 مليون نسمة.

ليس هذا فقط بل رجح تقرير «صندوق النقد الدولي» ان الدخل القومي لتركيا سيرتفع مجددا في العام الجاري ليصل إلى 307,3 مليارات دولار، ويرجح ايضا انه سيواصل ارتفاعه في العام 2005 ليصل إلى 328,2 مليار دولار رافعا بذلك متوسط دخل الفرد في السنوات المقبلة.

ماذا تدل هذه الأرقام؟ انها أولا تؤكد على أهمية ثقة الناس بالحكومة ودور الأخيرة في ضبط النفقات وتحسين الاستثمارات والحد من الفساد والاختلاس. وتدل ثانيا على أهمية الاستقرار السياسي القائم على شرعية انتخابية (تداولية) تعطي فرصة لدورة المال لتسهم في دفع عجلة الاقتصاد نحو النمو والتقدم. وأهم من ذلك انها تشير إلى موقع تركيا في المنظومة السياسية الأوروبية الأمر الذي يسقط من الاتحاد الأوروبي كل الذرائع الاقتصادية والسياسية التي تحججت بها دول أوروبا لمنع تركيا من دخول السوق المشتركة.

وحتى لا تستخدم حكومة انقرة كل هذا التقدم الذي حققته للضغط على أوروبا اخذ الاتحاد يفتح تلك الأبواب القديمة (قبرص أحيانا، ومشكلة الاقلية الكردية أحيانا أخرى) للرد السلبي على الطلب التركي. تركيا الآن توافقت على حل مشكلة قبرص ونجحت حكومتها في تحقيق التقدم الاقتصادي المطلوب وتنتظر الآن انعقاد قمة الحلف الاطلسي في اسطنبول في 28 و29 يونيو/حزيران الجاري للاعلان عن جاهزيتها للانضمام إلى الاتحاد... الا ان مفاجأة غير منتظرة تلقتها على الانترنت من ألمانيا وهي اعلان تنظيم كردي سقوط الهدنة والعودة للكفاح المسلح ردا على ما ذكره من وجود «حملة ابادة». فالرسالة واضحة في توقيتها وهي لا مكان لدولة مسلمة تضطهد شعبها في الاتحاد الأوروبي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 634 - الإثنين 31 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً