العدد 646 - السبت 12 يونيو 2004م الموافق 23 ربيع الثاني 1425هـ

العراق... الضائع بين هواجس الأنظمة وأطماع المحتلين

سامي عباس منصور comments [at] alwasatnews.com

هكذا أريد للعراق أن يكون الحدث الأبرز على الساحة الإعلامية الدولية، حتى بتنا أكثر من المحللين دراية بالشأن العراقي بكل تعقيداته وتداخلاته، أو هكذا أراد لنا الإعلام العربي والغربي على السواء الانشغال بالهمِّ العراقي وصارت الفضائيات العربية تتنافس تنافسا محموما لكشف انتهاكات الاحتلال وفظائعه وكأننا كنا ننتظر من المحتل الرحمة والشفقة بالشعب العراقي. هل ترى كان هذا التوجيه للقضية متعمدا؟ ولماذا سوء الظن هذا؟ أليس في فضح معايب الاحتلال وسوءاته نصرة للقضية العراقية ويصب في مصلحة العراقيين؟ أليس من الأمانة الإعلامية كشف زيف الشعارات الأميركية بالإصلاح والديمقراطية؟

كل ذلك لا جدال فيه، نعم الاحتلال بغيض وقبيح والإدارة الأميركية وحلفاؤها لم يأتوا من أجل سواد عيون العراقيين بل من أجل النفط وتوسيع الهيمنة الأميركية في العالم. كل هذا الكلام ليس جديدا فنحن نسمعه ونقرأه مئات المرات في اليوم والليلة، ولكن السؤال يطرح نفسه: أليست الصورة بهذه الطريقة تكون ناقصة؟ أليس النص هنا مبتورا؟ أين الحديث في الإعلام العربي وغيره عن صدام وجرائمه؟ أين الحديث عن مدى هشاشة الأنظمة العربية؟! وهي النتيجة التي توصل إليها كل عربي حين رأى تمثال القائد الصنم يهوي على الأرض، لماذا اختفى من إعلامنا العربي ومن أعمدة صحافيينا المخضرمين اللامعين أي ذكرٍ لفساد الأنظمة العربية؟! بل إن بعضهم انبرى لكشف الخفايا وإماطة اللثام عن الأسرار التي يقف خلفها مشروع الشرق الأوسط الكبير! هنيئا لصحافتنا هذا الفتح المبين، وتحية لساستنا الذين نبهونا لخطر المخطط الأميركي الشرير!

أية مهزلةٍ أكبر من هذه عندما يتحول الجلاد إلى ضحية ويرفعك سلاحا ليقاتل به أعداء الوطن وأعداء الأمة؟!

إنني لن آتي بشيء جديد هنا، كلنا يعلم أن الأنظمة العربية ليس من مصلحتها إقامة ديمقراطية حقيقية في المنطقة، وهي في استماتة لمنع حدوث هذا في العراق ولا عجب أن يركز إعلامنا العربي ويسخّر كل منابره وإمكاناته للتركيز على جانب واحد من القضية، ويحاول اللعب على أوتار الطائفية والمذهبية والعرقية في سبيل تشويه الحقيقة التي تجلت يوم سقوط الطاغية.

إن هناك أنظمة في المنطقة ترى في بروز العراق مرة أخرى قوة اقتصادية ونموذجا ديمقراطيا ومجتمعا فاعلا منتجا وصرحا ثقافيا وحضاريا أمرا يهدد كيانها، وهي التي تربعت على عرش الديمقراطية «العربية» المزعومة دهرا. هذه الأنظمة ترى في عودة العراق القوي فضحا لأقنعتها الزائفة، لذلك فهي تعمل جاهدة للحيلولة دون حدوث ذلك، بل حتى هذه الحركات المتطرفة التي تنهش في جسم العراقيين وتستهدف الأبرياء انما هي أيادٍ تحاول إعاقة المسيرة العراقية وإضاعة بوصلتها، وليس في هذه القراءة أية تبرئة لنوايا السياسة الأميركية وأطماعها في ثروة العراق وخيراته، ولكن علينا أن ننظر إلى الأمر من الجهة التي دائما ما أريد لنا أن نغض النظر عنها، السؤال الأهم: ماذا يعني أن يكون العراق ديمقراطيا؟

وإذا ما كان للأنظمة العربية هاجسها ومخاوفها، وللحركات المتطرفة أحقادها ونعراتها الضيقة فأي عذر للحركات والأحزاب العربية التي طالما رفعت شعار التغيير والديمقراطية عندما توجه كل جهودها وتحشد كل طاقتها ضد عدو واحد من دون أن تلتفت إلى أعداء ربما أشد خطرا علينا من السياسة الأميركية؟ فهل قضية ومأساة العراق هي احتلال فقط؟ إن العراق كإنسان أولا وأرض وتاريخ وثقافة وحضارة وفن وفكر وأدب وكل المفردات التي يختزنها العراق في قاموس الوجدان العربي، العراق بكل مفرداته يواجه وحيدا مؤامرة كبرى بين أنظمة إقليمية حاقدة وأطماع دولية، وتياراتٍ متخلفة وتخبط من الداخل، فأين هي المنظمات العربية والأحزاب الوطنية من هذه المرحلة؟!

إن ما يؤسف له أن الشعوب العربية في هذه اللحظة من التاريخ لم تسبق حكامها كما كان يروج له إعلامنا المعظم، فقد أخذ كل زعيم عربي يحاول تلميع حكمه، وبات بعضهم يلعب على الحبلين، كما نقول يد تحرض الناس وتقودهم للتنديد بالاحتلال والاحتجاج على جرائمه وتشغلهم في تحليل وتفكيك وتفسير معنى الاحتلال على شاكلة جدلية «مخلوق أم حادث»، ويدٌ أخرى تسترضي الأميركيين وتعمل على تقديم التنازلات الكبرى وتصبح يد أميركا الضاربة على أية حركة إسلامية أو وطنية تشم منها رائحة الدعم للقضية الفلسطينية والقضايا الكبرى مستغلين خلط الأوراق والمفاهيم وغياب أي حضور للجماهير العربية التي رأت في الصمت أفضل وسيلة للبقاء!

لا أدري هل كان مقدرا للعراق أن يبقى وحيدا هكذا أسوة بسيده الحسين. وحيدا أمام كل هذه الجموع التي ألفها على رغم تشتت «قلوبها». هدف واحد ألا يرى العدل في صورته الآدمية وألا تفضح القداسة الزائفة لتنظيرات المدينة الفاضلة والشعارات الطوباوية قومية ودينية، وألا تنكشف تصدعات الاستبداد بمختلف أشكاله في العالم العربي. شاء القدر أن يُقتل العراقُ كما الحسين مرتين، مرة على يد مناوئيه ومرة على يد محبيه. ليقتل مرة جسدا ويقتل مرة أخرى فكرا وروحا ومعنى.

أخيرا هذه قراءة لا أدعيها... المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل هي محاولة لقراءة ما بين السطور التي يلقننا إعلامنا العربي بها كل صباح ومساء.

كاتب بحريني

العدد 646 - السبت 12 يونيو 2004م الموافق 23 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً