العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ

مصلحة الوطن فوق عبث المجانين!

«فليصمت المجنون»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من مهازل الزمان أنه حتى كتابة المجانين أصبحت تتم بـ «الواسطة» في هذه الحقبة من التاريخ! إذا أراد مهووسٌ أن يكتب فعليه أن «يوسّط» نائحا هنا ونادبة هناك، ليكتبا مقالين يكونان شفيعه ومفتاحه إلى قلب رئيس التحرير! هكذا تجري الأمور في هذا الزمن الأغبر، فالواسطة تفتح الدرب المغلق حتى أمام الثعابين، لنشر الفحيح وتوزيع بذور الأحقاد والضغائن في ذلك العمود الأسود.

والحديث عن المجانين ليس حديثا شخصيا عابرا، إنما هو مواجهة مع عقلية خطيرة تهدّد الأمن الاجتماعي والسلم الوطني، حين يتم العبث بما تسالم عليه أبناء الوطن عندما اعتبروا الوحدة من أهم المقدسات الوطنية وخطا أحمر لا ينبغي لأحدٍ تجاوزه. وتتجلى خطورة هذه العقلية المريضة فيما أفرزته من نتائج مرّة في بعض الساحات العربية والإسلامية، انظروا إلى لبنان وأفغانستان وباكستان و... نتمنى ألاّ تفلح هذه العقلية في جرجرة العراق إلى هذه المذابح الحمراء.

شخصيا لا تربطنا بالمجانين أية علاقة من أي نوع والحمد لله، فنحن لا نعرفهم ولم نلقاهم في حياتنا قط، لكيلا يأخذ الحديث منحى ذاتيا، وإنما يسوؤنا أن تطل هذه النفسية الشوفينية برأسها مثل رؤوس الشياطين، فتفرز المهاترات والهلوسات في إحدى «الجرايد» التي تبحث عن قارئ لا تحترمه وترقيه، بمقدار ما ترضيه بما تسوّقه من حقنٍ طائفيةٍ قصيرة النظر.

وفي الوقت الذي نريد أن نؤسّس إلى ثقافةٍ وطنيةٍ تحترم الإنسان وتعلي من قيمته وكرامته بعد عقود من التجاوزات والخروقات لحقوق الناس، نرى هذا الاتجاه الأجرب يوغل في إثارة الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، ويقيم الأسوار والحواجز بين أبناء الدين الواحد، ويعطي نفسه صلاحية تصنيف الناس إلى «كفار» و«مسلمين»، وينصّب نفسه ناطقا رسميا ووحيدا باسم الله، و«حاكما عسكريا» للدين الحنيف الذي أنزله الله رحمة للعالمين. وطبعا الإسلام لا يتجاوز حدود «طائفته»، وبقية طوائف المسلمين الـ 72 هالكة! الجنة التي عرضها السماوات والأرض أعدّها الله له ولأفراد قبيلته ولجماعته التي تحمل أفكاره فقط، أما الشعوب التي تملأ الخافقين فإذا استطعت أن تقتلهم فلك الأجر العظيم! ألا تذكّركم هذه العقلية ببائعي صكوك الغفران في أوروبا عصر الظلمات، يوم كان القساوسة يبيعون لأتباع كنائسهم قطعا من الجنة في السماء؟

الفئران الشوفينية

هذه العقلية الخطيرة المدمّرة للحياة، تبدأ بالأفكار المملوءة غرورا وشوفينية، لتنتهي باستسهال سفك دماء المسلمين وتسترسل في فنون قطع الرقاب وبقر البطون.

إذا خرج عن هذا الإطار الخانق ضاع كالفأر المسموم، وهل يلام الصعلوك لأنه لا يعيش إلاّ على العزف على أوتار القبائل والطوائف والجاهليات، متخصّص بدرجة امتياز في «الطائفيات»؟. قناة تلفزيونية نظيفة، رفعت اسم العرب والمسلمين بين كل هذا الغثاء العربي الضائع في الفضاء، تصدّى لها بحقده حتى «شُفّرت»، ولو كان الأمر بيده لأرسل العسس والجواسيس ليترصدوا مشاهديها ليرسل إليهم من يقطّع رقابهم! حقدٌ أسود لم نشهد مثله في تاريخ المجانين! حتى «أتيلا» القادم من بلدان الصقيع.

وإذا كان هذا هو حال المجنون، فما بال المنبر الذي يفتح له أبوابه، وخصوصا انه المنبر الذي تجاوز كل حدود المهنية والحرفية حين نشر مانشيتا سوقيا في إحدى صرعاته: «فليصمت مرهون»! مع ان مرهون نائب له حصانته، عبّر عن رأيه الصريح بحريةٍ تحت قبة البرلمان، إحكاما للإدانة وتهديدا برفع الحصانة إيذانا بدخول السجون التي يعشقونها! بينما يفتح الباب واسعا لكل ذلك الفحيح الطائفي البغيض.

تأكدوا ان نحر الإنسان يبدأ عندما تنحر حريته في التعبير. ودم البشر يصبح أرخص من دم البعوض عندما تسفك كرامته. وإعدامه بالرصاص انما يبدأ لحظة إنكار حقه في الوجود الذي منحه الله له. وهذه هي خطورة العبث الطائفي في ذلك العمود الأسود. نقول عبثا وشاهدنا القارئ البحريني الواعي، الذي لا يجد تفسيرا للتناقضات الكاريكاتورية، يوما يرفع لافتة ضد تجنيس «بدو الشام»، ويوما يدافع عن عروبتهم. مرة يطالب بالمساواة في توظيف جميع الطوائف في الداخلية، وفي اليوم التالي يسحب «اعترافه» بعروبة سبعين في المئة من الشعب، ويخرجهم من حظيرة الإسلام، وعلى القارئ أن يصدّق بآخر أنبياء القرن الحادي والعشرين، الذي يعتبر نفسه المدافع عن الثغور في فلسطين والعراق وأفغانستان وهو مستلقٍ على قفاه يشاهد برنامج «الأخ الأكبر»!.

إن من يسمح بالعبث بالوحدة الوطنية ويتلاعب بالوضع العام، لا يحقّ له بعد اليوم المطالبة بمواثيق الشرف، ومن يفتح الباب لهذه الرياح الهوجاء عليه أن يتحمل جميع النتائج، فالمسألة لا تحتمل لعبة «المدفع الدوّار»، فإذا سقطت قذيفة على غريمك، فسرعان ما تسقط في حماك

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً