العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ

المدني: العربية عنصر ربط بالدين

في محاضرة بالمنتدى حول التأثيرات المتبادلة للغات

التداخل والتجانس ما بين الحضارات والثقافات لم يكن له أن يبدأ بشيء قبل أن يبدأ بكسر حاجز اللغة، وهي الإطار الذي شكلته لنفسها كل أمة بهدف تعيين أسلوب تعايشها مع بعضها وتفاهمها وحل نزاعاتها وقضاياها.

هذا الأمر الذي بدأ منذ مئات السنين بدأ فجأة يتلاشى من كونه خصوصية هذه المجموعات، وذلك بسبب بدء مراحل السفر واكتشاف العوالم الجديدة وعادات الشعوب وما وصلوا إليه من علوم واكتشافات.

وبالنسبة لشخص يرتحل إلى مكان جديد، فإنه بلا شك يحمل معه إرثه الخاص من العلوم والأفكار والمسميات للأشياء التي يدركها، إلى جانب جزء آخر مجهول يراه للمرة الأولى، وهو ما دفعه لأن يطلق مسمياته على ما يعرفه شكلا، فيقتبس منه أهل البلد هذا المسمى، أو أن يحمل معه إلى بلاده تلك المسميات التي رئاها وعرفها لأول مرة.

وكانت جمعية المنتدى قد أقامت ندوة الأسبوع الماضي حول «التأثيرات المتبادلة ما بين اللغة العربية واللغة الهندية ولغات أخرى»، قدمها الباحث والمحاضر الأكاديمي المتخصص في الشئون الآسيوية عبدالله المدني بمقر الجمعية في العدلية، والذي تحدث عن امتداد رقعة الدولة العربية/ الإسلامية في مجدها الى بلاد فارس والهند والسند، بل تجاوزت تلك الأصقاع إلى اندونيسيا والملايو شرقا، وتجاوزت في الغرب قبرص واليونان وصقليا ومالطا إلى أسبانيا والبرتغال.

وبذلك ذكر المدني أن النتيجة الطبيعية لهذه التطورات حدوث هجرات في الاتجاهين ونشوء علاقات وروابط متشابكة ما بين شعوب تلك الأمم والعرب المسلمين، الأمر الذي ظهرت تجلياته في الشأن السوسيولوجي والثقافي شاملا الطعام واللباس وبعض العادات والتقاليد.

المدني قال «شكلت اللغة على الدوام العنصر الأكثر حضورا وبروزا. وكان هذا طبيعيا بسبب ارتباط اللغة العربية بالدين كمكون رئيسي للعقيدة التي أراد العرب نشرها في تلك الأصقاع الاجنبية».

وفي محاولة للدخول في الموضوع، ذكر المدني أن اللغة العربية كانت «تعرف قبل ظهور الإسلام بلغة مضر نسبة إلى قبيلة مضر في شمال الجزيرة العربية أو لغة حمير نسبة إلى قبيلة حمير في اليمن تطورت عبر مئات السنين ودخلت فيها مفردات أجنبية كثيرة لكنها حافظت على تماسكها وتوهجها وبنيتها على خلاف شبيهاتها من اللغات السامية الأخرى التي اندثرت كالآرامية أو تلك التي انحسر نطاق استخدامها كاللغتين العبرية والامهرية. والسبب كما قلنا هو ارتباط العربية بالقرآن والأحاديث النبوية والطقوس الدينية».

واستنادا على دراسة أعدها باحث ماليزي، قال عبدالله المدني في إحصائية أن «هناك نحو 3300 كلمة عربية دخلت لغة الملايو المستخدمة في اتحاد ماليزيا وبروناي وسنغافورة واندونيسيا وجنوب تايلاند المسلم، وأكثر من 7500 كلمة عربية دخلت اللغة الأوردية المستخدمة في الهند وباكستان ودول المهجر الحاضنة لشعوب شبه القارة الهندية، ومايزيد على 160 كلمة عربية دخلت الإنجليزية من بينها coffin من كفن وcave من كهف وhurry من هرع وbody من بدن وlion من ليث و cat من قط وgazelle من غزال وcamel من جمل وmirror من مرآة وغيرها كثير، إذ أكدت الدراسة أن ما استعارته اللغة العربية من اللغات الأخرى يعد قليلا بالمقارنة، ولا يتجاوز مجموعه 521 كلمة فقط موزعة كما يلي: 220 كلمة من الفارسية، و130 كلمة من اليونانية، و25 من التركية، و24 من الإيطالية، و16 من الفرنسية و13 من اللاتينية و8 من لغات أخرى».

وشكك المدني في تواضع هذه الأرقام، ولاسيما ذكر ما دخل اللغة العربية من المفردات الأنجليزية والفرنسية والايطالية الخاصة بالتقنيات الحديثة وغيرها، التي ضرب منها أمثلة بالقول «من الانجليزية استعارت العربية مفردات كثيرة مثل: باص وراديو وتليفون وتلفزيون وتلغراف وتلكس وكمبيوتر وإنترنت ورادار و اسمنت واليكترونيك واير كونديشن وسيكل وموتو سيكل وهليكوبتر وميكرفون وونش وسوبر ماركت وموبايل وساندويش ودش وبنك وكاسيت وفيديو»، مضيفا «ومن الفرنسية استعارت العربية مفردات مثل: موديل وديكور وشاسي ودينمو وديناميت واتوماتيك و بسترة بمعنى تعقيم وبوجي وفيش بمعنى الموصل وأمبير وترمومتر وبروفة وريبورتاج وكاريكاتور وتواليت وكافاتيريا وبوفيه».

وقال المدني «أما من اليونانية، فقد دخلت إلى العربية بعض المفردات الدالة على أشياء لم يعرفها العرب في بيئتهم من مأكولات ومحاصيل مثل بطاطس وطماطم وباميا وفاصوليا من فاصولاذا وبادنجان من ماذنجانا. فيما أخذ اليونانيون من العرب مفردات مثل طاسة أي الوعاء والتي إذا ما صغرت طبقا لقواعدهم إي بإضافة الألف والكاف والياء فأصبحت طاساكي دلت على منفضة السجائر، ومنديلي أي المنديل، ويوغورتي من اليقط»، التي أتبعها بالقول «علاوة على ما سبق دخلت على العربية مفردات كثيرة من الفارسية البهلوية المعروفة أيضا بالفارسية الدرية المتأثرة بالرومية مثل: زئبق ونرجس وبستان وجوهر وطربوش ومهرجان وورق وآجر وتوت وطازة (طازج) وقناة وفيروز وياقوت واستبرق وبنفسج ومفردة سجنجل ومعناه المرآة بالرومية ونجدها واضحة في شعر امرؤ القيس:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل».

وعطفا على موضوع الندوة الأساسي حول التأثيرات المتبادلة ما بين اللغة العربية واللغة الهندية، فذكر عبدالله المدني أن «الروابط والعلاقات ما بين الهند وسواحل الخليج العربي يعود نشؤها - طبقا للحفريات والدراسات الاركيولوجية إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حينما قامت روابط تجارية ما بين حضارتي وادي الرافدين ووادي الاندوس القديمتين بسبب موقع الخليج الجغرافي المتوسط ما بين هاتين الحضارتين، وبسبب الازدهار النسبي لبعض مناطق الخليج العربية وقتذاك لجهة توفر المواد الغذائية والمياه العذبة كما كان الحال في مملكة دلمون ومملكة ماجان العمانية، فقد اتخذت هذه المناطق كمحطات ترانزيت للتزود بالماء والطعام وأيضا للراحة وبيع بعض المنتجات الهندية كالتوابل والحراير والاخشاب والأحجار الكريمة».

وبدخول أجزاء من الهند وسواحل الخليج تحت سلطة الامبراطورية الإسلامية الواحدة كوحدات مدارة من دمشق أو بغداد، ازدهرت العلاقات التجارية ما بين المنطقتين وتشعبت، كما ازدهر معها وللمرة الأولى العلاقات الثقافية والعلمية والفكرية والاجتماعية، ولا سيما في عهدي هارون الرشيد وابنه المأمون اللذين عرفا بتشجيعهما على التواصل مع الحضارات الاخرى والاقتباس من علومها وترجمة اسهاماتها الفكرية والفلسفية كما قال المدني، الذي ذكر أنه، وعلى هامش هذه التطورات حدثت هجرات وأسفار في الاتجاهين لأغراض متنوعة مثل التجارة والكسب وطلب العلم والكشف الجغرافي والهروب من القلاقل، فكان لا بد أن تظهر تأثيرات متبادلة ما بين العرب والهنود في مجالات مختلفة.

وعدَّ المدني التأثر الأبرز في ما تركه اللغة الهندية على «لهجات أبناء الساحل الخليجي حيث تطعمت لهجاتهم بطائفة كبيرة من المفردات الهندية او الأوردية التي يمكن تصنيفها في مجموعات بحسب طبيعتها. من هذه المفردات: جوتي/حذاء ، روتي/ خبز، مكان/ منزل، دوبي/ غسال الملابس، كولي/ العتال، كرفاية/ سرير، أوتي/ المكواة، بانكة/ مروحة، كشمة/نظارة، تشتري/ شمسية، تشولة/ موقد يعمل بالكيروسين، بجلي/ الكهرباء، بالدي/ الدلو، تاوة/ المقلاة، سامان/ أغراض أو أمتعة، تشبرة/ كشك، غاري/ مركبة أو سيارة، تشيتي/ تذكرة أو ايصال، بته/ ورق الكوتشينه، كتشرة/ قمامة، سيده/ مستقيم أو مباشرة، زنجفرة/ فانيلة، ليلام/ حراج، دبة/ كرش أو صندوق، ديد/ الثدي، طاغة / لفة القماش الجديدة، نمونة/ صنف، كلكجي/ مهرج، لوفري/ خليع، كاولي/ منحط، تشب/ أخرس، متو/ ببغاء، ململ/ القماش الشفاف، سيبال/ الفول السوداني، آلو/ البطاطس، ماش/ من أنواع البقولات، آمب/ المانجو، سنطرة/ البرتقال، بدام/الجوز أو البيذان، ساجو/ من أنواع الحلويات، دانة/ اللؤلؤة الكبيرة، لاك/ مئة ألف، بيزة وآنة/ من وحدات الروبية، من وتولة/ من وحدات الوزن، دروازة/ باب، مبند من بند هيه أي مغلق أو بند كرو بمعنى أغلق، مفت من مفتي أي مجانا، وكروة من كرايا أي الأجرة».

المدني أضاف «يمكن ملاحظة مدى التأثير الهندي على اللهجة الخليجية الدارجة، إذا ما عرفنا أن الكلمة المستخدمة للإشارة إلى الكوفية العربية أي كلمة «غترة» هي كلمة هندية الأصل مشتقة من كوترا التي تعني عمامة السيخ. وفي السياق نفسه يخبرنا الباحث البحريني الأستاذ سعد سعود مبخوت في كتابه القيم الموسوم «أصول لهجة البحرين» أن نحو 8 في المئة من إجمالي المفردات البحرينية هي في الأصل مفردات ذات جذور هندية أو أوردية».

«استعارت اللغة الاوردية ولغات هندية أخرى مثل الكوجراتية الكثير من المصطلحات، دون أي تحريف وأحيانا إدخال تحريف بسيط تسهيلا للنطق مثل استبدال حرف بحرف آخر أو تفخيم حرف معين كما يظهر في كلمة لكن التي تلفظ عندهم ليكن، وكلمة بالكل التي تلفظ بالكل».

ومن المفردات العربية التي استعارتها اللغة الكوجراتية من العربية أو من اللهجات العربية عن طريق الاحتكاك والتجارة فيذكر المدني بالقول «برف (بمعنى ثلج)، وبندوق (بمعنى بندقية)، وخاص بازار (بمعنى السوق الرئيسي)، ومشعل وحوض ومعرفت بمعنى (الوساطة) وصراف وقاصد (بمعنى الرسول) وخبر ودكان ونقد وضامن (بمعنى الكفيل) ورقم (بمعنى المبلغ) وجهاز (بمعنى السفينة) وعقيق ودلال (بمعنى السمسار) وزكوات (بمعنى الرسوم الجمركية) ومسافر ومحصول و نكاح وطلاق ومهر ومحرم ودعاء.

العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً