العدد 2785 - الأربعاء 21 أبريل 2010م الموافق 06 جمادى الأولى 1431هـ

الباحث عيسى أمين: تبدَّدَ التبشير ونحجَ التعليم في البحرين

في محاضرة عن البعثة الطبية الأميركية

أكد الباحث في التاريخ عيسى أمين أنه على رغم أن سبب وصول البعثة الأميركية في البحرين هو التبشير ووسيلتها الطب والتعليم إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك فقد اكتشفنا بعد 100 سنة أنهم لم ينجحوا في التبشير لكنهم نجحوا في بذر التعليم والتفكير والمنطق العلمي ونشر الأسلوب العلمي والجدلي الذي كان واضحا لدى أعضاء نادي إقبال أوال ونجحوا في إدخال التقنيات الحديثة في الطب، وإدخال نظام التوقيت، من خلال ساعة البرج في الميدان، وكذلك في إدخال نظام التعليم الحديث في البحرين منذ البداية في 1889 بفتح أول مدرسة للبنات إضافة إلى التدبير المنزلي والاهتمام بالصحة ورعاية الأم والطفل وإدخال نظام الري والميكانيكا والطباعة والتصوير، والانتقال للنظم الحديثة مثل العجلة والسيارات إضافة إلى ربط مناطق الخليج العربي بما فيها المملكة العربية السعودية بنظام طبي خدماتي متكامل.

جاء ذلك في في المحاضرة التي قدمها رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عيسى محمد أمين، ضمن فعاليات الموسم الثقافي 56 للجمعية عبر محاضرة تحت عنوان «البعثة الطبية الأميركية - الدكتور بول هارسون 1889م-1955م» بقاعة دلمون بمقر الجمعية بالجفير، بحضور عدد كبير من المهتمين بالتاريخ والآثار والتراث.

وفي البداية تساءل أمين عن سبب الاهتمام بالبعثة الأميركية فأشار إلى أن الكنيسة الإصلاحية وفكرة التبشير كانت مصاحبة لحركة استعمارية أوروبية بدأت في خلق مناطق نفوذ جديدة، والإعداد لحرب عالمية أولى تحدد فيها الحدود الجديدة في الشرق الأوسط، وولادة العراق، وأماره شرق الأردن وسورية ولبنان والانتداب في فلسطين وفي العراق.

وتساءل أمين عن أسباب التبشير في المناطق العربية (المهملة) فبين أنها منطقة المسيحية الأولى في الخليج وفي العراق: حيث انتشرت النصرانية في العراق في المئة الأولي للميلاد وسمي النصارى بالسيريان لكي يتميزوا عن الوثنيين وسورية الآرامية معناها نصراني، بعدها انتشرت النصرانية في اليمن وحضرموت وعمان. واستشهد في ذلك بمقولة اليقعوبي في تأريخه «وأما من تنصّر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبدالعزا ومنهم عثمان بن الحويدث بن أسد بن عبدالعزا وورقة بن نوفل ومن بنى تميم امرؤ القيس بن زيد مناة، ومن بني ربيعه وبني تغلب ومن اليمن طيئ ومذحج وسليح وتنوخ وغسان ولنحم وبعض من قضاعة وبكر وإياد وكندة وظبيعة والأوس وحِمير ويشكر وجذام وتغلب - وقد ذكر الفيروز أبادي بأن «العباد قبائل شتي اجتمعوا على النصرانية بالحيرة».


النصرانية في الجزيرة العربية

وتابع أمين وكان منهم الخطباء مثل قس بن ساعده الأيادي (المولود 600م) وشعراء مثل عدى بن زيد العُبادي (المولود 582) وعبدالمسيح بن بقيلة -ومن الملوك والأمراء في الحيرة جذيمه الأبرش- ومن الشعراء اللاحقين الأخطل الملقب بذي الصليب وفي فترة بعدها القطامي.

وأضاف أمين وحين هاجرت بعض القبائل العربية إلى العراق والشام سكن بعض القبائل في الحيرة وتحالفوا على التنوخ (المقام) وضمهم اسم تنوخ وكانوا من قبائل طيء وتميم وغسان وكلب وغيرهم وكان أول من اعتنق المسيحية من ملوك الحيرة عمرو بن عدي مؤسس الدولة 268م.

وعن انتشار المسيحية أشار أمين إلى أن المسيحية انتشرت على أيدي الرهبان الذين كانوا يعيشون بين أحياء العرب، وفي أثناء هذا الانتشار كانت هناك مقاومة عنيفة من المجوس والهرابذة والدهاقين (هربذ قوامه بيت النار ودهقان رئيس الفلاحين).

وفي 313م اعتنق إمبراطور روما قسطنطين النصرانية واعتبر الفرس العرب النصارى حلفاء لأعدائهم في روما وكانت العلاقة بين العرب والفرس تأخذ شكل الصداقة والعداوة في أطوار كثيرة.

وفي سنة 431م عزل الأسقف نسطور من الكنيسة وذلك بعد اجتماع عقد في القسطنطينية حضره أربعة من الأساقفة والكهنة المصريون في مجمع الإسكندرية وقد عقد الاجتماع لمحاكمة نسطور المرعشي الشامي والذي أصبح أسقفا بالعاصمة الإمبراطورية القسطنطينية سنة 428م وكان الخلاف حول تسمية مريم بوالدة الإله. في بلدة أفسوس 431م عقد الاجتماع وعزل نسطور عن الأسقفية بأمر الامبراطور والبابا.

لقد ساند ملوك الفرس النسطورية لأنها كانت في المعسكر المسيحي المخالف لروما وكانت قرية ساليق على نهر دجلة مركزا ثقافيا للنساطرة انتشرت منها النسطورية إلى المناطق القريبة والفارسية المجاورة.

وتابع أمين بأنه في عهد الرسول (ص) كان الجاثليق رئيس الكنيسة النسطوري يشوعياب 627م كانت العلاقة بين النساطرة والمسلمين وقد لخصتها رسالة بعثها الجاثليق الجدالي (جدال قرية قرب الموصل) إلى أحد أساقفة فارس يقول فيها «إن العرب الذين وهبهم الله الملك يحترمون الديانة المسيحية ويودون القسس والرهبان ويكرمون أولياء الله ويحسنون إلى الكنائس والأديان».

وفي المخطوطة السريانية للجاثليق الجدالي يشوعياب والمدونة 647م يرد اسم البحرين على أنها تلمون وأسقفها مسماهيج وأسقف قطر قطرياء. من هذه الوثيقة السريانية يأتي ذكر البحرين النسطورية والتي جاءت البعثة الأميركية بهدف إعادتها إلى النصرانية مرة أخرى.


القس جيريت جروتي

وأجاب أمين عن تساؤل كيف بدأت المبادرة، بأنه من هنا يبدأ المشرع إذ في العام 1888 تم في اجتماع للكنيسة الإصلاحية الهولندية والتي مؤسسها جيريت جروتي في ديفنتر. الذي كان هذا الوريث للثروة والمختلف عن الآخرين. إذ تخلّص من كل ما يملك والتحق بالكنيسة طالبا الخلاص الروحي بعد ثلاثة أعوام من إقامته في الدير يبدأ في الوعظ ويدعو للصلاة وللصيام. ونتيجة لنشاطه الديني أسست بيوت خارج الكنيسة أو نطاق سيطرتها سماها بيوت الإخوة والأخوات في الحياة العامة ومنع من الوعظ في الكنائس وتوفي بعد تقاعده في 1384. كان خطاب هذا الإصلاحي البحث عن السلام الداخلي والاستقرار الذاتي. لم يؤسس كنيسة ولكن أتباعه أسسوا ديرا وبدأت أديرة أخرى في هولندا وألمانيا على نفس الطريقة الجديدة. لم يكن الاختلاف في التفسير أو المنهج أو الثوابت الخاصة بالمسيحية ولكن كان الهدف تقمّص شخصية المسيح وأسلوبه وحياته والتخلص من الأمور المادية واستبدالها بالهدوء النفسي وتسخير الذات لأهداف الإنسانية ما معناه (إصلاح الذات الإنسانية).

وأضاف أمين في 1628 انتقلت هذه الأفكار إلى أميركا عن طريق المهاجرين الهولنديين ولذا سميت الكنيسة الهولندية الإصلاحية في هولندا الجديدة. هذه الأفكار الجديدة تفسر لنا الكثير من التصرفات الشخصية لإعضاء البعثة التبشيرية وتفانيهم في خدمة الآخرين وعدم الممانعة من حصولهم على أبسط مردود مادي لذلك.


عجلة جون لانسنج

وتابع أمين الحكاية ففي نيو برونزوك في نيويورك تدور التدوينات الخاصة بهذا الاجتماع بشأن شخصية البروفيسور جون لانسنج الذي ولد في دمشق وعاش في مصر، وكان المسئول عن دروس الدين واللغة العربية التي التحق بها جيمس كانتين وفيليب فيلبس وصموئيل زويمر الذين مع مرور الوقت أدركوا أو اقتنعوا بأنهم مطالبون بتقديم كيانهم إلى خدمة العرب والجزيرة العربية.

في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1888 التقى المتطوعون الثلاثة وبدأوا في البحث في كتب المكتبة عن المناطق المحتملة والمرشحة لهذا العمل التبشيري وكانت الأسماء والمناطق متعددة مثل النوبة وأعالي النيل ولكنهم في النهاية طلبوا المشورة من البرفيسور لانسنج الذي كان يتحدث العربية والعبرية. وشكل الأربعة مشروع العجلة وهم بالإضافة للبرفيسور لانسنج كل من الثلاثة جيمس كانتين وفيليب فيلبس وصموئيل زويمر والتي سقط منها في فترة مبكرة فيليب فلبيس.

وفي 26 يونيو/ حزيران 1889 وافق المجلس الكنسي الأعلى على الاقتراح المقدم من العجلة ومن هنا بدأت رحلة البعثة الأميركية إلى المناطق العربية المهملة وخاصة بعد حصولها على تبرعات تراوحت بين 100 دولار و5000 دولار. بطبيعة الحال احتاجت البعثة إلى دعم محلي والذي جاء من خلال الأسقف توماس فالبي فرنش والمايجور هيج والذي عين أمينا عاما فخريا للبعثة وبعثة كيث فالكونر الاسكتلندية في عدن وكان أول احتفال للبعثة في عيد الميلاد في البحرين مع رجل من جوا في الجمارك وتاجر بحريني.


لماذا البحرين؟

وعن تساؤل لماذا البحرين؟ أجاب أمين بأن البحرين جزيرة تربطها بالعالم حضارة واسعة امتدت إلى 4000 قبل الميلاد وتسودها روح التعايش إلى جانب الحاجة الماسة للطرق العلمية الحديثة في التعلم والطلب والرعاية.

وفعلا بدأت الرحلة في 16 أكتوبر 1889 على ظهر السفينة مدينة روما. غادر جيمس كانتين من نيويورك إلى دمشق مهندس ويستنغهاوس ومتخرج من الدراسات الدينية وذو ميول تبشيرية.


صموئيل زويمر

في 29 مايو/ أيار 1890 بدأت رحلة زويمر على السفينة اوبدام وذلك للالتحاق بكانتين الذي كان يتعلم العربية في بيروت. ومن بيروت انتقل جيميس كانتين إلى عدن. في 8 يناير/ كانون الثاني 1891 غادر زويمر القاهرة إلى السويس ومنها إلى عدن، من عدن غادر كانتين إلى الهند وعن طريق القوافل انتقل زويمر إلى اليمن الداخل صنعاء وتعز. من بومبي إلى مسقط وبندر عباس والبحرين وبوشهر ومن ثم إلى البصرة في منزل الدكتور ماركوس يوستوس ومنها إلى بغداد. زويمر عن طريق عدن مرة أخرى وبنفس الطريقة إلى البصرة حيث ارتأى كلاهما المكان المناسب لبداية الأعمال التبشيرية.

وتابع أمين في أكتوبر 1892 قرر زويمر اكتشاف منطقة الأحساء للدخول إلى الجزيرة العربية ولذلك زار في التاريخ المذكور البحرين في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 1892. عاد مرة أخرى إلى البحرين وتأخر في العودة للسفينة لكي يبقى في البحرين بقي في منزل مدير البريد السيد كن سلايف بعدها انتقل إلى أول سكن له في المنامة في منطقة السوق.

في يناير 1893 بعدها بدأ زويمر العمل في عيادته الأولى في البحرين في الرابع من فبراير/ شباط 1893. افتتح زويمر أول مكتبة انجيلية في البحرين. ومن هنا بدأ العمل الحقيقي للبعثة الأميركية في البحرين من خلال الخدمات الطبية والتعليمية.


مدرسة عائشة أم المؤمنين

بعد العيادة الأولى والمكتبة الأولى شهدت البحرين ولأول مرة في تاريخها ولادة أول مدرسة للفتيات. مدرسة جوزه البلوط (ACORN) في بيت جمعة بوشهري - وهي مدرسة عائشة أم المؤمنين الآن - أسست إيمي زويمر مدرسة للفتيات قال عنها زوجها صموئيل زويمر هذه المدرسة مثل حبة خردل إنها نقطة صغيرة في حلم كبير نراه لبحرين المستقبل حيث تتوفر فيها مدرسة اوكلية يتوافد إليها الطلاب من كل مكان قريب أو بعيد من الداخل أو الساحل.

المدرِّسة إيمي اليزابيث ويلكس من استراليا وصلت 1895 إلى العراق للعمل مع البعثة التبشيرية البريطانية. في 18 مايو 1896 تزوجها صموئيل زويمر. في 1899 أسست ايمي أول مدرسة لها في البحرين، وكان البرنامج القراءة، الإملاء، الغناء، الأبجدية العربية والإنجليزية.

كانت البحرين بتاريخها الحضاري وإدراك أهلها بأهمية العلم والثقافة والمعرفة متعطشة للتعليم الحديث وللطب الحديث، بالمقابل كان الشك يخامر عقول أفراد البعثة إذا كانت البحرين سوف تقبل بهذا المشروع التبشيري.

كانت البحرين قد عرفت الأوروبيين منذ مطلع القرن السادس عشر، البرتغاليين 1520 ومن ثم الإنجليز 1820 والفرنسيين 1840 ولكن لم يكن هناك أي تأثير أهلي لهذا الوجود الأوروبي فلقد كانت أدوات التخاطب مغايرة لما استخدمه أعضاء البعثة التبشيرية ألا وهي التعلم والطب.

(يقول الدكتور هارولد ستورم في كتابه 1936): «كان العلاج الطبي ومن ثم التعليم أكثر قبولا من قبل أهل البحرين وفي النهاية من ذلك كان التبشير».


بيت جمعة بوشهري

في 1902 في نفس المنزل (بيت جمعة بوشهري) أجريت أول عملية في العيون بواسطة الدكتور طومس وزوجته والمساعد غبريال ومعها دخلت البحرين في مسار الطب الحديث المبني على البحث والاستنتاج. (شارون توماريون تومز والممرض غبريال).


التأثيرات الثقافية والاجتماعية

وبشأن التأثيرات الثقافية والاجتماعية أشار أمين إلى أنه في عام 1913 تأسس نادي إقبال أوال وكان المؤسسون الشيخ محمد صالح يوسف، محمد حاجي حسين العريض، خليل المؤيد، محمد على التاجر، علي بن خليفة الفاضل، محمد إبراهيم الباكر، علي إبراهيم كانو، وسعد الشملان، سلمان التاجر، وناصر الخيري. كان بعض المؤسسين من طلبة مدرسة الإرسالية في شارع الشيخ عبدالله، حيث أحضر هؤلاء بعض قطع الأثاث وجعلوا من الدكان الذي قاموا بتأجيره ملتقى ثقافيا تتوافر فيه صحف العصر وكتب التنوير، كان هؤلاء الرواد أبناء عائلات تجارية وتأثروا بطريقة أو أخرى بالمنهج التحليلي للبعثة التبشيرية. كان ذلك قد لوحظ بصورة مثيرة عندما أرسل ناصر الخيري سبعه أسئلة إلى جريدة المنار يطلب فيه من الإصلاحي محمد رشيد رضا (تلميذ محمد عبده) الجواب على بعض الأسئلة المتعلقة بمدى جدوى بعض طقوس وشعائر الحج مثل تقبيل الحجر الأسود ورمي الجمرات والطواف كان ظهور هذه الأسئلة بمثابة الفرصة الذهبية لقاضي البحرين الشيخ جاسم الهمزع الذي حصل على أمر من الحاكم بإغلاق نادي إقبال أوال.

استمر أمر الإغلاق ساريا لعده سنوات بعدها افتتح النادي الأدبي في مدينة المحرق في 1920 هذا النادي استضاف أمين الريحاني والدكتور عبدالعزيز الثعالبي وعبدالعزيز الرشيد (كتاب الريحاني) كان لهذا الحراك الأدبي التنويري تأثيرا مماثلا في دول الخليج العربي ولذا نرى تأسيس النادي الأدبي في دولة الكويت في 1922م.

العدد 2785 - الأربعاء 21 أبريل 2010م الموافق 06 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً