كان أحد الرجال يتمشى في إحدى الحدائق في مدينة نيويورك، وفجأة رأى كلباً ضخماً يهجم على فتاة صغيرة... ركض الرجل نحو الفتاة وبدأ عراكه مع الكلب حتى قتله وأنقذ حياة الفتاة.

في تلك الأثناء كان رجل شرطة يراقب ما يحدث بإعجاب... فاتجه الشرطي نحو الرجل، وقال له: أنت حقاً بطل... غداً سنقرأ الخبر في الصحف تحت عنوان: رجل شجاع من نيويورك ينقذ حياة فتاة صغيرة، إلا أن الرجل أجاب: أنا لست من نيويورك!، فرد الشرطي: إذاً سيكون الخبر على النحو الآتي: رجل أميركي شجاع أنقذ حياة فتاة صغيرة، فرد الرجل: أنا لست أميركياً!

قال الشرطي مستغرباً: من تكون، ومن أي بلد أنت؟!، فأجاب الرجل: أنا فلسطيني... في اليوم التالي ظهر الخبر في الصحف على النحو الآتي: متطرف إسلامي يقتل كلباً أميركياً.

وصلني هذا الإيميل، ووصل إلى عدد كبير من الناس (كما أعتقد). قرأته، وتأملته جيداً، فلم أجد أن ما حدث هو ظاهرة أميركية، بل حقيقة إعلامية لا يمكن تغافلها أبداً أو حتى تجاهلها تجوب العالم كله وفق مفهوم الإعلام يجب أن يحقق مصالحنا الذاتية.

في إعلامنا كل طرف يأخذ الحقيقة من جانبه الخاص، ويتجاهل الحقائق الأخرى الموجودة على الساحة كما فعل الإعلام الأميركي في المثال السابق عندما انتقى حقائق موجودة في قضية الفلسطيني وتجاهل أخرى كانت أيضاً موجودة وكانت ستغير من مجرى القصة كاملة.

هذا هو الإعلام، لا حقائق كاملة، قصص مجتزأة تتلاءم وطبيعة الوسيلة الإعلامية، وفكرها وجمهورها والهدف من نشرها.

الإعلام العالمي والمحلي على السواء لا ينقل الآن إلا حقائق، ولكنه أيضاً لا ينقل كل الحقائق، يختار منها ما يريده ليوظفه في قصته ورسالته الإعلامية لأهداف كثيرة أهمها وأولها التأثير وخلق الرأي العام المنحاز لاتجاه معين.

لا تستغرب عزيزي القارئ إن وجدت اليوم في صحفنا المحلية حدثاً واحداً منقولاً في عدة صحف بشكل متضارب يصيب بالجنون في بعض الأحيان، فأيهم هو الصادق وأيهم الكاذب، ولا تستغرب إن قلت لك بأن الجميع صادقون وفي الوقت ذاته قد يكونوا كاذبين لأنهم باختصار قالوا حقيقة ولكنها ليست كل الحقيقة.