العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ

قول في النقاب

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تناقلت وكالات الأنباء خبر المرأة المنقبة التي أوقفتها الشرطة الفرنسية فيما كانت تقود سيارتها، وفرضت عليها غرامة على تلك المرأة المسلمة بسبب ارتدائها النقاب، «الذي لا يظهر سوى العينين مما يحد من مجال الرؤية، وبالتالي كان يمكن أن يتسبب في حادث سير».

محامي المرأة التي لم يعلن عن اسمها، أكد أنه مصمم على نيل براءة موكلته، وبأنه «سيستأنف القرار الذي وصفه بأنه ينطوي على انتهاك لحقوق الإنسان».

الملفت للنظر أن هذه الحادثة تأتي، كما تقول وسائل الإعلام «بعد أشهر من النقاش المحتدم في فرنسا بشأن إمكانية حظر النقاب».

وكما هو معروف فقد كان الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، قد أمر، في وقت سابق، «البرلمان الفرنسي بمناقشة مشروع قانون حول منع النساء المسلمات من ارتداء النقاب في الأماكن العامة». وقد رافق نقل وقائع الحادثة، تغطية لأحوال المرأة الاجتماعية، مثل كونها متزوجة، وأن «زوجها الذي يعيش في مدينة نانت غرب فرنسا متزوج من أربع نساء وينتمي إلى حركة (جماعة التبليغ والدعوة) المتشددة».

تجدر الإشارة هنا إلى تقرير اللجنة البرلمانية الفرنسية التي أوصى بفرض «حظر جزئي على ارتداء النقاب في البلاد، ويشمل الحظر الأماكن العامة كالمستشفيات والمدارس والمكاتب الحكومية ووسائل المواصلات والنقل العمومية، كما دعى إلى الامتناع عن منح بطاقات الإقامة والجنسية لأي شخص يظهر رموزاً أو إشارات واضحة تشير إلى ممارسة التطرف الديني في البلاد، معتبراً ارتداء النقاب الكامل يشكِّل تحدياً للجمهورية الفرنسية، وهو أمر غير مقبول ويجب إدانته».

يثير النقاب كزي ترتديه المرأة سواء في الأماكن العامة، أو أثناء أدائها بعض المهام مثل قيادة السيارة، أو دخول قاعات الامتحانات الكثير من الجدل، بين متعصب له وداعٍ لحق المرأة في ارتدائه في كل الأحوال، وتحت مختلف الظروف، وبين متحامل عليه، وداعٍ لنزعه عنها وتحريم ارتدائه. قلة هي تلك الفئة التي تحاول أن تناقش موضوع النقاب من زاوية معاصرة وبرؤية متزنة.

قبل الخوض في حق المرأة في اختيار الزي الذي تعتقد أنه يناسبها جسمانياً وتفكيراً، ينبغي علينا التأكيد على الحقائق التالية:

1. الاختلاف في تقدير ما يحق للمرأة الكشف عنه، فبينما يصر البعض على أن النقاب بشكله الشمولي هو الأكثر تمسكاً بالتعاليم الدينية، نجد شخصاً مثل إمام مسجد باريس الكبير دليل بوبكر، الذي يوصف بأنه أحد رموز الإسلام «المعتدل»، يفتي ، كما ينقل عنه موقع هيئة الإذاعة البريطانية، بأن الإسلام «لا يفرض على المسلمة ارتداء النقاب، مستشهداً بأن السيدة عائشة، صغرى زوجات الرسول محمد، لم تكن تغطي وجهها عندما تذهب إلى مكة، في إشارة على ما يبدو لأداء الحج في الإسلام». ليس هنا مجال القول الفصل بأي من الاجتهادات هو الأصح، فهذا يتجاوز قدراتنا بل وحتى حقوقنا نظراً لمحدودية تبحُّرنا في شؤون الإسلام، لكن أردنا فقط الإشارة إلى أن هناك أكثر من اجتهاد فيما يتعلق بالزي الذي يستر المرأة.

2. خطأ تقويم المرأة بناء على زيها، وبكل المقاييس، إذ ينبغي رفض مقولة أن حسن سلوك المرأة يقاس «بحشمة لباسها»، لأن ذلك يقودنا إلى الاختلاف حول ما هو مقياس الحشمة من عدمها. علينا القبول بحق المرأة في اختيار الملابس التي تعتقد أنها النسب لها، وفقاً للظروف التي هي فيها. لكن هذا الأمر ليس محصوراً في المرأة، بل ينبغي أن يخضع له الرجل أيضاً. إن حق المرأة في اختيار زيّها هو محض اختيار شخصي وذاتي ليس من حق أحد التطاول عليه، طالما يحترم ذلك الزي العقد الاجتماعي، بمقاييسه الواسعة، التي طورته المجتمعات المتحضرة، التي ترى في المرأة عضواً اجتماعياً حيوياً، لا مخلوقاً من مكونات أخرى تختلف عن تلك التي يتمتع بها الرجل.

3. التعايش السلمي الاجتماعي في البيئة الواحدة، حيث تختلف تلك القيم من مجتمع لآخر، أو بيئة لأخرى. ليس المقصود هنا فرض قيم معينة على أخرى مختلفة، أو وضع إحداها في منصة أعلى من الأخرى، بقدر ما هو دعوتها جميعاً إلى البحث عن الحد الأدنى المشترك بينها، الذي يبيح لها التعايش مع بعضها الآخر. والمقصود بالتعايش هنا هو ذلك التعايش المبني على الاحترام المتبادل، الذي يمكنها من التكامل أو عدم التنافر من أجل التوصل على أرقى أشكال السلم الاجتماعي المطلوب لتشييد البيئة الصحية للتفاعل الإيجابي الأرقى فيما بينها. يدفعنا البحث عن التعايش المتآلف، إلى نبذ كل ما هو متنافر، وإيجاد ما هو قادر على التخاطب من أجل التوصل إلى حالة سلمية تتكامل فيها تلك القيم، عوضاً عن طرد بعضها البعض، أو تسلط البعض على البعض الآخر أو نفيه.

وفي نهاية الأمر ليس الحجاب وقولنا فيه سوى واحداً من قضايا كثيرة تمس حرية المرأة، وحقوقها التي ما تزال تناضل من أجل نيلها، والتي تحلو لأنانية الرجل أن تدفعه كي يضع المزيد من القيود والحواجز في طريق المرأة، من أجل أن تكون تلك الطريق أكثر طولاً وأشد مشقة ووعوراً. ولربما، وعوضاً عن التوقف على قضايا هامشية من مستوى الحجاب، حريٌّ بنا جميعاً، رجالاً ونساءً أن نناقش، وفي صلب موضوعات المرأة ما هو أهم من ذلك بكثير، فما تزال المرأة، وعلى وجه الخصوص في مجتمعاتنا العربية أبعد ما تكون نيلاً لحقوقها البسيطة التي علينا أن نناضل جميعاً من أجل تحقيقها ليس كنساء فحسب، وإنما كمجتمع بشري. فقبل أن تكون المرأة محجبة أم لا، علينا أن نجيب على السؤال: هل نعاملها كإنسان أم لا؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:22 ص

      حرية التعري

      المرأة حرة في خيارها ولكن عندما تتحجب أو تتنقب تحارب ولكن عندما تتعرى وعندما يتم إستغلالها للتعري والترفيه وأفلام الجنس لاأحد يتكلم أو يدافع عنها عش رحباً ترى عحباً.والله المرأة في البحرين مكرمة معززة لها حرية التعليم والعمل وحتى إختار الزوج إلخ لاأعلم عن أية حرية الأخوان يتحدثون نأمل ألا تكون حرية التعري!

    • زائر 3 | 3:20 ص

      جمري

      لا أؤمن بوجوب النقاب ؛ ولكني لا أقبل أن تُجبر المنقبة على خلعه أو يتم الاستهزاء بها ؛ وهي إنما تنقبت لإيمانها بوجوبه وأن الله يثيبها عليه ؛ فعلينا احترام إيمانها ومنحها كامل حريتها الدينية "إن كنا نؤمن بالحرية"

    • زائر 2 | 3:03 ص

      حق الاختيار

      شكرا لك استاذي الفاضل ويبقى السؤال من يملك حق تحديد شكل اللباس الذي تخرج به المرأة؟
      صحيح انه حرية شخصية ويجب ان تكون مكفولة للمرأة، ولكن كيف يمكن حماية المجتمع من مستغلي هذه المظاهر لتحقيق مآرب خطيرة تهدد الامن الاجتماعي.
      حرية المراة صارت بضاعة يتاجر بها الجميع والسؤال كيف للمرأة ان تكسر الاسقف الزجاجية و تملك زمام أمرها وتنظر هي (قبل الآخرين) الى نفسها كانسان كامل الأهلية قادر على اتخاذ قراراته دون وصاية او غسيل مخ من هذه الجماعة أو تلك. (أميرة)

    • زائر 1 | 9:28 م

      الأقنعه أصبحت وسيلة للتكسب وللخداع البصري

      شكرا للأستاذ عبيدلي .. وإما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل وإن لا تزال الأفعال المشينه ترزح خلف مظاهر خادعه ومضلله ولا تزال تمارس أبشع الممارسات اللاأخلاقية خلف المظهر الذي يدل على التدين مع تحيات (ندى أحمد)

اقرأ ايضاً