العدد 736 - الجمعة 10 سبتمبر 2004م الموافق 25 رجب 1425هـ

بين مفاهيم «بناء الحقيقة ولي عنقها»

صحافتنا... ما قبل «الوسط» وما بعدها

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

«ما زلت أتذكّر عندما كنت محاصراً في وطني الجزائر ممنوعاً من السفر، التقيت بوزير الداخلية الجزائري في ذلك الوقت فقال لي: أطلب ما تريد نعطيك، فقلت له أعطني جواز سفري، فقال لي: عجيب أمرك! أعرض عليك الدنيا وتريد المنفى؟! فقلت له: ان ألقى ربي منفيّاً خيرٌ لي من أن ألقاه خائناً مجرماً في زمرة المجرمين. ومنذ عقدين وأنا أجول الأمصار. مات الكثير من أهلي وابني الكبير، وعلى رغم كل ذلك يستحيل أنّ أقول لأيّ طاغية كائناً من كان: أنت رمز العدالة، كما حدث مع طغاة العالم العربي، ومن هذا المنطلق فكل صحافي يقبض من الطغاة هو طاغية وعلينا أن نلعنه كما نلعن الطغاة». (يحيى أبو زكريا - كاتب وصحافي جزائري مقيم في السويد).

منذ فترة ليست بالقصيرة رحت «بفضول صحافي» عاكفاً على تجميع قصاصات من هنا وهناك، عن صحف وصحافيين قدموا القرابين من أجل أن تقوم الصحافة في وطننا العربي بدورها المهني العالي، والالتزام بأخلاقيات المهنة وأن تعمّم الثقافة القانونية التي تساعد الصحافي على معرفة حقوقه، وعدم التعدي على حقوق غيره، وذلك في مجموعه كله خدمة للمجتمع، لكي ترفع من سقوف الحريات وتبنى الحقائق فيه بشكل مستقل، فيما على الجانب الآخر، هناك صحف وصحافيون «يقبضون» بأساليب غير لائقة وغير أخلاقية للمهنة، عن طريق تطويع الحقيقة لتناسب مصلحة ما، وتصل ذروتها إلى التزوير وخلط الرأي بالخبر في أسوأ صور التضليل لليّ الحقيقة، في حين يكثر من بين «الصحافيين» من يقبل دعوات وهدايا غير بريئة عبر تمرير أخبار ملفّقة تقذف الصدقية بالحائط، وهناك من ينطبق عليهم المثل الإنجليزي الشهير: «من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد».

لا مجال هنا لذكر أسماء الصحف والصحافيين المدافعين عن حرية الرأي والتعبير وحملوا لواء الاستقلالية وتمت «مكافأتهم» بطريقة بوليسية، كما كوفئ بالمنفى يحيى أبو زكريا، صاحب القول أعلاه، وما لاقوه من شظف العيش والتشرد. ولا مجال أيضاً لذكر أسماء منتهكي أخلاقيات المهنة المتسلقين منهم والمنافقين، كل منهم بحسب درجاته وهفواته... فقط نشير بالقول المأثور: «اللي على رأسه بطحة يتحسس!». لكن مناسبة هذا الحديث هو مرور سنتين على بزوغ الفجر لأول صحيفة بحرينية مستقلة في تاريخ الصحافة الحديث، وكيف استطاعت «الوسط» باستقلاليتها وبحماسة العاملين فيها أن تقلب معادلة «كريهة» كتبت على المواطن البحريني بألا يقرأ في السابق إلا صحفاً « بلون واحد... واتجاه واحد... وصوت واحد...» كما عبر عنها شيخ الصحافيين البحرينيين الأستاذ علي سيّار في إحدى مقالاته التي تناول فيها «هزال ترسيخ الوحدانية» لصحافتنا.

وبينما كان الصحافي البحريني يعيش كلّ يوم نتائج أليمة لصراعٍ مزدوجٍ تتحكم فيه جهات تعشق تكميم الأفواه والرعب على مصيره الوظيفي في كل شاردة وواردة، فبعد ظهور «الوسط» بدأت بخطوة تحسين الرواتب للصحافيين، ثم تلتها «خطوات تنافسية» من صحف أخرى، في الراتب ورفع سقف حرية التعبير، ما كانت ستكون إلاّ بظهور صحيفة مستقلة تحترم عقلية القارئ وتزوّده بوجبات متنوعة تختلف طعماً وتذوقاً ومهنياً على ما كانت عليه أخبار «البرستيج» والتلميع مثلما كان ولايزال له أتباع يتغنون به إلى يومنا هذا، من دون أدنى مراعاة لدور الصحافة في الرقابة ونشر الحقيقة وبناء مجتمع صالح، على رغم أنهم يعرفون أن العبرة بالنتائج و«لا يصحّ... إلا الصحيح».

كاتب بحريني

العدد 736 - الجمعة 10 سبتمبر 2004م الموافق 25 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً