العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ

الأيديولوجيا الأميركية (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ينطلق الكاتب «المجهول» في نقده لإدارة النخبة الأميركية لسياسة الحرب على «الإرهاب» من تعارض البيت الأبيض في توجهاته الإعلامية. فالإدارة تقول إنها انتصرت في حربها وقللت من فرص «الإرهابيين» في معاودة نشاطهم، ثم تعلن مراراً رفع درجة ألوان المخاطر وتظهر أمام الرأي العام أنها مترددة ومتخوفة وقلقة من احتمال حصول أعمال إرهابية.

هذا التعارض بين لغة انتصارية ولغة يسيطر عليها الخوف هو ما يسميه الكاتب «هوبرة إمبريالية»، أي اصطناع الانتصار الزائف وزرع الأوهام في وقت تشير المعلومات إلى أن الحرب فشلت.

برأي الكاتب أن هناك سلسلة لا تنقطع من الأكاذيب يطلقها البيت الأبيض يومياً. وهذه «الرسائل المتضاربة» بين الانتصار والخوف من هجمات مضادة تعكس وجود استراتيجية مرتجلة تُصاغ «يوماً بعد يوم». فالإدارة برأيه لا تعرف كيف تدير القصة. وهذا التردد لا يدرك الناخب الأميركي معناه من تلك الرسائل المتضاربة. ولذلك عجز عن تفسير فلسفة «الهوبرة» التي تطلقها الإدارة في كل فترة ثم تعود لتحذر من هجمات محتملة يخطط تنظيم «القاعدة» لشنها داخل الولايات المتحدة.

الكاتب الأميركي يختصر الطريق على القارئ، مؤكداً أن واشنطن خسرت حربها. لقد «نجحنا في خداع أنفسنا». والقاعدة «تعيد تنظيم نفسها» وطالبان «تعاود لمّ شملها». ونظام كابول ليس واقعياً فهو مفروض بالقوة، إنه «من صنع خيالنا». وحرب العراق «وحشية» فهي «ليست وقائية» وإنما خُطط لها مسبقاً «على غرار حرب أميركا على المكسيك سنة 1864».

على هذه الأنغام يعزف «المجهول» ألحانه. فهو ينتقد أسلوب التعاطي مع «ظاهرة» أسامة بن لادن ويسخر من تلك التصريحات التي تقلل من أهميته. ويتهكم أيضاً على عدم الانتباه لتصريحات قادة «القاعدة» ومقالاتهم، وينتقد لجوء الإدارة إلى التخفيف من خطورة تهديدات الجماعات الإسلامية المسلحة.

هناك هزيمة برأي الكاتب وليس انتصارات. وأساس تلك الهزيمة يقبع في عقل النخبة الحاكمة ومنطق تفكيرها الانعزالي - المتعجرف وارتباطها بمصالح ضيّقة محكومة بالانتخابات المحلية.

الكاتب يبدأ من هذه النقطة بتوضيح رأيه ويكشف أسباب نقمته على الإدارة. فالنقمة سببها ليس الاعتراض على الاستراتيجية نفسها بل على الوسائل القاصرة المتبعة في تنفيذها. فهو مثلاً ينتقد أسلوب الحروب المتبعة ليس من منطلق أنها خاطئة أصلاً بل لأنها محددة ضمن «مهلة زمنية». وهذه المهلة مرتبطة بالانتخابات وبالتالي يجب أن تعلن نهايات الحروب السعيدة قبل أن تستكمل الحروب شروط نجاحها. والناخب الأميركي يجب أن يتقبل الانتصار ويقتنع بما تقوله ادارته، في وقت لا يرى الجمهور الأميركي هؤلاء الأعداء وأين هم وأين أصبحوا وما هي خسائرهم؟ فهذه الحرب سرية كما يبدو وتُخاض ضد مجهولين وتعلن الانتصارات الوهمية لتبرير هذا الإنفاق الهائل في الموازنة العسكرية.

«المجهول» إذاً ليس ضد الحروب بل يقترح تطويرها لتكون ناجحة وأكثر فاعلية، فهو يضع ملاحظات ثلاث على استراتيجيتها التي يقودها جنرالات وصفهم بـ «الحمير» بالتعاون مع نخبة مدنية «منتخبة». والملاحظات الثلاث هي: الضغط من أجل الانتصار السريع. وتدمير الممتلكات وقتل المدنيين وترك الأعداء. والعمل على التقليل من الخسائر الأميركية.

الكاتب يرى أن الحروب المفتعلة تخضع لحسابات انتخابية وضمن «مهل زمنية» لضمان عدم تأثيرها السلبي على الناخب الأميركي. ويستنتج «المجهول» سلسلة قواعد تتحكم بتفكير «النخبة المنغلقة» وهي: حروب من دون خسائر، حروب نصف منتهية، وحروب نصف بادئة. وبالتالي فإن هذه الحروب السريعة من دون خسائر تعني في النهاية «العودة إلى خوضها من جديد».

الكاتب إذاً لا ينتقد الحروب بل يحتج على هوس الإدارة بالحروب السريعة وعدم رغبتها في «الإكثار من القتل أو التعرض له». فالسرعة والتسرع والخوف من الموت وتحاشي الإفراط في استخدام القوة أدى برأيه إلى نجاح غالبية المقاتلين من «طالبان» في الإفلات من قبضة العدالة.

«السرعة» إذاً هي المشكلة وليست الحرب. وبسبب الاستعجال وطموح الإدارة في إعلان الانتصارات أعلن الكاتب أن أميركا خسرت حربها أو أنها مضطرة بعد حين إلى خوضها مجدداً.

هذا النوع من النقد الذاتي يعطي إشارات متناقضة، فهو يلاحظ الأخطاء ولكنه لا يراجع السياسة. ويعتبر أن المشكلة في الإدارة وليست في الدولة. فالدولة محقة في حربها ولكن إدارة النخبة للدولة أخطأت في حساباتها... وهي في النهاية حسابات انتخابية.

هذا النوع البائس من النقد لا ينجب سوى سياسات بائسة تنتج المزيد من «فلسفة البؤس». وللحديث صلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً