العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ

خبراء أمن ألمان لا يستبعدون حصول «القاعدة» على القنبلة القذرة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ثار الرعب في نفوس ركاب طائرة تابعة لخطوط اللوفتهانزا الألمانية التي وصلت لتوها إلى مطار ميونيخ قادمة من موسكو. على متن الطائرة عميل في جهاز الاستخبارات الألمانية (بي أن دي) كان يحمل كمية صغيرة من مادة البلوتونيوم التي تستخدم في صناعة أسلحة نووية، وكان يحاول إدخالها البلاد بواسطة طريقة لم تخل من تهديد حياة عشرات الركاب. كان هذا في 10 أغسطس/آب العام 1994وتسببت القضية في فضيحة لأنها لم تكن محاولة تهريب حقيقية وهذا على الأقل أراح أعصاب المسئولين في الحكومة الألمانية والرأي العام، لكنها كانت لعبة من تخطيط وتنفيذ الاستخبارات الألمانية للتأكد من أنه بوسع عصابات تهريب تقنية أسلحة الدمار الشامل نقل مواد مشعة خطرة من بلد إلى آخر. وكان الغرب في ذلك الوقت يعرب عن قلقه العميق من مغبة لجوء خبراء وفنيين يعملون في مختبرات نووية في جمهوريات سوفياتية سابقة لبيع مواد خطرة ووصول هذه المواد لأيدي منظمات أصولية. نتيجة الاختبار الذي عرض حياة كثير من الأبرياء للخطر، أن الاستخبارات الألمانية حصلت على دليل أنه بوسع عصابات الجريمة المنظمة تهريب مواد تساعد في إنتاج القنبلة القذرة.

يلاحظ أن موعد الاختبار سبق بسنوات هجوم (القاعدة) على الولايات المتحدة وتم في وقت كانت أجهزة الاستخبارات الغربية تبحث عن عدو جديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق ونهاية الحرب الباردة كما كان القائمون عليها يخشون أن يجري شطب أموال كبيرة من موازنات الأجهزة وتسريح العملاء. وقال المستشار الألماني هيلموت كول وقتذاك إنه لا يشعر بحاجة إلى الحصول على معلومات من أجهزة الاستخبارات لأنه يطالع في الصحف المجريات في العالم. هذا التصريح جعل كبار المسئولين في جهاز الاستخبارات الألمانية يرتعشون لأن المستشار صرف النظر عن الاستعانة بالجهاز. وانشغل البرلمان الألماني الاتحادي ثلاثة أعوام متواصلة بالنظر في عملية مطار ميونيخ بعد أن تبين أن جهاز «بي أن دي» اتفق مع عملاء روس وألمان للقيام بعملية التهريب لتأكيد أهمية الجهاز. هذا السيناريو المرعب الذي حصل على أرض مطار ميونيخ في العام 1994 أصبح بعد عشرة أعوام مسألة معقولة وتحولت اللعبة من خيال إلى حقيقة.

وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يقع مقرها بمدينة فيينا محمد البرادعي: علينا الأخذ في الاعتبار أن التهديد بواسطة الإرهاب النووي هو خطر حقيقي. من بين السيناريوهات المروعة التي تحدث عنها البرادعي الذي ينحدر من مصر أن تحصل تنظيمات متطرفة على التقنية النووية من خلال شراء ما تحتاجه من ترسانة الاتحاد السوفياتي السابق أو جهات نووية لا هم لها سوى تحقيق الربح الوفير مثل العالم الباكستاني عبدالقدير خان وكذلك تهديدات بعض هذه التنظيمات بخطف طائرات للركاب والانقضاض بها على مفاعل للطاقة الذرية. وسجلت أجهزة الاستخبارات الغربية باهتمام كبير السيناريو الأخير الذي هدد به أسامة بن لادن زعيم تنظيم (القاعدة).

البرادعي يتحدث هذه الأيام بصوت عال على غير عادته وهو يفعل ذلك لأنه يريد العالم أن يسمع تحذيراته. لكنه حين يشير إلى بيانات محددة بهذا الصدد فإنه يعير أهمية بالغة كي تكون بيانات حقيقية ومعلومات صادقة وبعيدة عن المبالغة. في الوقت الجاري تستبعد أجهزة الاستخبارات الغربية أن يكون بحيازة (القاعدة) كميات من اليورانيوم المخصب أو بلوتونيوم أو أي نوع من السلاح النووي. كما ليس لدى هذه الأجهزة الأمنية أدلة على أن التنظيمات المتطرفة لديها فرصة للاستفادة من البرامج النووية التابعة لبلدان مثل باكستان أو إيران. لكن البرادعي وأجهزة الاستخبارات الغربية يقولون إنه بوسع هذه التنظيمات وخصوصاً (القاعدة) استخدام أموال طائلة لشراء القنبلة القذرة أي مواد تفجير تقليدية وعبوات ناسفة تحتوي على مواد مشعة. ونقلت مصادر إعلامية ألمانية عن علماء نوويين باكستانيين اجتمعوا في العام 2001 مع مسئولين في تنظيم (القاعدة) تأكيدهم أن (القاعدة) لا تملك الوسيلة خصوصاً التقنية النووية لصنع قنبلة نووية حقيقية لكن بوسع هذا التنظيم أن يسعى لصنع القنبلة القذرة وهذه فكرة يجدها المتطرفون ساحرة.

ولا يحتاج صنع القنبلة القذرة إلى منشآت نووية ولا إلى مختبرات فالمعايير التي تصنع هذه القنبلة هي كميات من: سترنتيوم 90 وكازيوم وكوبالت 60 وبلوتونيوم 239. هذه المواد ليس من المستحيل الحصول عليها ولا يحتاج الأصوليون إلى الإغارة على مفاعل ذرية أو مختبرات نووية للحصول عليها. عوضا عن احتمال شرائها من ترسانات الاتحاد السوفياتي السابق وبوسعهم استخدام طرقهم الخاصة للحصول عليها من مئات أجهزة الأشعة التي يحتوي كل منها على مواد منتجة للأشعة. في الولايات المتحدة الأميركية تم التبليغ عن سرقة عدد من هذه الأجهزة بعد أن تم تزويد عدد من المستشفيات المتخصصة بعلاج مرضى السرطان. ليس هناك رقم محدد لعدد الأجهزة التي تعرضت للسرقة لأن الأميركيين وغيرهم لا يزودون الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا بعدد أجهزة الأشعة المسروقة، لذلك فإن الوكالة الدولية تعتمد على البيانات التي تحصل عليها بواسطة تحقيقاتها الخاصة وفي العام 2003 الماضي فقط سجلت سرقة أكثر من 280 جهاز أشعة. في أوروبا الشرقية عوماً وروسيا خصوصاً تتعرض الأجهزة المشعة كافة إلى السرقة. في العام الماضي سرقت محركات تعمل بواسطة مادة ستروتيوم في شبه جزيرة كولا الروسية. كما ألقت الشرطة الروسية القبض على عدد من الأشخاص كانوا ينقلون داخل سيارة كمية من المواد المشعة من صنف إيسو 137.

ليس سرا أن روسيا في مقدمة البلدان التي يقول خبراء أمن غربيون انه بوسع المتطرفين الحصول فيها على مواد مشعة. وحاولت الحكومة الروسية تقديم ضمانات للغرب بأنها تسيطر تماما على ترسانتها النووية. قبل وقت قصير وجهت روسيا دعوة إلى خبراء في دول حلف شمال الأطلسي لحضور مناورة بالقرب من مدينة مورمانسك في أقصى الشمال تمثلت في قيام جماعة متطرفة بمهاجمة قافلة صغيرة تحمل كمية من المواد الخطرة. في إطار المناورة وصلت قوة أمن روسية على عجل للمكان وقامت بتأمين الحماية للمواد الخطرة وسعت كي لا تنتشر مواد مشعة وتلحق أذى بالمواطنين. هدف المناورة إقناع ممثلي 50 دولة تابعة للحلف العسكري الغربي أن المنشآت النووية في روسيا تحظى بحماية مشددة. لكن التشكيك بهذه الدعاية صدر عن مؤسسة تابعة للحكومة الروسية. قبل 18 شهرا حذرت وكالة مراقبة المنشآت النووية في رسالة وجهتها إلى عدد من أعضاء البرلمان الروسي من احتمال تعرض مواد مشعة للسرقة وشكت من أن نظام حماية هذه المواد من السرقة لا يعمل بدقة. وفي العاصمة الروسية وحدها هناك أحد عشر مفاعلاً ذرياً وشبكة واسعة قوامها ألفي مؤسسة تعمل في مجال البحوث النووية. إضافة إلى أن موسكو التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة تخفي في بطنها مهملات نووية لا تخلو من تهديد سكان العاصمة بالتعرض لمواد مشعة ونسبة 70 في المئة من هذه المهملات مطمورة تحت المتنزهات وأحياء سكنية. من جهة أخرى توصل باحثون في دراسة أعدتها جامعة هارفارد الأميركية الذائعة الصيت أنه على رغم أن الاستقرار السياسي في روسيا أدى إلى تحسين أوضاع الخبراء الروس الذين حصلوا على زيادة في أجورهم وحال دون هجرة بعضهم للعمل في بلدان مثل إيران أو باكستان فإن الدراسة تحدثت عن وجود ثغرات منها قدم التقنية الروسية التي تحفظ المواد المشعة وخطر انتشارها بينما مازال هناك خطر تعرض هذه المفاعل والمؤسسات إلى السرقة. لذلك طالبت الدراسة أن يجري العمل في تأمين حماية الرؤوس النووية وكل كيلوغرام من المواد النووية. وتملك روسيا 18 ألف من الرؤوس النووية.

وفقا لدراسة أخرى سبق وأن أعدتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في العام 2001 بوسع أكثر من مئة من الجماعات الأصولية وعصابات الجريمة المنظمة العمل في صنع القنبلة القذرة. وذكرت مصادر أمنية ألمانية أن (القاعدة) تحاول بينما حزب الله حاول الحصول على مواد الإنتاج فيما تخشى روسيا على الأكثر أن يفلح الشيشان في الحصول على مواد نووية بطريقة ما من الترسانة الروسية. ليست هناك بيانات مؤكدة عن نتائج تفجير قنبلة قذرة لكن المؤكد أنها لا تتسبب بمقتل عدد من الناس مقارنة مع قنبلة نووية لكن وفقا لأقوال رئيس اتحاد العلماء الأميركيين سينتج عن انفجار قنبلة قذرة في مانهاتن على سبيل المثال هنري كيلي إصابة كل عاشر شخص بمرض سرطاني. لكن النتائج النفسية ستكون أكبر بكثير لأن الخطوة التالية ستكون لجوء الأصوليين لتفجير قنبلة نووية. كما ستكون هناك نتائج وخيمة جدا على الاقتصاد لأنه سيجرى إخلاء مدن بأكملها

العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً