العدد 714 - الخميس 19 أغسطس 2004م الموافق 03 رجب 1425هـ

الاقتراح السعودي ونتائجه

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

علق رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي ووزير الخارجية الأميركي كولين باول إيجابيا على اقتراح سعودي يدعو لإيفاد قوات إسلامية إلى العراق. التقى الرجلان في مدينة جدة إذ عقدا محادثات مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. لأول مرة أكد الفيصل بعد اجتماعه مع باول وبصورة رسمية أن الحكومة السعودية تعمل في وضع صوغ اقتراح يدعو إلى إيفاد قوات إسلامية متعددة الجنسيات إلى العراق. وذكرت صحيفة باكستانية أن رئيس الوزراء الباكستاني بحث هذا الموضوع مع المسئولين السعوديين حين زار الرياض أخيراً.

لم يشر باول ولا الفيصل إلى تفاصيل أخرى بشأن خلفية المبادرة السعودية لكن البعض يرجح أنها نتيجة طلب تقدم به الأميركيون للحكومة السعودية لأن إدارة الرئيس الأميركي بوش بحاجة ماسة إلى تقديم نتائج إيجابية بشأن الوضع في العراق إلى الرأي العام الأميركي في حملة انتخابات الرئاسة والإيماء بأن إدارة بوش تعمل من أجل سحب أكبر عدد ممكن من الجنود الأميركيين من العراق. وهذه الخطوة من شأنها أيضا أن تحسن سمعة الحكومة السعودية على المسرح الدولي وفي الوقت نفسه أن تعيد لها وزنها السياسي على مستوى العالم العربي واستعادة دفة القيادة في المنطقة وأيضا داخل العالم الإسلامي. كما يعتقد أن الولايات المتحدة التي توجه انتقادات شديدة اللهجة للسعوديين منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 بدأت تغير سياستها تجاه السعوديين وعادت لتعاملهم بدلال كما في السابق كما أنها بصورة خاصة تريد تشجيع السعوديين على مواصلة النجاحات التي يحققونها في إطار الحرب المناهضة للإرهاب. ولم يجر حتى اليوم الكشف عن تفاصيل المكالمة الهاتفية التي تمت يوم الأربعاء الماضي بين ولي العهد السعودي الأمير عبدالله والرئيس بوش.

طبعاً تجد الولايات المتحدة في الوقت الحالي كل مبادرة ترمي إلى نشر الأمن والاستقرار في العراق وتخفف معاناة شعبه خطوة تستحق الاهتمام. فالقوة العظمى التي كشفت حرب العراق أن لقوتها حدوداً ومعها الأمم المتحدة يجمع بينهما العجز في تحقيق الاستقرار في هذا البلد وعدم الفوز بثقة العراقيين الذين لم ينظروا لحظة واحدة إلى الجنود الأجانب بأنهم أتوا لبلدهم كمحررين وإنما كغزاة ومحتلين. لكن هل بوسع العالم الإسلامي حقا تحمل مثل هذا العبء؟ وهل بوسعه أيضا فرض الأمن والاستقرار في العراق؟ أم أنها لعبة سياسية ترمي إلى توفير الدعم لبوش في حملة انتخابات الرئاسة؟

تشعر السعودية منذ تنامي أعمال العنف في العراق أن استفحال الوضع الأمني يضر بأمنها أيضا. واعترف وزير الداخلية السعودي الأمير نايف لأول مرة قبل أسابيع قليلة أن محاربين سعوديين يثيرون الفوضى داخل أراضي العراق. كما يعترف عادل الجبير المستشار السياسي لولي العهد السعودي بأن عدم تحقق الاستقرار في العراق له نتائج سلبية على السعودية. وبرر الجبير الاقتراح السعودي بإيفاد قوات إسلامية متعددة الجنسيات إلى العراق بأنه عبارة عن استجابة لرغبة الشعب العراقي في الحصول على مساعدة عاجلة لهدف تحقيق الأمن والاستقرار في ربوعه. وقال هذا المسئول السعودي إنه يلاحظ وجود إرادة كبيرة في العالم العربي لمساعدة العراق في استعادة أمنه واستقراره.

لكن العراق ما زال يقول إنه متمسك بقرار عدم انتشار قوات من الدول المجاورة لأراضيه. ويخشى العراق نشوء نزاعات جديدة لأن جيران العراق قد يعملون في تحقيق مصالحهم داخل العراق. لهذا السبب لن يكون بوسع السعودية نفسها المشاركة في تنفيذ الاقتراح الذي وضعته. لكن من أبرز الدول المرشحة للمشاركة بالتنفيذ: مصر وباكستان وكذلك إندونيسيا وماليزيا والمغرب والجزائر وبنغلاديش واليمن.

تتعامل جامعة الدول العربية حتى اليوم بتحفظ حيال الاقتراح السعودي وقال متحدث باسمها إن حكومة عراقية شرعية فقط بوسعها أن تطالب بانتشار قوات متعددة الجنسيات في العراق. ولا تعتبر جامعة الدول العربية حكومة علاوي حكومة شرعية نظرا إلى استمرار وجود قوات أجنبية في العراق.

مازال الغموض يكتنف سبب تقدم السعودية بمثل هذا الاقتراح كما لم يجر الكشف كليا عن تفاصيله. على سبيل المثال ما إذا القوات الإسلامية المتعددة الجنسيات ستحل لاحقا مكان القوات المتعددة الجنسيات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة. يبلغ عدد الجنود الأجانب المتمركزين حاليا في العراق 160 ألف جندي بينهم 140 ألف جندي أميركي. كما انه غير واضح نوع القرار الذي سيدعو إلى نشر قوات إسلامية في العراق وكذلك الجهة التي سيصدر عنها. إن أسهل الأمور لو أن هذا القرار يصدر من قبل مجلس الأمن الدولي وهذا سيبرر مسعى حكومات الدول الإسلامية المعنية للتجاوب مع الرغبة بنشر قوات إسلامية في العراق. يذكر أن ليس هناك دولة إسلامية واحدة لها جنود في العراق تحت القيادة الأميركية لأن جميع دول العالم الإسلامي أعلنت رفضها لحرب العراق.

وكانت جهود العالم الإسلامي قد تعرضت إلى فشل ذريع في التسعينات حين طلبت إيران إيفاد جيش إسلامي إلى البلقان المحترق لحماية مسلمي البوسنة والهرسك. لكن في حال تحقيق الاقتراح السعودي وحصوله على إجماع من قبل الدول المستعدة للمشاركة في تنفيذه يكون العالم الإسلامي قد اتفق لأول مرة منذ عقود طويلة على مهمة مشتركة هدفها فرض الأمن والاستقرار في إحدى دوله أو على الأقل تهدئة أعمال العنف في أراضيه. كما يمكن أن يتحقق نجاح المبادرة السعودية إذا تخلت الدول المعنية عن جعل مصالحها الخاصة فوق مصلحة العراق وشعبه.

إن العنصر الإيجابي في الاقتراح السعودي أن المشاركة في مهمة نشر قوات إسلامية في العراق لن تكون لها صفة منفردة بل ستكون باسم العالم الإسلامي. وهذا سيقطع الطريق على المنتقدين قدر المستطاع. كما ستجري مراقبة رد فعل إيران بصورة خاصة على الاقتراح السعودي لأنها لن تستطيع هضمه بسهولة لأن إيران معنية بمصير شيعة العراق ولا يريحها أبدا أن تمسك قيادة سنية بزمام الأمور في هذا البلد الذي يشكل الشيعة العدد الأكبر من سكانه. ومن المؤكد أيضا أن الإرهابيين في العراق سيتعرضون لجنود من دول إسلامية، ففي الأشهر القليلة الماضية خرق هؤلاء الكثير من المحرمات واختطفوا دبلوماسي من دولة إسلامية كما قتلوا رهائن مسلمين. استغل علاوي هذا التطور ليدعو العالم الإسلامي خلال وجوده في مدينة جدة إلى محاربة من وصفهم بعصابات الإرهابيين. قال علاوي أيضا إنها حرب دولية، بمعنى أنها في حال استمرت أعمال العنف في العراق فإنها ستمتد إلى دول مجاورة مثل السعودية وسورية ولبنان، وهكذا لن يصبح بوسع أحد الشعور بالأمن على حد قول رئيس الوزراء العراقي الذي يسعى بدوره لكسب اعتبار بين كبار المسئولين العرب وخلع سترة السي آي إيه

العدد 714 - الخميس 19 أغسطس 2004م الموافق 03 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً