العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ

أعترف أننا شعوب مجترَّة لتجارب تلقى التأييد لاعتبارات إيديولوجية

وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى لـ «الوسط»:

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

خلال تغطيتها لفعاليات موسم أصيلة الثقافي في دورته 26 الذي اختتمت فعالياته في 15 أغسطس/ آب الجاري، التقت «الوسط» وزير خارجية المغرب وأمين عام منتدى أصيلة الثقافي محمد بن عيسى، إذ استقبلنا بمكتبه بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بالبلدة القديمة والتاريخية لأصيلة، وخصنا بمقابلة.

وعلى رغم الطابع الثقافي للمقابلة، فإنه في كثير من الأحيان التقى فيها الشأن الثقافي بالهم السياسي، إذ امتدت المقابلة لتشمل العلاقات العربية الأميركية، وتأثير النزاع العربي الإسرائيلي عليها، والوضع الإفريقي، والنزاع في الصحراء.

بالإضافة إلى ذلك شمل الحديث مستقبل أصيلة ورؤيته لهذا الموسم بعد دخوله السنة الأولى من اليوبيل الفضي، ومراكز الأبحاث الإفريقية والأميركية التي يرشح الكثير من رجالات السياسة والفكر بلدة أصيلة على ساحل شمال المغرب الأطلسي مقراً لها.

وهنا الحوار مع وزير الخارجية المغربي.

في هذه الدورة يدخل موسم أصيلة الثقافي الدولي سنته الأولى بعد ربع قرن، كيف يقيّم أمين عام المنتدى هذا المشوار؟

- أعتقد أن الموسم السادس والعشرين لأصيلة، أي السنة الأولى بعد اليوبيل الفضي، أثبت أن أصيلة الآن يحلق بالسرعة المطلوبة، وأنه ركب محطة الاستمرارية، علما أننا باستمرار نسعى إلى التجديد، التجديد بمعنى الاستجابة لمستجدات في الفضاءات الثقافية في العالم، وانشغالات النخبة وانشغالات الشعوب، بحيث كل عام تطرح قضايا هي من صميم قضايا الحداثية، التي تعنى باهتمام النخبة السياسية، وكذلك النخبة المفكرة والتي لها تأثير مباشر على تطور الحوادث، وتطور الشعوب، هذا العام أضفنا حلقة جديدة إلى عقد مشروع أصيلة الثقافي، والحلقة هي الملتقى الأول لسينما الجنوب، والذي - والحمد لله - كان حقيقة ملتقى ناجحا، وأعطى نفسا جديدا للفاعلين والمهتمين بسينما الجنوب، وأعني بسينما الجنوب، سينما أميركا اللاتينية وإفريقيا والوطن العربي وآسيا، وبطبيعة الحال، هذه البداية، ونأمل أن يتطور الموسم ليصبح لأصيلة دور آخر جديد في قطاع مهم من قطاعات الفنون التي لها اتصال مباشر بهموم ومشاغل الشعوب، وأقصد الأغنية والفيلم، وأعني بذلك الفن، إذ إنهما القطاعان اللذان لهما اتصال بكل شرائح المجتمعات.

هذا العام كذلك زرعت بذرة جديدة في حقل موسم أصيلة الثقافي الدولي، وهي الدعوة التي جاءت من المشاركين في ندوة «إفريقيا والآمال الضائعة»، إذ دعا المشاركون إلى إقامة معهد إفريقي للثقافة والتنمية، ورفعوا هذه المبادرة (الاقتراح) إلى عاهل البلاد اعتباراً للاهتمام الخاص الذي يوليه لتعاون الجنوب جنوب من جهة، وللاهتمام الأكثر خصوصية الذي يعيره إلى إفريقيا التي نحن جزء لا يتجزأ منها. نحن الآن سنبدأ انطلاقا من شهر سبتمبر/ أيلول في وضع برنامج الموسم المقبل، وأنتم تدركون أن زخم المواد والعدد الهائل من المشاركين لهذا العام، إذ شارك أكثر من 400 مشارك من مختلف التوجهات ومن مختلف الاهتمامات السياسية والاقتصادية والفكرية، وكذلك كان هناك باحثون أكاديميون وإعلاميون، ومبدعون وفنانون. أظن أننا في هذا العام الأول بعد اليوبيل الفضي، سنبدأ في استشراف طريق جديد، طريق تؤسَّس فوقه مشروعات جديدة لتفعيل حوار الثقافات وتفعيل التشاور فيما بين النخبة، ولكن أكثر من ذلك نأمل إن شاء الله أن نفعل كذلك هذا التواصل في ندوات يتم تنظيمها خلال السنة، وخصوصاً أنه دشنت الآن مكتبة الأمير بندر بن سلطان التي تعتبر الأكبر من نوعها في المغرب، بالإضافة إلى توافر أصيلة على التجهيزات والبنى التحتية لأية مشروعات ثقافية.

في ندوة «العرب وأميركا وجهاً لوجه» لاحظنا التداخل السياسي والثقافي، وتداخل المتناقضات بين الشخصيات الحاضرة وتوجهاتها، كيف تقيّمون هذا الأمر وخصوصاً أنكم جمعتم في السنة الماضية بين السفير الأميركي السابق لدى تل أبيب، مارتن أنديك ووزير الثقافة الإيراني السابق عطاالله مهاجراني، كيف تقيّم ذلك؟

- نحن لم نجمعهما في الواقع، هما التقيا في هذه الندوة، وهذه هي ميزة أصيلة. أصيلة هي الأرضية التي يلتقي فيها المثقفون والمختلفون، وربما المختلفون أكثر من المثفقين، لا يمكن أن يكون حواراً جدياً وهادفاً بين ناس يتفقون على كل شيء، الحوار يعني أن يكون التواصل فيما بين أضداد لهم أطروحات تختلف عن بعضها بعضاً، إن لم تكن في العمق يمكن في التناول، وما حصل في هذه الندوة، هو ما يحصل في ندوات أخرى من قبيل «العرب والأميركان وجها لوجه» بطبيعة الحال جاءت في وقت معين، الحرب في العراق، المعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني أمام آلة الحرب الإسرائيلية، والتوجهات الاستراتيجية الجديدة المطروحة من لدن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن حلف شمال الأطلسي، كل ذلك أعطى لهذه الندوة طابعا خاصا، بحيث لم يكن الحديث تنظيرياً بمعنى النظري بقدر ما كان حديثا واقعيا، والمناقشات كانت تتسم أيضا بالتنبؤات والتوقعات، وأظن أنه كان مفيدا أن يستمع الواحد إلى الآخر في قضايا محددة تتعلق مثلا بقدرة العرب على التأثير في الفضاء السياسي والفكري الأميركي، وتبين لنا للأسف الشديد أن معرفتنا المؤسساتية بالولايات المتحدة هي معرفة تحتاج إلى استكمال، وتحتاج إلى دراسة معمقة، طرح مثلا موضوع القرار الأميركي، كيف يتخذ القرار الأميركي في الولايات المتحدة؟ دور الكونغرس، دور مجلس الأمن القومي الأميركي، دور المؤسسات الأخرى الفاعلة في القرار السياسي وكذلك دور المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية.

فالندوة إذاً خلصت إلى أنه لابد للعرب وليس فقط السياسيين والحكومات، بل المجتمع المدني العربي أن يعي جيدا حقائق الأمور، لكن الأكثر من ذلك كيفية التعامل مع الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى في العالم، وكذلك كيف يمكن تفعيل العلاقات العربية العربية، والعلاقات العربية الأوروبية باعتبار أن الاتحاد الأوروبي يلعب دورا مهماً في ترشيد استراتيجيات والأطروحات الاستراتيجية المطروحة الآن، التي هي حقيقة لم يتم بعد اعتمادها بالطريقة التي طرحت بها.

في الندوة نفسها لاحظنا شبه محاكمات للطرفين، وجلد للذات في بعض الأحيان خصوصاً من قبل المشاركين العرب، ما رأيكم في هذه الظاهرة؟

- في الحقيقة هذا ليس بالأمر الغريب، للأسف الشديد في الماضي كانت غالبية الندوات محاكمات، اليوم قل ذلك، وأعتقد أن في كثير من الأحيان بعض الأطراف ينشرون همومهم وإحباطاتهم التي هي في الحقيقة مشروعة في هذه المناسبة، وأعتقد أن عادة جلد الذات - للأسف الشديد - أصبحت سلوكا وفي نظري هروبا إلى الأمام، ليست هناك منظومة سياسية خالية من النقص، ونحن يجب أن نقدر أننا شعوبا مجترة لتجارب الماضي التي كان البعض يؤيدها ويدعمها لاعتبارات أيديولوجية معينة، وتبين أن ذلك لم يكن سليما ولم يؤدِ بنا إلى ما كنا نتطلع إليه.

جل المتدخلين اتفقوا على أنه ما يفسد العلاقات العربية الأميركية هي قضية فلسطين التي تعتبر حجر العثرة أمام أي تطبيع عربي أميركي حقيقي، فإذا حلت هذه القضية لن تكون هناك أية عداوة بين المنظومتين العربية والأميركية، وبين الشعبين.

- في الواقع، إن الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو فعلاً حجر الزاوية في العلاقات العربية الأميركية، وهذا الأمر ليس جديدا، وهذا الكلام قيل عدة مرات، ومن قبل عدة منابر، والأميركيون يعرفون ذلك جيدا.

الآن، كيف يمكن تخطي ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب على الحكومات وعلى المجتمعات المدنية العربية أن تجد جوابا له. فالمؤسسة الإسرائيلية في الولايات المتحدة هي متجدرة وفاعلة، واليهود في الولايات المتحدة هم جزء من المنظومة الأميركية بكل فروعها وكل منابرها، وللأسف الشديد هذا ليس وضع العرب في أميركا، وقد سمعتم بعض النقض من بعض المشاركين الأميركيين من أصل عربي، هذا جانب. جانب آخر أيضا هو كيف يمكننا الوصول إلى توصيل وجهات النظر العربية بطريقة تتلاءم مع الأسلوب الأميركي في فهم الأشياء، فأميركا حضارة جديدة حقيقة، ومجتمع جديد يختلف عن كل مجتمعات العالم، والمنظومة السياسية الأميركية هي أيضا منظومة تختلف عن كل المنظومات السياسية في العالم، ومنابر السلط في أميركا، تختلف أيضا عن منابر السلط في العالم، وإن كان لابد الاعتراف بأنه ليس كل الأميركيين في اتجاه واحد، هناك كثير من الأميركيين سياسيين ونواب في الكونغرس والمؤسسات الأميركية والأكاديمية في أميركا لا يتفقون في كثير من الأحيان مع سياسات بلادهم، لكن السياسة في الحقيقة هي إفراز لحصيلة السباق، فمن يصل أولا وفي الوقت المناسب وبالحصان المناسب يكسب، وعادة «إسرائيل» والإسرائيليون يصلون إلى مراكز القرار الأميركي قبل العرب، وهذا شيء يجب الاعتراف به.

فنحن في الحقيقة، وكما كان يقول الحسن الثاني، «نسوق في كثير من الأحيان من دون المرايا العاكسة التي نرى فيها ما حدث في خلفنا»، فنحن يجب أن ننظر إلى الوراء، إذ نأخذ العبرة من بعض أخطائنا، أو على الأقل ننظر إلى بعض التصورات التي كانت لدينا في التعاون مع الولايات المتحدة، ولم تحقق النتائج المرجوة منها.

خلال ندوة «العرب وأميركا» دعوتم إلى إنشاء مركز للأبحاث الأميركية على غرار عشرات مراكز الأبحاث العربية في الولايات المتحدة، ألا تعتقدون أن أصيلة مؤهلة أكثر من غيرها لاحتضان هذا المركز؟

- هذه الفكرة طرحت في أصيلة منذ أكثر من عشر سنوات، وكان هناك مشروع لإقامة مركز للدراسات الأميركية، وكما هي العادة - للأسف الشديد - قامت أصوات تتهم الداعين إلى إقامة هذه المؤسسات بأنهم عملاء للأميركان والصهيونية و«السي أي إيه» و«الموساد»، إلى غير ذلك من الخطابات التي في الحقيقة ابتذلت ولا معنى لها في الواقع.

طرح إقامة مركز للأبحاث أعيد طرحه من جديد في هذه الندوة، ربما ما يجب القيام به هو إقامة مركز للدراسات العولمية (غلوبلزايشن)، لأن أميركا هي متزعمة للمنظور العولمي في العالم. فكلمة «غلوبلزايشن» اخترعت في أميركا، وكثيرون من يقولون إن المرحلة الثانية من العولمة، بعد عولمة العالم هي «أمركة العالم»، تماما كما حدث في القرن التاسع عشر، حينما كانوا يتحدثون عن تحديث العالم، في الواقع كانوا يتحدثون عن «أوربة» العالم، فكثير من الشعوب غيّرت من ملابسها وعاداتها وتقاليدها وتعلمت لغات جديدة، وأدخلت تعديلات على أنظمتها في الحكم، بسبب التأثير الأوروبي عبر الاستعمار. الآن نرى أن العالم بدأ يأخذ الكثير من الظواهر والعادات من الولايات المتحدة سواء في برامج التعليم أو المراكز الأكاديمية، وكذلك الآليات السياسية والانتخابات، حتى صارت الكثير من الحملات الدعائية الانتخابية في العالم متأمركة، وهو ما نراه مثلا في المناظرات التلفزيونية.

من هنا، فأنا أرى أن هناك ضرورة لإقامة مركز أو مراكز للدراسات العولمية، لنستشف مستقبلنا من منطلق علمي قائم على الواقع، وعلى الممكن، وألا نبقى حقيقة في الكثير من الأحيان فريسة لبعض التطورات ولبعض ما تمخض في ثقافتنا نحو بلد أو آخر. فالعالم يتغير بسرعة كبيرة، ونحن مطالبون بأن نتغير، ومطالبون بأن نركب قاطرة هذا القرن 21 من موقع عولمي. فالحدود بدأت تتلاشى، والعالم بات يتجمع في كيانات عملاقة وهي كيانات اقتصادية وثقافية وسياسية واستراتيجية، نراها في أميركا اللاتينية، نراها في الاتحاد الأوروبي، نراها في شرق أسيا، في مجلس دول التعاون الخليجي. كما يجب علينا تجاوز المشكلات والنزاعات الخرافية المفتعلة، التي كانت تتماشى مع مزاج بعض الأشخاص وبعض الإيدلوجيات التي كانت سائدة في الماضي وتجاوزها الزمن والعالم الآن. لذلك، فنحن في عمليات اجترار في كثير من الأحيان، لكن يجب أيضا أن نقر أنه في العالم العربي حاليا جيل جديد، ترشده قيم تختلف عن قيم ما سبقوه، وله ارتباط بالحداثة، بأسلوب أكثر ديناميكية وأكثر فعالية وأيضا أكثر تكنولوجية إذا صح التعبير، وأعني بالتكنولوجية أن شبابنا الآن بات يتقاسم مع شباب العالم الكثير من أوجه التطور، وهذه أمر جيد، إذ سيساهم في التحاور مع الآخر، وهذا ما كان ينقصنا في الماضي، لأننا كنا في الكثير من الدول العربية أمام خيارين إما مع أميركا أو مع المنظومة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفياتي، هذا الأمر لم يعد قائما الآن، وهذا لا يعني كذلك أن يرتمي الإنسان في أحضان الأميركان، ولكن يعني أن أميركا حقيقة واقعة، ودولة عظمى يجب التعامل معها لأسباب معروفة، وبالتالي يجب أن يكون هذا التعامل والتعاون قائما على العلم والمعرفة، وليس على العواطف والإحباطات.

كما أشرتم في إجاباتكم، تقرر إنشاء مركز للأبحاث الإفريقية، والذي تزامن مع الرؤية المغربية الرسمية للتعاون مع البلدان الإفريقية والتي تمثلت بالأساس في جولة محمد السادس الإفريقية، ألا تخشون وسم موسم أصيلة بالرسمية؟

- أجل، كنا أول مؤسسة ثقافية عربية تعنى بتفعيل التواصل والتحاور مع البلدان الإفريقية، وأقمنا في بداية الثمانينات المنتدى العربي الإفريقي الذي كان يترأسه الرئيس السنغالي السابق الشاعر ليوبود سانغور وولي العهد الأردني أنذاك سمو الأمير الحسن بن طلال، ونظمنا عدة لقاءات، وجاء إلى أصيلة كبار القوم من كل الدول الإفريقية إذ التقوا أشقاءهم العرب، وكذلك مفكرين ومبدعين آخرين من العالم. وأصيلة أقامت لإفريقيا ما لم يقمه أحد في أي مكان في العالم، أول جائزة للشعر الإفريقي وتحمل اسم شاعر عظيم من جمهورية الكونغو برزافيل تشيكايا أوتامسي، إضافة إلى هذا وذاك فالمغرب دولة إفريقية، وتذكرون أن الحسن الثاني وصف في كتابه «التحدي» المغرب بأنه «كالشجرة التي تتعمق جذورها في إفريقيا وتتدلى أغصانها على أوروبا والغرب». والملك محمد السادس منذ توليه العرش منذ 5 سنوات تلقى أولى الزيارات لبلاده من قبل رؤساء أفارقة من موريتانيا والسنغال، إذ ان هذا التفعيل قائم بين المغرب وأشقائه الأفارقة، بحيث أن وزراء الخارجية الأفارقة دائمي التردد على المغرب. إضافة إلى ذلك، نحن عضو في مجموعة «سين صاد» وتربطنا بكل الدول الإفريقية علاقات قوية، وبرامج تعاون متعددة، ونستضيف سنويا في المغرب أكثر من 6000 طالب من إفريقيا جنوب الصحراء ممنوحين من الحكومة المغربية، ويدرسون في مختلف جامعات ومعاهد المملكة العليا. أصيلة حقيقة هي جزء من المخاض الذي تعرفه قارتنا، وبالتالي لا يمكن أن توصف أنشطتها بالرسمية، فمن الأكيد أن تكون للجولة الأخيرة التي قام بها عاهل البلاد أكدت من جديد العمق الإفريقي للمغرب، وأكدت أيضا الدور الطلائعي الذي يلعبه المغرب، فإذا كان المغرب يلعب هذا الدور على مستوى الملك، فنحن جزء من هذه المؤسسة، وأصيلة بلد مغربي وعربي وإفريقي، فبالأحرى بنا أن نستجيب إلى ما يدعو إليه قادتنا لتكريس قواعد التعاون والشراكة الإفريقية، وكذلك توفير سبل البحث والدراسة في قضايانا. نحن لا يمكننا أن نحل قضايانا فقط بالجدليات، علينا أن نقوم بالدراسات اللازمة والأبحاث الضرورية، وأن نوظف هذه الأبحاث وهذه الدراسات في مساعدة الحكومات والقطاع الخاص من اقتصاديين ومجتمعات مدنية في إفريقيا.

لكن البعض قد يقول إن أيام أصيلة الإفريقية المعدودة في صيف كل سنة، لا يمكن أن تملأ غياب المغرب الرسمي لمدة 20 سنة عن الساحة الإفريقية من خلال انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً، الاتحاد الإفريقي حاليا.

- المغرب لم يكن أبدا غائبا عن إفريقيا، أنت لا يمكن أن تعتبر ذراعك بعيدة عن جسمك، فهي جزء من الجسد، فالمغرب بلد إفريقي، ولم ينقطع أبدا اتصالنا بأشقائنا في إفريقيا، فنحن فقط لسنا عضوا في منظمة واحدة من المنظمات الإفريقية الكثيرة، وكان انسحابنا من منظمة الوحدة الإفريقية لأسباب معروفة، نحن لم نقبل ولن نقبل أن نكون عضوا في مؤسسة تعترف بكيان لا تتوافر له أية شروط سيادية، أو شروط الدولة، فما حصل سابقة خطيرة، ستدفع إفريقيا ثمنها غاليا إن لم تصلح في أقرب الآجال، لأنه لا يعقل أن أية منظمة أو حركة انفصالية تعبر حدود بلد يعني المغرب إلى بلد آخر يقصد الجزائر ويعترف بها كدولة، فهذا أمر غير معقول، والدليل على ذلك أن هذا الكيان الوهمي، الذي هو عضو في الاتحاد الإفريقي لا تعترف به أية دولة أوروبية، ولا أية دولة أسيوية، ولا أية دولة عربية باستثناء الدولة التي توجد على أراضيها، ولا حتى منظمة الأمم المتحدة، أو أية منظمة متخصصة في منظمات الأممية، والأدهى من ذلك أن ثلثي الدول الإفريقية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لا تعترف بهذا الكيان، إذ إن من بين 59 دولة أعتقد أن هناك قرابة 40 دولة لا تعترف بهذا الكيان، وهي أعضاء معها. فالأمر واضح، نحن دولة مسئولة ونتمسك بالشرعية، بالشرعية في كل عمل، ولا يمكننا أن نساهم في تفعيل قرارات تتخذها أقليات في ظروف غير سليمة، ونقول كان يا مكان والسلام، فهذا غير مقبول وغير معقول.

وصدقني إذا قلت لك: ليس هناك أي تأثير على الإطلاق على علاقات المغرب الإفريقية، وليس هناك غياب للمغرب عن الساحة الإفريقية، والدليل على ذلك الاستقبال الهائل التاريخي التي استقبلت به الشعوب الإفريقية الملك محمد السادس في الدول الإفريقية الخمس، التي زارها خلال جولته الإفريقية ليس لكونه رئيس دولة وأميراً للمؤمنين وقائداً رائداً له كل المواصفات الدينية والروحية والسياسية التي يتمتع بها.

بما اننا نتحدث عن إفريقيا، ونحن نعلم أن أصيلة مدينة الحوار والنقاشات، وجمعت الكثير من المتناقضات السياسية والفكرية سابقا، هل يمكن أن نتصور أن أصيلة تستقبل بعض مسئولي جبهة البوليساريو أو المفكرين أو السياسيين المقربين من هذه الأطروحة وفتح نقاش تاريخي وجدلي عن هذه القضية التي تجمع الغالبية على أنها مصطنعة؟

- نحن كذلك، لا يمكننا أن نقوم بعمل يصبح مشجعا للحركات الانفصالية، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبوليساريو، هناك حركات انفصالية كذلك في إفريقيا، كحركة كازامانس في السنغال، الحركات الانفصالية في السودان، وفي عدد من الجهات الإفريقية، فالقارة الإفريقية تعيش الآن مأساة البلقنة، هناك تحركات في كثير من الدول لبلقنتها وخلق كيانات انفصالية، نحن ندعو إلى التواصل والالتحام وإلى الشراكة، وبالتالي فأي اجتماع أو لقاء مع أية حركة انفصالية هو في الواقع اعتراف بهذا الانفصال، وهذا مخالف تماماً لأهدافنا في أصيلة.

الداخل إلى أصيلة من جهة الشاطئ، قد يعتقد أن أصيلة أصبحت مقرا صيفيا للأمم المتحدة، بالنظر إلى أعلام كل دول العالم - باستثناء العلم الإسرائيلي - التي ترفرف على كورنيشها، ما قصة هذه الأعلام؟

- ببساطة، هذه أعلام الدول المشاركة في الدورة 26 الحالية أو التي شاركت في موسم أصيلة على امتداد الدورات 25 السابقة ، لا تنس أن اسم مهرجان أصيلة هو موسم أصيلة الثقافي الدولي، ومنذ أن بدأنا سنة 1978 بدأنا بدعوة المفكرين والمبدعين والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

أخيراً... معالي الوزير، هل يمكن للثقافة أن تصنع التنمية؟

- الثقافة لا تصنع شيئا، الثقافة وسيلة، والثقافة كما أجمع على ذلك العالم، كانت الحلقة المفقودة في معادلة التنمية، وأعني بذلك الحلقة / الإنسان، ففي كثير من المشروعات وفي كثير من الأطروحات في الماضي كان الاهتمام منصبا على الهياكل الاركازية، على الطرق والسدود والمطارات، وفي كثير من بلدان العالم نُسي الإنسان. نحن في أصيلة إذاً مع الثقافة بمثابة الجرس الذي يرن ليقول لواضعي القرارات: لا تنسوا الإنسان.

وهنا يحضرني الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديغول، الذي كان يجلس إلى جانبه دائما مانرو وكان وزيرا للثقافة، وسأله أحد الصحافيين يوما: فخامة الرئيس، كيف تُجلسون وزيراً للثقافة على جانبكم الأيمن، علما أن وزير الثقافة في الترتيب الوزاري لا يكون عادة في مقدمة الوزراء كالخارجية والداخلية؟ فرد ديغول بكلمته الشهيرة: مانرو وجوده يذكرني دائما بالبعد الإنساني للأشياء. فالثقافة هي هذه، الثقافة محك ومنبه وحلبة لتمخيض - إذا صح هذا التعبير - الأفكار والرؤى والخروج بتصورات تكون لها انعكاسات أكيدة على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلد.

وطبعاً، فأساس هذه الثقافة التي أتحدث عنها هي الحرية، بمعنى ليس قراءة الشعر في ندوة أو كتابة مقال هنا وهناك هو ما أعنيه. ما أعنيه هو أن يكون هناك فضاء يبحث فيه الناس ويتحدثون ويدرسون بكامل الحرية. أنا قلت دائما إن الحرية هي تمرد الإبداع، فمن دون حرية لا يمكن أن يكون هناك أي إبداع، سواء في الاقتصاد أو الثقافة أو باقي الشئون الاجتماعية

العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً