لم يجد عمال النظافة الذين استغنت عنهم بلدية المنطقة الشمالية في العام 2002 بعدما انتهت عقود عملهم المؤقتة ونتيجة خصخصة القطاع، سوى العودة مرة أخرى إلى مبنى «الوسط» لعرض معاناتهم مجدداً علها تجد أذاناً صاغية من المسئولين هذه المرة.
الوضع الذي عانوه أثناء عملهم في البلدية لم يكن أفضل من وضعهم الحالي، ولكنه أهون الأمرين، فكانوا يعملون في مهنة «مهينة وشاقة» على حد وصفهم، كما أن الرواتب التي كانوا يتقاضونها لم تكن تتجاوز مبلغ 100 دينار، لكن هذا ليس كل ما في الأمر، فعمال النظافة الذين نعود ابناءنا على احترامهم في مدارسنا وبرامجنا التلفزيونية، جراء الخدمة المهمة التي يقدمونها إلينا، عملوا من دون إجازات سنوية أو مرضية، كذلك ومن دون تأمين اجتماعي لمدة سنة كاملة، والتبعات لم تقف عند حد الأجر المتدني ولا الحرمان من الإجازة السنوية ولا العمل من دون حقوق تحميهم كالتأمين الاجتماعي، فكل هذا يمكن غض الطرف عنه ما إذا أعقبه أمن وظيفي، لكن الخاتمة التي ذيلت العمل تحت وطأة العقود المؤقتة كانت البقاء من دون عمل!
«القبول بوظيفة عامل نظافة جاء نتيجة وعود بوظيفة أفضل في المستقبل» هذا ما يؤكده جعفر سيدحبيب، ويزيد «قبلنا العمل في هذه الوظائف وبعقود مؤقتة على أمل أن نصبح موظفين حكوميين عن قريب، كما وعدنا المسئولون، غير أن كل تلك الوعود تبددت في الهواء.
المحسوبيات
وبحسب عمال النظافة فإن بعضهم عمل في البلدية من خلال (فتامين «واو»، كما تعودنا ان نطلق في التندرات كتعبير مجازي لـ «الواسطة»)، إذ يقول عباس عبدالعزيز: «عملت بعد حصولي على توصية من أحد معارفي، بعد أن عجزت عن الحصول على وظيفة في القطاع الخاص، فتدربت من خلال وزارة العمل والشئون الاجتماعية على السواقة الثقيلة، وبعد أن حصلت على الرخصة تقدمت إلى وظيفة في أماكن كثيرة ولكني لم أحصل على وظيفة، وفي البلدية قالوا لي انه لا يوجد في الوقت الحالي وظيفة سائق، ويمكنني العمل عاملاً وبعدها تحويلي إلى سائق، لكن بدل ذلك فصلوني من الوظيفة بعد أن أكملت عاماً في العمل».
ويتابع قائلاً: «بعد الموضوع الذي نشر في «الوسط» قابلنا وزير شئون البلديات والزراعة محمدعلي الستري واستمع لشرح مفصل عن مشكلتنا، وبدوره حول الموضوع إلى مدير إدارة الخدمات المالية والإدارية ببلدية المنطقة الشمالية (السابق) علي عليوي، ليتخذ اجراء في حقنا، لكنه نفى وجود أية وظيفة شاغرة في البلدية، وعلى رغم المراجعات المتكررة لهم فإننا لم نجد أية نتيجة تذكر».
يقاطعه سيدحبيب ليقول: «بعد مرور شهرين تقريباً على مقابلة الوزير اتصلت بي الوزارة من أجل مقابلة، وسألوني خلال المقابلة إذا ما كانت لدي وظيفة أخرى، فأخبرتهم بأني أعمل كبائع في محل تجاري في المالكية براتب شهري 50 ديناراً، فقال إذاً لا داعي للوظيفة فأنت لديك وظيفة، فأخبرته بأني متزوج ولدي ولد، فكيف اعيش بهذا الراتب؟ فطلب مني أن أترك أوراقي على أن يقوموا بالاتصال بي في وقت لاحق، وحاولت المراجعة لأكثر من مرة، ولكنهم لم يسمحوا لي بمقابلة المسئول في الوزارة».
مداخلة الإذاعة
«وفي إحدى المرات أجرت إذاعة البحرين مقابلة مع علي عليوي، واتصل بعض أهالي مدينة حمد يشتكون من غياب النظافة في المنطقة وكثرة الأوساخ، فقال عليوي في رده عليهم إن السبب يعود إلى نقص في الأيدي العاملة البحرينية بالبلدية، حاولت الاتصال بالبرنامج أكثر من مرة لتوضيح حقيقة نقص الأيدي العاملة وما حلّ بنا قبل النقص، ولكن لم أحصل على الخط ذلك بسبب انشغالها».
إلى ذلك، يؤكد العمال المفصولون أن البلدية وظفت عمالاً جدد وتجاهلتهم على رغم قِدم طلباتهم، كما زعموا وجود العمالة الأجنبية بديلاً لهم، بيد ان مدير عام بلدية المنطقة الشمالية محمد علي حسن نفى في حديثه لـ «الوسط» وجود عمالة أجنبية في بلدية المنطقة الشمالية بشكل قاطع.
وبالعودة إلى عبدالعزيز يقول: «قبل فترة نشر إعلان في الصحافة المحلية عن وجود وظائف شاغرة في بلدية مدينة عيسى، فقدمنا طلبات التوظيف أملاً في الحصول على وظيفة، فطلبوا منا أن نجلب لهم رسالة من بلدية المنطقة التي نتبعها ليتم توظيفنا، وبعد مراجعة بلدية كرزكان رفضوا إعطاءنا رسالة، وطلبوا أن نجلب لهم رسالة من بلدية مدينة عيسى، فخسرنا الوظيفة (...) تحدثنا مع عليوي وأخبرنا بنفسه عن وجود نقص في العمال في بلدية مدينة حمد، ولكن لم نحصل على وظيفة إذ إن كل مسئول يلقي المسئولية على الآخر».
المعاناة
وبحسرة يقول زميله في المهنة السابقة زهير حبيب: «عملنا في البلدية بعقود مؤقتة لمدة عام واحد، براتب 105 دنانير، لا يشمل علاوة مواصلات أو إجازات، وعلى رغم كل هذه المعاناة والوعود بوظيفة أفضل سرحونا من العمل في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2002 من دون ان يكترثوا بإيجاد بديل لنا أو التفكير في مصير أسرنا والبيوت التي نعيلها».
مردفاً «لو افترضنا بأن بلدية المنطقة الشمالية عجزت عن توظيفنا، فلماذا لا نوزع على البلديات الاخرى، فعلى سبيل المثال بلدية المنامة يعمل فيها عدد من الأجانب، فلماذا لا تعمد البلدية إلى إحلال العمالة الوطنية محلهم؟».
ومن جانبه، يقول جاسم حسن أحمد: «أواجه ظروفاً صعبة بعد تسريحي من العمل، فأنا متزوج ولدي طفلان، ولا يوجد لدي مصدر رزق، ما يضطرني إلى الاعتماد على البحر غير أن ذلك لا يكفي لتوفير متطلبات الحياة».
لماذا الاستثناء؟
فيما يتساءل سيدحبيب «جميع البلديات في المحافظات الخمس وظفت الكثير من العاطلين من أبناء المحافظة فيها، فلماذا لا تقوم البلدية الشمالية بذلك؟».
ما أثاره عمال النظافة المفصولون من البلدية نقلته «الوسط» إلى مدير عام بلدية المنطقة الشمالية محمد علي حسن، ليعلق على الموضوع: «يوجد في البلدية نوعان من العمال، النوع الأول هم العمال الذي يعملون بعقود عمل مؤقتة، أما النوع الثاني فهم الذين يعملون بعقود عمل دائمة، والبلدية كما هو الحال في وزارات الدولة لديها وظائف بعقود مؤقتة، وتم الاستغناء عن العمال بعد انتهاء الفترة المحددة في العقد، فعلى سبيل المثال لو تعاقد شخص معين مع جهة حكومية لمدة عام واحد فإن العقد المبرم بين الطرفين ينتهي بانتهاء هذا العام، والجهة الحكومية غير ملزمة بتجديد عقده، إذا لم تكن هناك حاجة إلى هذا الموظف أو لم توجد وظيفة يشغلها، فعمال النظافة الذين كانوا موجودين في العام 2002 كانوا يعملون قبل وجود الهيكل الإداري الجديد للبلدية الذي طبق في سبتمبر/ أيلول 2002، فليست لهم وظائف في البلدية ولا توجد حاجة إليهم، باعتبارهم لم يكونوا موظفين بعقود دائمة، كما أنه لا توجد وظائف لعمال نظافة في البلدية بعد إسناد مهمة النظافة لشركة خاصة».
البحرينيون والأجانب
ويواصل حديثه «في العام 2002 عندما أسندت خدمات النظافة إلى شركة خاصة تم الاستغناء عن 148 عاملاً بحرينياً و297 عاملاً أجنبياً، بعضهم التحق بشركة النظافة الجديدة، وبعضهم التحق بشركات خاصة، والموظفون الذين قضوا فترة تزيد على 10 سنوات أحيلوا إلى التقاعد الإلزامي طبقاً لنظام الخدمة المدنية رقم 202 الذي أصدره ديوان الخدمة المدنية في العام 2000 ويعرف ببرنامج التقاعد الإلزامي لموظفي الخدمات والأنشطة التي يتم تخصيصها أو إسناد خدماتها إلى القطاع الخاص، ووفقاً لهذا النظام فإن أية خدمة تقدمها جهة حكومية وتقرر هذه الجهة إسنادها إلى القطاع الخاص، فإن الموظف الذي قضى في الخدمة مدة تزيد على 10 سنوات يترك الخدمة إجبارياً ويتم تعويضه بامتيازات كثيرة، منها شراء 10 سنوات خدمة افتراضية وبالتالي سيكون لديه مكافأة إلى جانب راتبه الرئيسي كما يعطى راتباً عن كل سنة قضاها في الخدمة. وفي مقابل ذلك بقت مجموعة من العمال لا ينطبق عليهم هذا القانون باعتبارهم لم يكملوا 10 سنوات في الخدمة».
وزارة العمل تقر بعدم قانونية عقود العمل المؤقتة، فكيف تعاقدتم معهم بعقود مؤقتة؟
- العقود كانت موجودة قبل أن أتولى هذا المنصب، بالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من وزارات الدولة توظف بعقود مؤقتة. الوظائف المؤقتة تنتهي بانتهاء المدة المحددة في العقد وهو أمر قانوني معمول به في الوزارات والشركات، وهو أمر متفق عليه، فالعامل عندما يوافق على العمل بعقد مؤقت فإنه يعلم بأن فترة عمله تنتهي بانتهاء مدة العقد، فالجهة الحكومية ليست ملزمة بالبحث له عن وظيفة أخرى في مكان آخر
العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ