العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ

رفع مستوى المعيشة يحتاجإلى إرادة وإدارة قوية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما نتحدث نظرياً عن ضرورة رفع مستوى المعيشة، فإن الجميع يوافقون على ذلك ويطلقون التصريحات الجميلة التي سمعها المواطن كثيراً خلال السنوات الماضية. ولكن الأمر يتطلب أكثر من التأييد النظري، ويستوجب مشاركة جميع الأطراف المعنية - إن أمكن ذلك - في صوغ وتنفيذ مشروعات إصلاحية تصعد بمستوى المعيشة.

ولكي نخرج بوجهات نظر عملية فإن علينا ألا نقارن أنفسنا بدبي مثلا. فدبي مدينة جميلة وناجحة ونفرح لها، ولكن البحرين ليست دبي ولن تكون دبي. فالبحرين لديها مجتمع تتطور العلاقات فيما بينه، بينما يمثل المواطنون في دبي 15 في المئة، وقريباً سيصبحون أقل من 10 في المئة. ونحمد الله أن مدينة متطورة تنشأ بالقرب منا، نزورها ويزورها غيرنا وتستفيد الإمارة ويستفيد من يذهب إليها.

البحرين وضعها مختلف، والحلول يجب أن تكون مختلفة، وما يبدو مستحيلاً لن يكون كذلك مع الإرادة والثقة في الحل وفي من ينفذ الحل. فنحن نتحدث عن سنغافورة كثيراً، وذلك لأنها الأنموذج الأفضل بالنسبة إلى البحرين. ولكن بلداً مثل بريطانيا مرّ بتجربة مماثلة (من ناحية الجهد المطلوب لاصلاح الاقتصاد) في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي. مستوى المعيشة البريطاني كان يتدنى، واضطرت بريطانيا (العظمى) إلى أن تقترض من المصارف الدولية بعد أن كانت هي التي تُقرض المال. وفي العام 1979 تسلمت مارغريت ثاتشر رئاسة الوزراء وباشرت في خطة استراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد. فهي أول من بدأ مشروعات الخصخصة بالحجم الكبير والمؤثر، وواجهت النقابات - وهي أقوى نقابات عمالية في العالم - ولم تتنازل أمام الصعوبات. وفي الطريق حدثت أمور عدة... انخفض سعر الجنيه الاسترليني، وزادت المشكلات اليومية مؤقتا، الخ.

وفي العام 1983 أصبحت بريطانيا - للمرة الأولى في تاريخها - تستورد أكثر مما تصدر من السلع، وتم إغلاق المصانع والمناجم والمنشآت والمؤسسات العامة التي تعتمد على الاقتصادات القديمة، ما تسبب في ارتفاع البطالة مؤقتاً وارتفاع الأسعار بصورة شبه دائمة... ولكن وخلال عشر سنوات خرجت بريطانيا جديدة إلى الوجود. فبريطانيا التي كانت أضعف اقتصادياً حتى من إيطاليا، أصبحت حالياً أقوى من إيطاليا وأقوى حتى من فرنسا، ونموها يتصاعد وعدد العاطلين هو الأقل مستوى منذ الستينات من القرن الماضي.

خلف التغيير البريطاني وقفت «امرأة حديد» وإدارة قوية ورؤية واضحة لما يجب أن تؤول إليه الأوضاع. فثاتشر لم تواجه معارضة النقابات من خلال التشريعات فحسب، وإنما نشرت ثقافة شراء الأسهم، بحيث أصبح المواطن البريطاني يهتم بحركة البورصة أكثر من اهتمام آبائه وأجداده بحركة النقابات... إلخ.

لكي نرفع مستوى المعيشة، نحن بحاجة إلى شيء مشابه لما حدث في بريطانيا، وهو أيضاً مشابه لما حدث في سنغافورة، فالرؤية الواضحة تتطلب إرادة وإدارة قوية تستطيع أن تقنع أكثرية الأطراف المعنية، كما تستطيع أن تتحمل المتاعب الكثيرة قبل الوصول إلى الهدف المنشود.

مهما اختلف أو اتفق أحد مع المرأة الحديد ثاتشر، إلا أن الجميع كان متفقاً على أنها تؤمن بما تقول، وتنفذ ما تقول، ولديها قوة إقناع، كما كانت لديها قوة إجبار، ولديها قدرة في إدارة الأزمة، كما كانت لها قدرة على توحيد الجهود وتخطي العقبات.

الأطروحة التي تقدم بها مجلس التنمية الاقتصادية في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي قد تكون ممتازة، وقد تكون ناقصة وبحاجة إلى تطوير، ولكن حتى لو كانت ممتازة فإن الفكرة لن تتم ترجمتها من دون إدارة لعملية الإصلاح، مشابهة لما كان لدى سنغافورة وبريطانيا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً