العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ

الأبعاد الاستراتيجية التي حملتها نتائج الحرب على المنطقة العربية

حاول انور السادات ملء الفراغ الذي أحدثته وفاة عبدالناصر المفاجئة في الشارع المصري وذلك بأسرع ما يمكن والسير قدما في عملية التهيئة لحرب التحرير. اتخذ السادات قرار الحرب للتخلص من ضغط الجيش الذي كان ينتظر المعركة بفارغ الصبر، والضغط الشعبي العارم، ورد كرامته إلى جانب تحريك حال اللا سلم واللا حرب. حرب تحريك أراد السادات تلك الحرب أن تكون «حرب تحريك» وهكذا قرر السادات أن يخوض الحرب، وجرى الاتصال مع الرئيس السوري حافظ الأسد، واتفق معه على التنسيق بين الجيشين، لكي يجعلا الجيش الإسرائيلي يحارب على جبهتين في آن واحد ما يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي عسيرة. كان الجيش المصري في كامل قوته ومعنوياته واندفاعه الشديد، حتى بادر السادات بالاتصال بكيسنجر عن طريق القناة السرية، وأرسل مستشاره «حافظ إسماعيل» رسالة يعلمه فيها: 1- إن هدف مصر هو تحقيق السلام مع «إسرائيل». 2- إن مصر لا تنوي تعميق الهجوم، وتوسيع المواجهة. 3- إن مصر تطالب «إسرائيل» الإعلان عن قبولها مبدأ الانسحاب من الأرض المحتلة. 4- إن مصر توافق على حرية الملاحة في مضايق تيران. حول كيسنجر رسالة السادات إلى «إسرائيل» لكي تركز جهدها العسكري نحو الجبهة السورية، بسبب خطورتها، وقربها من العمق الإسرائيلي، لكن السادات واصل اتصالاته مع كيسنجر إذ بعث له رسالة أخرى يبلغه فيها استعداده لوقف القتال،إذا أعلنت «إسرائيل» استعدادها للانسحاب، مع ضمان حرية الملاحة في مضايق تيران وقناة السويس، وإنهاء حال الحرب معها وعقد معاهدة سلام بين الطرفين برعاية الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة الأميركية. أما كيسنجر فطلب من «إسرائيل»، تطوير الهجوم المضاد، وإحداث أوضاع جديدة في صالحها قبل انعقاد مجلس الأمن، الذي سعى كيسنجر إلى تأخير عقده لإتاحة الفرصة لـ «إسرائيل» لتحقيق مكاسب واسعة على أرض المعركة. وفي 61 اكتوبر خطب السادات في مجلس الأمة، مقدما مشروعا للسلام مع «إسرائيل» في وقت وضعت الولايات المتحدة كل ثقلها لدعم القوات الإسرائيلية بالسلاح، لمواصلة الهجوم المضاد. وطلب كيسنجر من «إسرائيل» حسم المعركة خلال 84 ساعة، وأعلن أمام مجلس الأمن القومي الأميركي أن الجيش المصري على حافة كارثة، إلا أنه لا يريد أن تتحول كارثة على أنور السادات. وفي ظل تلك الظروف البالغة الصعوبة بالنسبة إلى الجيش السوري، بدأ موقفه يضعف شيئا فشيئا أمام القوات الإسرائيلية، على رغم إسراع الاتحاد السوفياتي إلى تعويض خسائره من الأسلحة الثقيلة والمعدات، مبديا استعداده إلى إرسال 3 فرق مدرعة، محمولة جوا إلى سورية، إذا ما أقدمت «إسرائيل» على مهاجمة دمشق. دور العراق لم يبلغ حكام العراق بقرار الحرب، فقد كانت العلاقات العراقية المصرية، والعراقية السورية على أسوأ حال، مع ذلك أرسل العراق عددا من أسراب طائراته الحربية إلى مصر، إذ شاركت منذ اليوم الأول من الحرب فوق قناة السويس، واستشهد عدد من الطيارين العراقيين في المعركة. كما سارع العراق إلى الاتصال بالاتحاد السوفياتي، طالبا منه الضغط على إيران «الشاه» لكي لا تستغل سحب قطعات من القوات العراقية وإرسالها إلى سورية، وفعلا وجه الاتحاد السوفياتي تحذيرا إلى إيران من مغبة استغلال الظروف، والاعتداء على العراق، وحرك السوفيات بعض قطعاتهم الحربية نحو الحدود الإيرانية. وهكذا تسنى لحكام العراق إرسال المزيد من القوات العراقية إلى سورية، ولعبت تلك القوات دورا مشهودا في إيقاف زحف المدرعات الإسرائيلية نحو دمشق، وأمنت لها الحماية، بعد أن تعرضت لخطر كبير. غير أن الذي حدث بعد ذلك، هو أن السادات أعلن قبوله وقف إطلاق النار من جانب واحد، ومن دون استشارة سورية، متخطيا قرار التنسيق بين الجبهتين، ما جعل سورية بموقف صعب للغاية، إذ لم يعد بإمكانها الاستمرار بالحرب لوحدها، لعدم وجود توازن للقوى بينها وبين «إسرائيل»، ما أضطر الرئيس الأسد إلى القبول بوقف إطلاق النار. في ،22 صدر قرار مجلس الأمن رقم 833 بوقف القتال، وإجراء مفاوضات بين الطرفين المتحاربين، وتم ذلك بعد مشاورات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، إذ وصل هنري كيسنجر إلى موسكو وتباحث مع القادة السوفيات، وتم الاتفاق على صوغ القرار المذكور. إلا أن «إسرائيل» أخذت تخرق القرار وتحاول التوسع واحتلال المزيد من الأراضي، حتى تمكنت من تطويق مدينة السويس وعزل الجيش الثالث المصري في سيناء، ما أثار غضب السوفيات، إذ سارع الرئيس السوفياتي «برجنيف» إلى الاتصال بالرئيس الأميركي «نيكسون «، طالبا منه على الفور، وخلال ساعتين، إيقاف العمليات الحربية الإسرائيلية. استمرت «إسرائيل» في عملياتها العسكرية، وتوسعها، ضاربة عرض الحائط بقرار مجلس الأمن ما اضطر «برجنيف» إلى إرسال إنذار شديد اللهجة إلى الولايات المتحدة. وعلى الفور أمر « برجنيف» 3 فرق محمولة جوا بالتهيؤ للطوارئ، وتحرك أسطولهم في البحر الأبيض المتوسط. وفي 52 اكتوبر تقدم السادات بطلب إرسال قوات سوفياتية وأميركية مشتركة وفرض وقف إطلاق النار، وإعادة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها يوم صدور قرار مجلس الأمن، في 22 اكتوبر، وأيد الاتحاد السوفياتي الطلب ورفضته الولايات المتحدة. وردا على التحركات السوفياتية، أعلنت الولايات المتحدة حال التأهب القصوى في القوات المسلحة لدرجة ،3 ووضعت القوات الاستراتيجية في حال الإنذار، وأخطرت الفرقة 28 المحمولة، والموجودة في ألمانيا الغربية بالاستعداد للحركة، وتم توجيه حاملة الطائرات «روزفلت» في إيطاليا، وحاملة الطائرات «اندرس» في كريت، وحاملة الطائرات «جون كيندي» في المحيط الأطلسي، بالتوجه إلى البحر الأبيض المتوسط، وأعلن كيسنجر أن أخبار تحرك قواتنا ستصل السوفيات قبل وصول ردنا عليهم، ما يعني تحدي الولايات المتحدة للاتحاد السوفياتي. وهكذا بلغ التوتر بين المعسكرين أقصى درجاته، مهددا في أية لحظة بنشوب حرب لا يعرف أحد مداها، ولاسيما أن الترسانة النووية لكلا الطرفين باستطاعتها تدمير الجميع. نتائج الحرب نستطيع القول ان الدور الذي لعبه كسينجر هو دور خدم المصالح الاميركية والاسرائيلية بالدرجة الاولى، بل ان ذلك انجلت آثاره في الصورة التي تبدو عليه سياسات المنطقة العربية والحال التي وصلت عليه. وتكون سياسة كسينجر واسلوب زياراته المكوكية التي ابتدعها بين طرفي النزاع العربي الاسرائيلي سببا في خلق توجه جديد على خريطة السياسة الاميركية بعد ان كسر مفهوم «لا حرب من دون مصر» و»لا سلم من دون سورية». وهو ايضا ما مهد إلى توقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام بين «اسرائيل» ومصر في نهاية السبعينات التي شهدت فيها تغييرات جذرية وملموسة على سياسات المنطقة العربية وخصوصا مع سقوط نظام الشاه في ايران بعد الثورة التي قادها الامام الخميني آنذاك ضد نظامه. ليس هذا فحسب، بل ان الموازين في المنطقة تغيرت من بعد حرب اكتوبر واتفاق السلام بين «اسرائيل» ومصر الذي ترك آثاره السلبية في فترة الثمانينات عبر مقاطعة الدول العربية وتحديدا الخليجية بتجميد علاقاتها الدبلوماسية مع مصر عدا سلطنة عمان والمغرب الا انها سرعان ما رجعت في العام .2891 غير ان هذا الاتفاق مهد فيما بعد إلى سن اتفاقات مماثلة مع دول عربية اخرى او فتح مكاتب للتمثيل التجاري والاقتصادي بصورة مباشرة او غير مباشرة. ايضا، ان الانكسارات السياسية والاقتصادية التي تحيط بالمنطقة العربية جعلتها في تحدى دائم مع شعوبها التي طالما ومازالت ترفض وجود «إسرائيل» ككيان مستقل في المنطقة العربية

العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً