العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ

مــــنازعات الأوقاف والأحكام الوضعية والشرعية

عبدالله محمد الفردان comments [at] alwasatnews.com

الوقف سبب من أسباب الملكية الناقصة التي لا تجتمع فيها ملكية الرقبة والمنفعة في يد واحدة، وفي وقت واحد، والأعيان الموقوفة ممنوعة من التداول الناقل للملكية حالاً أو مآلاً، أما منفعتها وثمرتها فهي للجهات الخيرية، عونا وبراً وتقوى وتقوية للروابط الاجتماعية، ونصرة للدين، وتدعيماً للصلات بين الأقارب بالمودة والمعروف، لكن انحراف الناس بأوقافهم والقائمين بأعمالهم عن الطريق التي رسمها الإسلام هو تعطيل لشريعة الله سبحانه وتعالي فكنا نهباً للمنازعات الشخصية وسحقاً من القوانين الوضعية التي طغت وزحزحت القوانين الشرعية وأسدلت الستار على منبعها الأصيل، فكنا نقول ولا يسمع لندائنا.

إن المبدأ الذي أرست دعائمه محكمة التمييز في حكم شهير أوضحنا معالمه في صحيفة «الوسط» يوم الثلثاء العدد 753 الصادر بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2004 نرجو من القارئ الكريم الرجوع إليه منعاً للتكرار، وباختصار شديد جداً أفتت محكمة التمييز في قولها: «اما أن يضع شخص يده على عقار غير مملوك له بدعوى أنه موقوف، وأنه ناظر عليه دون وقفه من مالكه الشرعي فلا يعتبر وقفاً مهما طالت مدة يد هذا الشخص عليه»، (طعن رقم 62/ 1993 الصادر بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1993).

وفي حكم شهير صادر من المحكمة الكبرى الشرعية الجعفرية ردت على المبدأ الذي أرست دعائمه محكمة التمييز بقولها: «القاعدة الشرعية هي حمل فعل المسلمين على الصحة وقد تعاملت الأجيال اللاحقة أخذاً من الأجيال السابقة مع هذا العقار موضوع النزاع مسلمين بوقفيته دون أي تردد أو أي اشكال أو ريب ونعتقد أن الأوائل الذين كانوا للإيمان أقرب وتدينهم أعمق أنهم يحاسبون أنفسهم من أن يتصرفوا فيما لا يملكون، وتدينهم يمنعهم أن يتعبدوا الله ويتقربوا إليه جل وعلا بأمور غير صحيحة وغير جائزة شرعاً، أضف إلى ذلك أنهم يعيشون مع العلماء رضوان الله عليهم، ومن المعلوم تاريخيا أن البحرين كانت مليئة بالعلماء الصلحاء الفقهاء لشدة ارتباط الناس بهم نعتقد أن تصرفهم كان بإرشادهم ويستند إلى تعليماتهم» (دعوى 14/93/164/1 بتاريخ 6 ذوالحجة 1415 هـ الموافق 6 مايو/ أيار 1995م).

وجاء حكم محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية مؤيداً لهذا الحكم برقم استئناف 15/1995/39/9 وقد أوضحت أسباب حكمها في تسع صفحات يصعب علينا نقلها حرفياً ولا يمكن اختصارها وتلخيص حكمها خوفاً من الوقوع في الخطأ غير المتعمد ما يتغير معه المعنى الصحيح لحكمها، ويكفي أنها أكدت حكم المحكمة الكبرى الشرعية في أسبابه ومنطوقه رداً على ما تناولته محكمة التمييز من أحكام هي هذا الموضوع بالذات ولنا رأي مغاير لما أرست دعائمه محكمة التمييز من أسباب في موضوع الأوقاف، ذلك أن مدير إدارة الأوقاف الجعفرية عون الخنيزي قد أوضح في التصريح المنشور في «الوسط» العدد 749 الجمعة 24 سبتمبر/ أيلول 2004م الموافق 9 شعبان 1425 هـ قوله إن بعض العقارات يصل تاريخ وقفها إلى ما قبل مئتي عام، ما يعني أن هذه الأوقاف كانت موجودة قبل القوانين الوضعية التي اعتمدت عليها محكمة التمييز، وأن هذه القوانين ليس لها أثر رجعي لتطبق على الأوقاف، ويكفي أن تكون هذه الأوقاف مسجلة في سجل السيدعدنان، وأن إدارة الأوقاف ناظرة عليها منذ ذلك الوقت المديد، وبذلك تكون الأحكام التي أصدرتها المحاكم الشرعية الجعفرية صحيحة في شأن الوقفيات وأسباب أحكامها سائغة وشرعية ولا مجال لتطبيق حكم التمييز في هذا الموضوع، ذلك أن أكثر القوانين الوضعية التي صدرت في بعض الدول العربية عاملت الوقفيات بصحتها سواء كانت سابقة على إصدار قوانينها أو لاحقة إذا وضعت إدارة الأوقاف يدها عليها دون منازعة. ويذكر أن جمهورية مصر العربية قد عاملت أوقافها القديمة الناشئة قبل صدور لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في 27 مايو 1897 التي أوجبت لأول مرة إجراء الإشهاد على الوقف لإثباته، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 815 جلسة 18 مايو 1977 والذي يتضمن الآتي: «إقرار ناظر الوقف واضع اليد على أعيانه بتبعيتها للوقف - إدعاء الغير بملكيتها - لا شأن له في المطالبة بكتاب الوقف أو بإشهاد عليه متى كان ناظر الوقف الواضع اليد على أعيانه - وعلى ما قضت به هذه المحكمة - مقرا بتبعيتها للوقف فلا شأن لمدعي ملكيتها في المطالبة بكتاب ولا بإشهاد على الوقف، وعلى هذا المدعي وحده تقديم الدليل المثبت لدعواه، وخصوصاً إذا كان الوقف قديماً يرجع إلى ما قبل صدور لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في 27 مايو 1897 التي أوجبت لأول مرة إجراءاتها على الوقف لإثباته».

ونتيجة لما سقناه من أقوال مدعمة بالأسانيد القانونية والشرعية فإن ما تثيره محكمة التمييز من أسباب يكون في مقام الإثبات وليس في مقام الثبوت، بما مفاده أن الوقف محل التداعي ثابت قبل صدور القانون المعول عليه من محكمة التمييز، وإذ كان ذلك فلا يحتاج إلى إثبات من محكمة التمييز، والثبوت قد حصل بالشيوع والشهرة وهو ما يسمى فقهاً بالاستفاضة والمراد بها شياع الخبر إلى حد يفيد السامع للعلم، وحيث كان الشيوع والشهرة لأوقاف إدارة الأوقاف الجعفرية قبل المسح العام الذي هو سابق على القوانين التي عولت عليها محكمة التمييز فإن الأحكام الشرعية التي صدرت - المذكورة آنفاً - هي أحكام شرعية صحيحة، وإذ خالفت محكمة التمييز حكماً شرعياً صحيحاً كان الأحرى بهذا الحكم وما ساقه من مبادئ اجتهادية إلا يطبق ضد الأحكام الشرعية وإلا خالف القانون بما تقتضي الضرورة إبعاده وتسجيل جميع أوقاف إدارة الأوقاف الجعفرية بأقصى سرعة ممكنة ويكفي ما فات من الوقت، كما عليها أن تحتمي بعلمائنا الاجلاء وبمشورتهم فهم خير زاد وهم مراجعنا علماً وعملاً وبهم نصول ونجول عند كل بلية ومن دونهم نتأخر ولانفلح، وإن الملك المفدى لن يخيب لهم طلبا، ولا يحرمهم عطاء تقتضيه الضرورة الملحة والمصلحة العامة بما يوجبه القانون والشرع الحنيف، وهذا ما تمنيته واقترحته مسبقاً في صحيفة «الوسط» العدد 753 بتاريخ 28 سبتمبر 2004.

جعلنا الله تعالى خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

محامٍ ومستشار قانوني

العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً