العدد 766 - الأحد 10 أكتوبر 2004م الموافق 25 شعبان 1425هـ

حصاد مئة يوم لعهد الرئيس الألماني هورست كولر

يفضل تجاهل المراسم ويحب الاستماع للمواطنين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

جلس الرئيس الألماني الجديد هورست كولر (60 عاما) داخل قاعة كبيرة بمدينة إيرفورت وعلى فمه ابتسامة عريضة، أقرب إلى علامة الرضا عن نفسه. فقد انتهى لتوه من قراءة كلمة مهمة بمناسبة دخول ألمانيا عامها الخامس عشر بعد إتمام الوحدة، وقال ما هو معتاد إن يقوله أب لولده بصورة وعد قاطع: «بوسعنا أن نقدم المساعدة، حين لا تملكون بأنفسكم القدرة أو في حال واجهتكم كارثة، ولكننا نريد فقط أن نقدم المساعدة للمحتاجين، وليس أولئك الذين يريدون استغلال الدولة طمعا في المزيد من المال».

وكان كولر يخاطب الشعب الألماني بعد أن استهل خطبته بلفتة جديدة، إذ قرّر مصارحة المواطنين الألمان كافة من حكام ومحكومين، داعياً الجميع إلى تحمل المسئوليات والثقة بالنفس بصورة أكبر كي يكتب النجاح لهدف قيام ألمانيا جديدة.

كانت هذه الرسالة المركزية التي تضمنها خطاب الرئيس الألماني الأخير والموجه إلى شعبه، دعاهم فيها إلى الكف عن مواصلة الاعتماد كثيراً على الدولة، وناشدهم إظهار الرغبة في الابتكار لهدف تحسين المكانة الاقتصادية لألمانيا في أوروبا والعالم، ووضع نهاية للجو السلبي السائد حالياً في البلاد بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وضعف ثقة المواطنين بإصلاحات سوق العمل التي أقرتها حكومة المستشار غيرهارد شرودر والذي ربط مستقبله السياسي بنجاحها.

ويبدو أن الرئيس كولر هو أحد أبرز مؤيدي إصلاحات سوق العمل التي تعرف باسم (هرتس خمسة) نسبة إلى صاحب الفكرة بيتر هارتس. وحين زار كولر إحدى المدن الصغيرة الواقعة في عمق ألمانيا الشرقية السابقة التقى بممثلين عن جماعة محلية تعارض إصلاحات سوق العمل وتشارك كل يوم اثنين بمظاهرات الاحتجاج التي مازالت تجري في عدد من المدن في شطري البلاد، لكنها بدأت تخف تدريجياً، إذ بدأ المواطنون الألمان يفهمون شيئاً فشيئاً أهمية هذه الإصلاحات على رغم المصاعب التي ترافقها وفقاً لتحليلات مصادر حكومية في برلين. وقال كولر أمام معارضي الإصلاحات: «ليكن في العلم أن الوضع في البلاد لن يتحسن من دون العمل بإصلاحات سوق العمل».

بيد أن الرئيس الألماني الروماني الأصل يوجه كلامه بصورة عامة إلى شعبه إلا أنه يقصد بصورة خاصة الألمان الشرقيين الذين يعيش معظمهم عالة على الصناديق الاجتماعية. ذلك أن التركة الصعبة التي ورثتها ألمانيا الغربية نتيجة إدماج ألمانيا الشرقية في نظامها ونتيجة خصخصة الشطر الشرقي فقد كثيرون من الألمان الشرقيين وظائف العمل، بينما كانت البطالة آفة غريبة على مجتمع اشتراكي يعمل بنظام الاقتصاد المسيّر. كما نتج عن الوحدة هجرة قوية من الشطر الشرقي إلى الغربي.

من جهتهم عبر الناخبون في الشطر الشرقي عن غضبهم حيال الأوضاع التي تسود مناطقهم إذ لا يلحظ المرء وجود مستثمرين من الداخل أو الخارج يتملكهم الحماس لتوظيف أموالهم في الشطر الشرقي. ففي ولايتي براندنبورج وسكسونيا نجح النازيون الجدد بدخول برلماني هاتين الولايتين ويخططون معتمدين على أصوات الألمان الشرقيين لدخول البرلمان الاتحادي حين تجري الانتخابات التشريعية العامة في الربع الأخير من العام 2006. وكان الحزب القومي الألماني(ان بي دي) الذي يعتبر نفسه خليفة الحزب النازي الذي تزعمه أدولف هتلر قد حقق مفاجأة أحرجت الألمان الغربيين في العام 1968 حين تمكن من الحصول على نسبة الخمسة في المئة التي تضمن دخول البرلمان الاتحادي، وكانت هذه المرة الأخيرة التي أفلح فيها النازيون الجدد باحتلال مقاعد في البرلمان الاتحادي.

ليس فقط المستشار شرودر تواقاً ليرى ألمانيا جديدة، ففي جولته الآسيوية حالياً يسعى لكسب ود الآسيويين لدعم رغبة ألمانيا بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، حالما يمر إقرار إصلاحات منظمات الأمم المتحدة وفي مقدمتها عملية الإصلاح التي سيخضع لها «نادي الكبار». وتعتبر ألمانيا نفسها أبرز المرشحين للفوز بمقعد دائم عندما يجري زيادة عدد الأعضاء الدائمين.

كذلك يسعى الرئيس الجديد كولر الذي أكمل مئة يوم في منصبه الجديد يوم الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى الدعوة للتجديد. وهذه أبرز السمات التي عبر عنها في خطاباته وتصريحاته منذ تسلمه منصبه في مطلع يوليو/ تموز الماضي خلفا للرئيس السابق يوهانيس راو.

يلاحظ المراقبون كيف أن كولر، المحسوب على الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض، يعمل منذ تسلمه منصبه بالترويج للإصلاحات التي أقرتها حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر ووافق عليها الاتحاد المسيحي المعارض. في حين تصدر بين فينة وأخرى مناقشات حول هذه الإصلاحات فإن الرئيس يستغل كل مناسبة ليدعو إليها ويؤكد أهميتها كما يحذّر من إبطاء عملية الإصلاح ويحث على اتخاذ خطوات إصلاح جديدة.

وينص الدستور الألماني على أن لا يتدخل رئيس الدولة بعمل الحكومة، وهو لا يصنع القرارات السياسية لكن يحتم عليه واجبه أن يوجّه. ويلاحظ المراقبون كيف أن كولر نجح بصورة سريعة في أن يحرّر نفسه من التهمة بأنه محسوب على الاتحاد المسيحي المعارض إشارة إلى أن زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل، التي تأمل الفوز بالمستشارية في العام 2006 هي التي اختارته ودعمته للفوز بمنصب رئيس الدولة. لكن كولر لم ينس أن المستشار شرودر تحدى الأميركيين وأصر على تعيين كولر في عقد التسعينات في منصب رئيس صندوق النقد الدولي IWF .

ويقول رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألماني لودفيغ براون ان كولر أبعد بحق عن نفسه تهمة أن يحسب على معسكر في مواجهة الآخر، وأنه حين يتحدث فإنه يخاطب جميع الألمان، ولا يشير إلى أنه ملتزم بايديولوجية محددة وانما يتحدث بصراحة وبطريقة يفهمها الجميع، كما ان لديه استعداداً كبيراً لسماع ما يقوله الآخرون.

وأثار الرئيس كولر في الشهر الماضي مناقشات صاخبة عقب نشر تصريحات له على صفحات مجلة «فوكوس» حين توجه إلى الألمان الشرقيين راجياً منهم أن يتفهموا الواقع الذي فرضته الوحدة بأن مستوى المعيشة في الشطر الشرقي يقل عن المستوى السائد في الشطر الغربي. ودافع كثيرون عن أقوال الرئيس مشيرين إلى أنه يقصد دعوة الألمان الشرقيين إلى تحمل مسئولياتهم والكف عن الاعتماد على دعم الدولة للنهضة بمناطقهم. وبعد عودته من واشنطن التي أمضى فيها ستة أعوام ظن كثيرون أنه تكنوقراطي. فقد سبق وأن شغل منصب وكيل الدولة بوزارة المالية ولم يتعاط السياسة على رغم انتسابه في وقت متأخر للاتحاد المسيحي المعارض. لكنه فاجأ الجميع بأنه متواضعٌ يحب سماع ما يقوله المواطنون، وغالباً ما يفضّل تجاهل المراسم كما يطلق النكات لإشاعة جو لطيف أينما حل. فحين استعد لإلقاء كلمته في ذكرى الوحدة بادر إلى مخاطبة الحاضرين: «إذا كان منكم من يشعر باضطراب فإني أقول له انني أشعر بالاضطراب أيضاً»!

وبينما أظهر كولر حتى اليوم ترفّعه عن الميل لحزب دون آخر، يعتقد البعض أنه لم يتطرق حتى اليوم إلى موضوعات من النوع الثقيل يكشف فيها عن قدرته على تحمل الواجبات التي يمليها عليه منصبه.

وفي العام المقبل سيقوم كولر بجولة إفريقية، كما سيتعين عليه إلقاء كلمة بمناسبة ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945. لكن كولر لن يكف عن الحديث في كل مناسبة عن أهمية إصلاحات الحكومة الألمانية، وهو بذلك يفوز برضا المستشار الذي يسعده أن رئيس الدولة يدعم حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة وإن كان بطريقة غير مباشرة

العدد 766 - الأحد 10 أكتوبر 2004م الموافق 25 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً