العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ

الطلسم الرباعي: الفقر... المركز... الخواجة... الحكومة...

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

اتسمت أجواء الانفتاح السياسي التي عمت البلاد منذ أكثر من عامين، بكونها أجواء نوعية مقارنة بالأجواء السياسية في الدول المجاورة، وشابت هذه الفترة لقطات أفسدت الصورة الجميلة في أذهان الجميع، كحادث استشهاد الشاب محمد جمعة، ويوم الجمعة الأسود، وما سبق فعاليات الفورمولا واحد وغيرها، ولكن الغاية التي يسعى إلى تحقيقها جلالة الملك يداً بيد مع شعبه مازالت سارية المفعول، الاّ أن أحداً لا يستطيع الزعم أن الشركاء في درب الهدف الواحد لا يمكن أن يختلفوا في مساراتهم، فإن همّ الوطن هم واحد، رسمياً وشعبياً، ولا مجال للمزايدة عليه.

وما ينشأ من اختلاف هنا أو هناك فيما يدفع به لصالح الوطن والمواطن يمثل برهاناً على أن الواقع السياسي القائم غير مبني على خوف المعارضة من السلطة والتبعية لها، ما ينفي اعتماد السلطة لغة النار والحديد في إدارتها لشئون البلاد، بل إن كلا الطرفين قادر على التعاطي في الشأن السياسي بأدواته وقناعاته، والمساهمة في رسم الخريطة السياسية للبلاد من منطلق واحد وهو المصلحة العليا للوطن والمواطن.

يمكن لهذا المقال أن يقدّم دعماً ومساندة لسمو رئيس الوزراء ويشدّ على اليد التي قبضت على المواطن عبدالهادي الخواجة، في الوقت ذاته يمكن له أن يشجب الموقف الحكومي المتسرع، ويبرئ ساحة الخواجة أو يبرر ما بدر منه ويلتمس له المعاذير، إلاّ أن مربط الفرس لا يكمن في هذه النقطة، وإنما في تقييم وتقويم السياسة الأمنية المتبعة ومعاييرها ومكوناتها، في عهد ما بعد «قانون أمن الدولة». فما يسود المملكة من روح ديمقراطية فتية وأجواء انفتاح ذات حرية طرية متنامية، يعد معطيات لابد أن تنال قسطاً من الرعاية والاهتمام، كي لا تنمو ديمقراطيتنا وأجواء الحرية في مجتمعنا مهجنة بعنصري الجزرة والعصا.

مشكلة الفقر

المفردات الاربع التي فرضها حادث نادي العروبة مساء الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، بحاجة الى وقفة موضوعية مجردة، والتقييم من خلال ملاحظة الجزء المملوء من الكأس لا الجزء الفارغ منه. فالفقر حال يعيشها المجتمع في البحرين بواقع نسبة مئوية تدل على أن ميزان العدل الاجتماعي لا يعمل بصورة صحيحة. وما ندوة سمو ولي العهد والكلمة التي ألقاها عن الواقع القائم في البلاد إلا شاهداً يثبت ذلك، ويؤكده ما جاء من طرح إحصائي علمي حقوقي مصور مسئول، في ندوة نادي العروبة.

والفقر ليس أزمة تحتاج الى خطة طارئة ارتجالية، بل هو مشكلة لها جذورها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولكي تجد طريقاً للحد من انتشارها فضلاً عن القضاء عليها، لابد من التفكير خارج المربع التقليدي الذي تركز عليه جميع الجهات الرسمية والشعبية على السواء. فمشكلة الفقر المدقع في مجتمع لا يتجاوز النصف مليون نسمة، في اقليم من أغنى مناطق العالم بالموارد النفطية، تعد لغزاً يخفي وراءه أسراراً مخنوقة، بل ويخنق من يحاول الوصول اليها.

المركز والجيوب الأنفية

مركز البحرين لحقوق الانسان، مؤسسة رائدة في مجالات الدفاع عن حقوق الانسان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمهنية وغيرها، وهي مؤسسة أهلية ترفد المشروع الاصلاحي وتعكس جانباً مشرقاً من اشراقاته، وهو يمارس نشاطاته علناً وجهراً، ويساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في منح المشروع الاصلاحي مناعة ضد الحساسية السياسية المفرطة المنتشرة في الواقع العربي كله. هذا المركز يتنفس من رئة المشروع الاصلاحي، وموت المركز أو توقفه عن التنفس، فيه دلالة على ان الرئة أصابها عطل أو ضرر. والخواجة مواطن ذو حساسية مفرطة في جيوبه الانفية، فاذا مرّ هو أو من على شاكلته على موقع تتناثر فيه رذاذات الابهرة، تكون أول ردود أفعاله «العطاس». وهو عندما رأى وعاين ولامس الواقع المر الذي يعاني منه المواطنون الفقراء، استجابت «الجيوب الانفية» التي تعمل عنده في حقل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بكلمات وتعبيرات تدل على أن التأثير الواقع عليه كان لا يحتمل.

وهنا لابد من ملاحظة أن الذي يجب أن تتركز عليه الانظار هو الواقع المأسوي والحال المزرية التي دفعته لهذا السلوك اللفظي، وليس الألفاظ ذاتها.

والحكومة مسئولة عن ادارة البلاد بطريقة ناجحة ومنتجة، واذا كان في قدرتها على رصد راصدي حركتها دلالة على حزمها، فإن في قدرتها على اثبات خطأ دعوى المدعين وتفنيد الشبهات المثارة حولها بالبرهان دلالة على كفاءتها واهليتها. ونحن نجد التفاعلات السياسية في البلدان الديمقراطية تدور رحاها حول أمهات القضايا التي يؤدي تراكم النقاش فيها الى صالح الوطن والمواطن. والحكومة لها حقوق وعليها التزامات تجاه مواطنيها تماماً كما للمواطنين حقوق وعليهم التزامات تجاه حكومتهم، والدور التقويمي واقع على الطرفين بصورة تبادلية.

ندوة الفقر

وقائع «ندوة الفقر» ترشحت عن فعالية سياسية اجتماعية حقوقية شعبية تناغمت في أهدافها وادواتها مع البرنامج الذي قاده سمو ولي العهد في الفترة ذاتها، على أن مخرجات مؤتمر القصر ومخرجات الندوة لا تأتي بصورة متطابقة تماماً، لأن مدخلات كل منهما تختلف في النوع والحجم والخطاب والادوات، إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين التوصيات والنتائج والخطاب بين ما هو شعبي وما هو رسمي. وهو الأمر الناشئ من طبيعة الادوار المنوطة بكل طرف. فالطرف الرسمي يخلص لنتائج وتوصيات تتناسب وموقعه التنفيذي الممارس لأدوات السلطة والحكم، والطرف المعارض يخلص لنتائج وتوصيات تتناسب وموقعه المراقب والمحاسب والناقد لمواقع الضعف والنقص والتقصير او القصور.

ما حدث في «ندوة الفقر» يعد موقفاً غير مرغوب فيه رسمياً، إلاّ أنه في الواقع «تمرين» للمجتمع على طريق الاصلاح والديمقراطية. فهناك عناصر أساسية تكوِّن المجتمع الديمقراطي رسمياً وشعبياً، تتمثل في المؤسسات المدنية والاهلية ذات الشرايين النابضة بهواجس الجمهور. لولا هذه العناصر لما تمكنت المؤسسات الرسمية من قياس هذا النبض. هذه المؤسسات يفترض بها أن تكون موقع اعتزاز الجهات الرسمية بكل ما ينبثق من رحم المجتمع الحقيقي الموحي بالصدق والشفافية من كل برنامج أو فعالية تنبع من مؤسسة أهلية أو شعبية. ودائماً ما أتذكر قراءة سماحة العلامة الشيخ الجمري للمشهد السياسي الملغم بالهاجس الأمني في الثمانينات والتسعينات، إذ كان دائماً يكرّر: «عجبي لهؤلاء كيف يتعاملون مع المدافعين عن الامن والاستقرار والتقدم في هذا البلد؟ ألسنا نحن بخطبنا وتوجيهاتنا ونشاطاتنا نساهم في تحصين المجتمع من الانزلاق في بؤر الفساد والرذيلة والانحراف الاخلاقي والديني والاجتماعي؟ ألسنا ممن لا يألو جهداً في الدعوة الى تقويم المسار السياسي والامني والاجتماعي؟ أليست أهدافنا في محصلتها النهائية تقود الى حفظ الحقوق والتأسيس للعدالة؟ بعد كل هذا نجازى بتوجيه الاتهامات والاستدعاءات الامنية والسجن والحرمان».

لعل المشهد ذاته يتكرر في عهد الديمقراطية الطرية، فبدلاً من أن تصنف فيه الجمعيات السياسية والحقوقية والانسانية والثقافية في خانة الثروات الوطنية الثمينة، وبدلاً من تكريمها وتقديرها كـ «صروح منيعة» تسهم في منع الانزلاق في مسارات خطرة، نراها تواجه بالتهديد والوعيد والخنق. منظمة العفو الدولية (ومقرها بريطانيا)، ومنظمة مراقبة حقوق الانسان (ومقرها أميركا) تراقبان حقوق الانسان في كلا البلدين، وتضمان فصلاً عن كلا البلدين في التقرير السنوي، من دون أدنى هلع مما يتم الكشف عنه. ومن هنا فالمطلوب الانسجام مع الذات في التعاطي مع مفردتي «الديمقراطية» و«ممارسة حرية التعبير والرأي». فاذا كان رد الفعل الحكومي جاء نتيجة الخدش والالم منها جراء ما قيل من عبارات لا يليق أن يتلفظ بها أحد، فإن الحقائق والوقائع بالصور والارقام التي عرضت ونوقشت بالصوت والصورة عن الفقر والحرمان في أوساط شرائح كبيرة من المجتمع، جديرة أن تحتفظ بالنصيب الاكبر من الخدش والايلام.

إن الواقع المعيشي الذي يطوق آلاف الاسر البحرينية بالفقر المدقع، فيه دلالة على أن هناك «منطقة فراغ في الاقتصاد المعيشي» - إن جاز هذاالتعبير - جاثمة على مجتمعنا الصغير، الغني بالموارد، يقع ضحيتها هذا الصنف من المواطنين، وهي بحاجة الى أن تملأ قبل أن تنمو فيها بذور لم يعهدها مجتمعنا من قبل، وبتحقيق النجاح في ملء منطقة الفراغ هذه، يتحقق حل الطلسم الرباعي العائم، وعندها لا حاجة إلى ندوة عن الفقر يعدها المركز فيثير الخواجة فيها حنق الحكومة

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً