العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ

رباب الصدر... المرأة التي تحمل ثقافة المؤسسات

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

كان وجوده يمثل قلقاً لذلك غيّبوه. لأنه كان مشروعاً إنسانياً يمشي على الأرض وهكذا هم العظماء لا تعرف قيمتهم إلا إذا فقدوا وهكذا كان السيد ابن رسول الله (ص). كان يوزع الخبز على الفقراء كجده زين العابدين ولا يريد من ذلك «جزاءً ولا شكورا». غُيّب السيد لكن مؤسساته بقيت واقفة على رجلها على رغم كل العواصف وذلك بفضل جَلَد وتحمل تلك المرأة المعطاء رباب الصدر.

إنها الأخت التي حملت رسالة الأخ وهكذا توسعت المؤسسات وراحت هذه المرأة بفريق عمل متواصل كأنه خلية نحل يعملون ليل نهار لإزالة ما أوصى به الأسير المغيّب: رفع الحرمان من على الناس.

دعونا قليلاً نتلمس وجع رباب على أخيها المغيّب لنقرأ بعض دموعها التي ذرفتها على الإمام في المؤتمر الأول الذي عقد في العام 1996م من قبل مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات. تقول السيدة رباب «أخاف على الجرح لون الأنا فأناديك وعلى الفجر ارتداد الظلمة فأناديك، وعلى الأيتام جور اليتم فأناديك، وعلى الوطن حراب الغدر فأناديك».

«على الحد الفاصل بيني وبينك يسكن الوجع، وفي دائرة الخوف عليك أدوّر، اسائل عنك الدرب إلى صُور فتجيب أكمام زهر الليمون القابضة على عطر العبادة من هنا مرّ، وأصل البيت أسأل القنديل الساهر عن يراعك فيقول مع الفجر رحل، وأطير إلى المحراب عالم عشقك فيقول صلى ومشى...» المصدر كتاب «كلمة سواء الإمام الصدر والحوار».

هكذا كان السيد يدعو إلى الإنسانية بعيداً عن لغة الطوائف والمذهبيات، وكان شعاره الذي ذكره في المحرر 6 أبريل/ نيسان 1975: «إن مشروعي لا يشمل المسلمين الشيعة وحدهم، بل انه يشمل الفئات والمناطق المحرومة كافة إلى أية طائفةٍ انتموا». لكنه علم منذ البداية أن التحضر في الخطاب لن يستمر طويلاً... ستزرع له المشانق وربما يغيّب أو يغتال ذات يوم، فراح يؤبّن الشهداء ويؤبّن نفسه وخصوصاً بعد اغتيال كمال جنبلاط قائلاً «وشبابنا الذين استشهدوا والآخرون ممن لم يستشهدوا بعد وربما أنا أيضاً، لأن هناك العشرات من التقارير الأمنية من العالم، 12 منها تقول لي أنت أول من سيتعرض للاغتيال بعد كمال جنبلاط، أنا أيضاً (في الدق) لا يهم (أولسنا على الحق) كما قال ابن الحسين للحسين (ع) فقال له الحسين (بلى) فقال ولده (إذاً لا نبالي بالموت)».

نعم الإمام موسى الصدر كان يعلم ما يُراد له ويبقى السؤال: لماذا الصدر دون غيره؟ لأنه كان يمثل قلقاً، كان رجل مشروعات تنموية، كان رجل نهضة فكرية غير ضيّقة، كسب ود المسيحيين لمواقفه والتي منها «بائع المثلجات»... لأن الرجل انفتح على الدول وأصبح ظاهرة إقليمية آخذة في التوسع، ولأنه أيضاً - على رغم رشق الحجارة - وضع بوصلة قومه على الطريق الصحيحة، عمل على تغيير الحرمان وخصوصاً في الجنوب، عاش غربة فلم تعرف قيمته إلا عندما فُقد. لهذا كتبت مجلة «الفكر الإسلامي» بتاريخ 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1978 في الإمام «إن انقطاع الاتصال بالإمام الصدر يعني أول ما يعني لبنان، لأن قضية الإمام الصدر هي قضية كل لبنان».

وواصلت رباب الصدر مشوار الإمام المغيّب عبر مشروعات تنموية وتربوية وثقافية لتجسد صورة حقيقية للمرأة المسلمة الواعية والمُتحضرة التي لا تلغي العصر وإنما تحركه بما يخدم الإنسانية بعيداً عن التعقيد والوصاية الذكورية الحادة، فراحت ترعى المؤسسات وتزيد عليها مع الكادر النسائي والرجالي الذي معها ونطرح هنا بعض المؤسسات:

1- مدرسة الزهراء وفيها دار الحضانة.

2- مدرسة التمريض (1969) وهي معهد فني تربوي يتيح لخريجاته بعد ثلاث سنوات من الدراسة والتدريب أن يتقدمن إلى شهادة البكالوريا الفنية الرسمية في العلوم التمريضية، وللعلم فقد كانت المرتبة الثالثة على المستوى الوطني للعام 2001 من نصيب إحدى خريجات المدرسة.

3- البيت الأخضر (1992)، وتم إنشاؤه لإيجاد مساحة لتدريب الفتيات في برنامج التدريب المهني المعجّل على الأعمال الزراعية وكيفية العناية بالحديقة وفن تنسيق الزهور والنباتات. وفيه منفذ تسويق لنباتات الزينة وباقات الورود إذ تسهم عوائده في تغطية جزء من نفقات التشغيل.

4- وحدة انتاج الحلويات ووحدة تصنيع مشتقات الحليب وهناك منفذ لتسويق المنتجات الغذائية والحلويات ومشتقات الحليب في السوق المحلي لدفع نفقات التشغيل، وكلها ترجع للمطعم المدرسي إذ تمتد تقديماته إلى مدارس المناطق المحررة بتزويدها بألفي وجبة باردة يومياً وذلك بالتعاون مع الجمعية الارثوذكسية.

5- معمل تجميع الحليب وتصنيع مشتقاته (2000)، وتقوم فكرة المشروع على دعم صغار المزارعين من مربّي المواشي في المناطق المجاورة.

6- مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.

إضافة إلى ذلك فإن رباب الصدر مازالت تتحرك لأجل معرفة مصير الإمام المغيّب. إنها امرأة ولكنها عن ألف رجل ورحم الله المتنبي إذ يقول:

فلا التأنيث لاسم الشمس عيبٌ

ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ

ونردد شعره بتصرف:

ولو كل النساء كَمَنْ «عرفنا»

لفُضلت النساء على الرجالِ

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً