العدد 775 - الثلثاء 19 أكتوبر 2004م الموافق 05 رمضان 1425هـ

المغرب... الإسلاميون والمعطيات الجديدة

بين دخول البرلمان والعمل في عمق المجتمع

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

يثير تجديد هيئات البرلمان المغربي في هذه الفترة حفيظة واهتمامات جميع القوى السياسية المتمثلة فيه، بما في ذلك «حزب العدالة والتنمية»، التيار الإسلامي الوحيد المعترف به من قبل السلطات. ويهيئ هذا الأخير منذ الآن الاختراق الذي ينوي تحقيقه في انتخابات 2007 التشريعية. لكن يبقى السؤال: هل ستسمح التكتلات الكبرى القائمة، كذلك السلطات بأن يصبح هذا الفصيل الأبرز على الخريطة السياسية للبلاد؟

في خطاب العرش الذي ألقاه في 30 يوليو/ تموز الماضي، رسم الملك محمد السادس الحدود والتوجهات المتعلقة بالقانون الجديد الذي يغذي النقاشات الجارية منذ فترة داخل المجموعات البرلمانية. ففي جلسة افتتاح دورة الخريف النيابية المنعقدة في الثامن من الشهر الجاري، شدَّد الملك المغربي على ضرورة تعزيز دور الأحزاب السياسية برسالة واضحة كل الوضوح، بحسب مختلف المراقبين، كونها أشارت إلى أهمية قيام هذه الأطياف بتسريع وتيرة رفع مستوياتها وتحسين أداءاتها. ويعود السبب في عملية لفت النظر هذه إلى تراجع دور هذه التكتلات الكبرى ووهنها منذ عدة سنوات، ما جعل إنجازاتها متواضعة، لا تتناسب مع طبيعة المرحلة ولا مع تطلعات المجتمع المغربي. ذلك، ما عدا «حزب العدالة والتنمية»، الذي لا يكف عن «غزو» الساحة على رغم المحاولات غير المباشرة من قبل وزارة الداخلية لاحتواء تقدمه المنتظم والفاعل. في هذا الإطار، ينبغي التذكير أن هذه الأخيرة تمكنت من لجم تقدم هذا الفريق الإسلامي التوجه والذي لا تشكل المعارضة البرلمانية حتى الآن جزءاً من استراتيجيته في العمل السياسي.

على أية حال، وعلى رغم المرونة في التعاطي، المعتمدة من حزب العدالة والتنمية، الذي يفضل على ما يبدو التأقلم مع الواقع وتجنب المواجهة مع السلطة، فإن قيادته التي تؤكد أن التنظيم يمثل تيار الوسط، إلا أنها يجب أن تحدد مواقفها بشكل واضح وثابت من جميع القضايا المطروحة حالياً، وخصوصاً فيما يتعلق بطروحات الملك حيال «الفصل الذي يجب البت فيه من دون أي تأخير بين المجالين الديني والسياسي».

وانطلاقاً من هنا، الإجابة على السؤال فيما إذا كانت الملكية الدستورية المغربية بما تتضمن من جوانب دينية وسياسية مجتمعة أم لا حول شخص الملك. ولا يعترض حزب العدالة والتنمية على هذه النظرية حتى الآن. والأكثر من ذلك، فإن نائبه في البرلمان، عبدالإله بن كيران أكد في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه القناة الأولى الرسمية حديثاً، مشدداً بالقول: «إن صاحب الجلالة، ملك المغرب، يحظى بإجماع الشعب وينوب عنه في هذا الإطار».

الرقص مع الذئاب

على رغم التنازلات المتكررة والابتعاد عن الاستفزازات السياسية، يتابع التشكيل الإسلامي الوحيد المتمثل في البرلمان، العمل بالعمق داخل المجتمع المغربي. كما ويركز على الدوام على الثغرات الثابتة وليس الطارئة لمنافسيه على الساحة. كذلك، على غياب النقاشات الديمقراطية بداخلها. نقطة يعود إليها في كل مناسبة، الأمين العام صلاح الدين العثماني، ليذكر بأنه «عندنا يتم الفصل في مشكلة ضمن مناخ من الديمقراطية والشفافية»، ما يعني، بحسب قوله، أن هذا النوع من الممارسة الديمقراطية، غائب تماماً لدى غالبية القوى السياسية الكبرى في المغرب، والتي تعاني منذ سنوات من انعكاسات هذه الممارسة الخاطئة والفوقية في العمل الحزبي. كذلك، من النتائج السلبية العائدة للتناحرات على مستوى القمة، ناهيك بمنع وصول قيادات جديدة شابة إلى رأس الهرم. كما ويتحتم على هذه القوى السياسية تطهير صفوفها من الشوائب العالقة فيها، والاعتناء بتجميل صورتها التي بهتت مع مرور الزمن، وتحديث هيكلياتها وتجديد برامجها، وإدخال الإصلاحات اللازمة على بنياتها ولوائحها الداخلية.

في خضم هذه التجاذبات، يعمل حزب العدالة والتنمية على إعادة صوغ توجهاته لتتماشى مع الطروحات الجديدة السائدة، مع الحفاظ على الدوام على تثمين العلاقات مع القاعدة وعدم الابتعاد عن المبادئ الأساسية، وإدخال تعديلات موضوعية على برامجه. كما ويعمل الحزب بجدية على استمالة المتذمرين، الذين تركوا أحزابهم لسبب أو لآخر. وهكذا تظهر هذه الحركة الإسلامية قدرتها على التمايز والارتقاء بأدائها يوماً بعد يوم، ما جعل من مهمة الحملات التي قادتها القوى المنافسة من أحزاب كبرى، يسارية ويمينية، إضافة إلى تشكيلات إسلامية على الساحة، مثل «جمعية العدل والإحسان» التي يقودها الشيخ عبدالسلام ياسين، شبه مستحيلة. ذلك لأن حزب العدالة والتنمية أثبت بالملموس وعلى أرض الواقع، أنه يملك الشبكات من المناصرين والأعضاء الأكثر تنظيماً والتزاماً وانضباطاً بالمقارنة مع القوى السياسية الأخرى على الساحة المغربية. كما يمتلك النخبة السياسية التي تبهر مراكز القرار في البلاد لناحية مهارتها في التفاوض وكيفية القبول بدخول اللعبة وإتقان قواعدها المفروضة.

لكن، من ناحية أخرى، يذكر أن المثال الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية في مجال التنظيم والسلوك الديمقراطي، كذلك على صعيد الخيارات السياسية، يقلق جدياً بعض الأوساط النافذة في السلطة بالمغرب، إلى حد قيامها بتشويه صورته وتخويف المجتمع منه. مع ذلك، يستمر هذا الفصيل بالصعود سريعاً، متجاوزاً جميع العوائق الموضوعة في طريقه. ففي الصالونات السياسية بالرباط والدار البيضاء، تطلق النخبة الحاكمة صفارات الإنذار. ويدعو البعض إلى قطع الطريق على هؤلاء الإسلاميين الذين يظهرون الاعتدال ويعملون ليلاً ونهاراً لانتزاع حصة الأسد في الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في العام 2007. وتستشهد هذه النخبة الموجودة في السلطة بتصريحات ممثل الجناح المتشدد في حزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد، القائلة بضرورة «تفكيك الحكومة الحالية بقيادة إدريس جطو، وإعادة تركيبها بحيث تفي بغرض تنظيم الانتخابات المقبلة». وترى هذه النخبة، أن إعطاء حرية الحركة لهذا التنظيم الإسلامي، مع كل ما يتضمن ذلك من مفاجآت ومخاطر، يعني عملياً «الرقص مع الذئاب».

تشخيصه لا توافق عليه شريحة كبيرة من الطبقة السياسية المغربية، إذ ترى فيه كثيراً من المبالغات والتهويل. إلا أنها لا تخفي مع ذلك، خشيتها من نجاح حزب العدالة والتنمية باجتياح المقاعد النيابية في حال لم تتمكن التكتلات الحزبية الكبيرة من إعادة تنظيم صفوفها، واستعادة الجزء «الهارب» من قواعدها. وهذا الحزب الذي دخل البرلمان منذ العام 1997 بـ 12 نائباً، كان دعم في حينه حكومة التناوب بقيادة عبدالرحمن اليوسفي. لكنه عارض مع ذلك الكثير من القرارات التي اتخذتها. ما يرى فيه الأمين العام لـ «حزب الاستقلال» عباس الفاسي ممارسة إيجابية ومسئولة رافقت عملية الانفتاح السياسي الذي يشهده المغرب منذ ذلك الوقت. إلا أن التحول المعتمد منذ العام 2000 من قبل هذا التيار الإسلامي الذي نجح في انتزاع عدد من المدن الكبرى من الأحزاب التاريخية والذي رفع الصوت عدة مرات منتقداً الإجراءات غير الشعبية المتخذة من قبل الحكومة قد أدى في نهاية الأمر إلى تعزيز شعبيته. وفي تقرير أعدته حديثاً عدة أجهزة مرتبطة بوزارة الداخلية، يخلص واضعوه إلى القول: «إنه ليس بالمستبعد أن يفرض حزب العدالة والتنمية نفسه كأول قوة سياسية في البلاد، على رغم العوائق الموضوعة منذ الآن في طريقه». كذلك، المحاولات الجارية لإضعافه عن طريق إحداث انشقاقات في وسطه.

حدود التيارات الإسلامية الأخرى

فإذا كان الانتظام والفكر الديمقراطي المعتمد يشكلان القوة الضاربة لحزب العدالة والتنمية، فإن هذا الواقع لا ينطبق البتة على التيارات الإسلامية الأخرى الموجودة على الساحة المغربية، وعلى رغم أقدمية هذه الأخيرة، فإنها لم تتمكن يوماً من الاندماج، لا في النظام القائم ولا في لعبته السياسية. فالمزايدات الدائمة على صعيد قيادة هذه الحركات الإسلامية انتهت إلى حرمانها من الوجود على الخريطة السياسية. وما عزّز هذا الانكفاء، التنفيذ من دون أدنى مناقشة لتوجهات قادتها الروحيين. سلوك أدى إلى نشوء انشقاقات وبروز مراكز قوى. فالمثال الأبرز على هذه الحال ينطبق على «جمعية العدل والإحسان»، إذ تتصارع القيادات منذ فترة على خلافة الشيخ عبدالسلام ياسين، المريض منذ عدة سنوات.

فهذا التنظيم الذي كان يحتل صدارة العمل الإسلامي قبل دخول حزب العدالة والتنمية على الخط بقوة - هو الذي نشأ بعد توحيد عدد من التيارات الإسلامية - لم يعد يشكل، كما في السابق أي تهديد للسلطة في المغرب. فوهنه وضعفه باتا ملحوظين في مناطق وقطاعات متفرقة، كانت تعتبر بمثابة قلاع تقليدية له. فكانت فرصة سانحة للعدالة والتنمية للتأكيد أنه لا يمثل المؤسسة القادرة على التأقلم مع المعطيات الجديدة فحسب، بل هو الحزب الذي يدافع أيضاً عن القناعات والمبادئ الإسلامية. أما فيما يختص بالمجموعات الإسلامية الصغيرة، على غرار التيار السلفي، فإن تحليلات السياسيين المغاربة في هذا الشأن تعتبر هذا التيار ليس له أي حظ في تحقيق اختراقات فعلية، لا اليوم ولا غداً، وأن أي رهان من قبل بعض المراقبين الغربيين الفرنسيين منهم بصورة خاصة، عليه، هو واهم وبعيد عن الحقيقة المغربية، وعن رأي غالبية الطبقات المكونة للمجتمع، بما في ذلك الفقيرة.

انطلاقاً من هذا الواقع، يبقى حزب العدالة والتنمية الرهان الوحيد حتى الآن بالنسبة إلى التيار الإسلامي المعتدل. ذلك، في حين يتمسك هذا الحزب بزيادة تمثيله في البرلمان وفي جميع الهيئات والبلديات. إلا أن دخوله للحكومة، مسألة مرتبطة بحسابات وتوازنات يعود البت فيها إلى السلطات العليا فقط. مع ذلك، تعمل قيادة الحزب، التي فهمت وأتقنت جيداً طبيعة العمل السياسي في هذه المرحلة، وحلَّلت أبعاده الاجتماعية والاقتصادية، على اعتماد سياسة «القضم والهضم»، مع الابتعاد عن حرق المراحل، وعدم استفزاز التكتلات السياسية الكبرى. فالمهم بالنسبة إلى قيادات حزب العدالة والتنمية اليوم هو إقناع السلطة والقصر الملكي على وجه التحديد، بأن حزبهم الإسلامي ليس جزءاً لا يتجزأ من التشكيلة السياسية فحسب، بل هو الأكثر ولاءً للملكية، ومستعد لإثبات ذلك فيما لو اقتضى الأمر.

لكن، على أية حال، وفي الوقت عينه، لا يستطيع أخذ مسافات من قواعده إذا ما حصلت تناقضات لسبب أو حدث ما مع أفكاره وقناعاته، كما هو الوضع اليوم مع إعلان المغرب استعداده لاستضافة مؤتمر إقليمي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل في مراكش، يطلق عليه اسم «منتدى المستقبل» لمناقشة «الحكم الرشيد» و«الإصلاحات الاقتصادية» في «الشرق الأوسط الكبير»، اختبار ليس بالسهل على هذا التنظيم الإسلامي الذي يسعى إلى إثبات وجوده بقوة وإفهام الجميع بأنه بات من الثوابت في الحياة السياسية المغربية التي لا يمكن تجاهلها أو الالتفاف عليها

العدد 775 - الثلثاء 19 أكتوبر 2004م الموافق 05 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً