العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ

الشعب... بين «رقص» الكتّاب و«هلس» النواب

يتناقضون مع ذواتهم ويجبرونا على اتباعهم

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا تفعل إذا جمعتك الظروف بكاتب تقنعك كتابته بأنه محترم ويهدف دائماً وابداً إلى إرساء المبادئ والقيم سياسياً واجتماعيا باسم «الصالح العام» وخدمة المجتمع، فيجلس اليك ليحدثك في وقار الحكماء واتزان العقلاء عن فضائل الاخلاق الحميدة، ووجوب محاربة الظلم والفساد والسعي إلى اجتثاث الظالمين والمفسدين، ولا يقتصر على ذلك بل يلعن كل سارق ومختلس، ثم يستأذنك للحظات يقف فيها ليحزم وسطه بشال، يبدأ بعدها وصلة من الرقص الشرقي، يهز خلالها وسطه بلا وقار هذه المرة، لكبار المتنفذين وأولياء النعم الكبار، لتقف كتابته هنا عن وقار الحكماء واتزان العقلاء، إلى التبجيل والتقديس ليصل به الأمر إلى الركوع والسجود مغمضاً عينيه بشريطة حمراء في ليلة حمراء تجمع الطرفين يترجمها بعد ذلك في كلمات رنانة.

وما يكاد ينهي وصلته الراقصة حتى يفك الشال عن وسطه، ويعيد ترتيب ملابسه مجففاً عرقه، بعد عناء الهز والتبجيل ومن ثم يعود إليك من جديد مكملاً حديثه الاخلاقي الحماسي بالوقار والاتزان نفسه، مع المصلحة العامة وكأن شيئاً لم يكن!

ثم ما هو رأيك مرة اخرى في نائب مدافع وناصح، يقف تحت قبة البرلمان ليطالب بحماس المجاهدين وبطولة المقاتلين في ساحات المعارك، بالحرب ضد المفسدين على الأرض والسارقين والمتنفذين، ويزداد حماسه فيفتح اوراقه ليطلعك بالارقام والاحصاءات على اعداد المفسدين بأسمائهم، من (فلْسَع) منهم ومن ينتظر على أسرة المرض ومن لايزال يمارس سرقته في وضح النهار، ثم وفي غمرة حماسه واندفاعه في الحملة على المفسدين يخرج علينا في اليوم الثاني بتصريحات الثناء والتبجيل لهم، ليصفهم بالمناضلين والخيّرين، ومن ثنايا سحب دخان مديحه لهم التي ينفثها علينا يتابع في جلسات البرلمان حديثه عن المفسدين!

في الحالين ستجد نفسك مضطراً للاعتقاد بأن من يقف أمامك ليس الا واحداً من اثنين، اما مخبول خرج في اجازة او هرب من مستشفاه، واما رجل مصاب بانفصام أو ازدواج في الشخصية، ينتقل بسهولة من شخصية الى اخرى، والضحية في الحالين هو انت أيها المواطن! وستندب حظك الذي اوقعك مع هذا او ذاك، وسيكون موقفك الوحيد حينذاك هو البحث عن مخرج او مهرب بعيداً عنهما! هاتان الصورتان الهزليتان للكاتب الراقص، أو النائب المتملق ليستا من نسج الخيال او شطحات التخيل، وكلاهما مثلان واقعيان لاعلامنا وسلطتنا التشريعية، وما عليك الا ان تمسك بالصحف لتستقبلك صفحاتها بالمتناقضات بين تصريحات وأعمدة وكتاب تفننوا في قلب الحقائق وتحويل الأبيض إلى أسود، والحق إلى باطل، بعد أن دأبوا على تزييف الحقائق زعماً منهم بأنهم سيغيرون من مجرى التاريخ بأوهامهم وكتاباتهم وتصريحاتهم.

وهكذا يجد القارئ نفسه مصاباً بـ «حول» إعلامي خطير وهو يطالع باحدى عينيه نائباً جليلاً يتحدث بوقار وحكمة عن إعلاء المصلحة الوطنية وكاتباً متزناً واقعياً، ينصح بالحنكة وإنتهاج اللعبة السياسية، ويطالعهما بعينه الأخرى كـ (الراقصة) تتحدث بجسدها قبل لسانها، وتمسح في دقائق كل ما قد يكون علق بذهنك من وقار ذلك النائب ومن فتاوى ذلك الكاتب التي مازالت أصداؤها عالقة بفضاء عموده اليومي!

لا تحتار مع بعض صحافتنا، فهي حيناً في قمة الوقار والاتزان، وهي حيناً تستخدم شالها لتحزيم الراقصات لإجادة الدروس في «فقه الرقص السياسي»

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً