قال الشيخ عيسى قاسم في محاضرة له بمأتم المرخ «ان ممارسات الإنسان: جسد وفكر وروح. ولكل ساعة روحية أو فكرية أو جسدية مردودها النفسي. وتمثل ساعة الروح حالة ومحاولة للالتحام بآفاق وأجواء غيبية تسمو فيها الذات وتكون اللذة فيها قيمية، وتبرز جوع الروح لتتغذى على نوع آخر من الغذاء». وأشار قاسم إلى انه «لا تستيقظ الروح ولا تنشط ولا تجد غذاءها ونماءها إلا في ساعة عبادة مع الرب الكامل سبحانه وتعالى. ويمكننا أن نقهر جوع الروح. ولكن جوع البدن دائماً ما يفرض نفسه على الشخص فرضاً قوياً ويأخذ به إلى أن يأكل. ولو أعطي الإنسان مهلة ليهمل جوع البدن فسيسبب لنفسه خطراً. وإذا جعت روحياً فلا أجد قوة شبه قاهرة تدفعني إلى نداء الروح إلا إذا كنت قد تربيت تربية تعطي للروح فاعليتها الكبيرة».

وبيّن في محاضرته التي أمّها جمهور غفير «ان الطفل والكبير لا يجد لنفسه قدرة على مقاومة جوع البدن، كل التاريخ البشري لم تختفِ فيه ظاهرة الدعاء، الغيبيات، قوى منقذة. لكن لو أعطينا الإرادة لنستجيب لجوع الروح أو لا نستجيب فماذا سيكون؟ أولياء الله الصالحون يقاومون جوع البدن ولا يقاومون جوع الروح... في أكثر أيامنا ترانا مشدودين إلى جوع الروح، إذ نتعامل معها بصلاة عابرة ودعاء بسيط وسريع ثم يعود الإنسان لانشداده إلى الأرض، ويأتي شهر رمضان فيثير فينا جوع الروح ويرتفع بمشاعرنا الروحية من خلال فريضة الصوم وما معها من عبادة أخرى».

ولفت قاسم إلى ان «الإسلام جعل كل الساعات في حياة الإنسان روحانية متمثلة في الأدعية التي نقرأها في كل وقت. نجد الإسلام في تعاليمه يعمل على انتشال الإنسان من الحيوانية في المأكل والمشرب إذ يعطيه ممارسة إنسانية. والإنسان من حيث هو إنسان هو الروح المتشوقة لله. ما الذي يطغى على حياة الإنسان الساعات الحيوانية أم الساعات الإنسانية؟ إذا كنت كثير التفكير خلال يومي فأنا إنسان مفكر، وإذا كنت كثير اللعب واللهو كنت إنساناً حيوانياً، وإذا كنت كثير التأمل فأنا إنسان روحاني. نحن نتمتع بإنسانية أكبر وأكثر في ساعة الروح من ساعة التفكير لأن ساعة التفكير لا تعطي تقدماً للنفس إذا لم تؤثر فيّ الروح، إذ التفكير لا يعطيك طهراً وسمواً، أما الروح فتعطي مقاومة للشهوات والرغبات والمخاوف. ساعة الفكر تعطيك آليات جديدة ولكن لا ترفع نفسك. ان ساعة الروح تقربك من الله وتشعرك بالكرامة والعزة، إذ تنعكس على نفسك بقرب إلهي وتجعلك الإنسان المتسامح والصابر على الملمات».

وعن تربية النفس بالعبادة، تساءل قاسم بداية «العبادة من صلاة وصوم ودعاء كيف تربي النفس؟ مثل الدواء لا يشفي قهرياً وإنما يحمل شروط استعمال وكمّاً معيناً وممارسة رياضة معينة على سبيل المثال. فالصوم فيه قابلية رفع مستوى الروح. إحداث التقوى ولكن بشرط عدم جلب شيء يفسد فاعليته. ولذلك هناك عوامل مساعدة مثل الدعاء وقراءة القرآن الكريم تخلق تأثيراً أكبر لتفعيل الصوم أكثر، ولذلك بعض الناس يصومون الشهر الفضيل بالكامل ولكن من دون جديد روحياً وبالتالي هل الصوم قاصر أم هناك موانع؟ يختلف تأثير الصوم بين شخص وآخر بسبب الأخذ بآداب الصوم وأخلاقياته والتأمل والتصدق والدعاء. كلما خلقنا جواً روحانياً مناسباً بحيث يرفع من المستوى الروحي، فللصوم مردود روحي يقلل من حال الشبع والتخمة الدائمة. في النهار تخمد الشهوة الجسدية إذ تنفتح في ساعات الصوم في شهر رمضان الروح. نمارس في شهر رمضان مقاومة ضد المفطرات»