العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ

ذهنية التربص

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

ماذا ينتابكم فور ان تقرأوا الصحف؟ هل تكملون القراءة في العادة ام ان ثمة خبرا أو اثنين سيدفعان بالدماء الى الرأس وستصابون بالصداع وسينتابكم التوتر؟

الاخبار ليست مبهجة والصحافة كما يقال مرآة لما يجري والمشكلة ليست الا ما يجري. أعيد فتح نادي العروبة وارتحنا قليلا لكن الجميع كان يتساءل: هل كنا بحاجة لكل هذا؟ تعرفون المشكلات التي غرقنا فيها الآن، محاكمة لناشط حقوقي ومعركة بين الحكومة والمعارضة حول لقاء مع السفير البريطاني والقصة تترى. أوقفت الحكومة حوارها مع جمعيات التحالف الرباعي والتصريحات والتصريحات المضادة تتوالى واتهامات متبادلة، مطالبات وشكاوى من كل نوع والمظالم الصغيرة للاهالي لا تتوقف، برلمان غارق في جدل مساعدة الفقراء دون جدوى او اتفاق. وبعد حوالي عامين ثمة من سيذكرنا وسط هذا اللهاث ان مجلس النواب لم يجز قانونا واحدا حتى الآن وفي أقصى المشهد كله تظهر النتيجة واضحة: اننا نراوح في مكاننا.

تعدنا الحكومة بكل شيء، المزيد من المشروعات والمزيد من النمو والمزيد من كل شيء، لكن ثلاثة اعوام لم تكفِ حتى لجعل الناس يشعرون بالراحة وهم يطالعون الصحف يوميا. وهذا السباق المحموم سواء في الاعلان عن كل انواع المشاريع القادمة او حتى عندما يعلن الناس شكاواهم ومظالمهم، لا يدع مجالا للشك في ان الجميع متوتر. وفيما توالي الصحافة نشر الاخبار عن المشاريع القادمة والشركات التي تصل تباعاً، فإن هذا لم يعد كفيلا بأن يجعلنا نشعر بأن ثمة انتعاشا اقتصاديا في الطريق. فقبل اسابيع قليلة كان الصوت يتردد عاليا من ان الحاجة ماسة لاصلاح اقتصادي واصلاح تعليمي واصلاح لسوق العمل.

المشهد كله مليء بالتوتر ولا شيء يبعث على الاسترخاء، وطيلة عامين وحتى الآن كنا نقول ان مكسبنا الوحيد هو اننا اصبحنا اقل توترا لاننا اصبحنا نتكلم بحرية لأن حاجزا كبيرا قد انهار في علاقتنا بالسلطة: الخوف. الآن، التوتر لا يفعل سوى ان يعيد الخوف من جديد، أقله الخوف من المستقبل. فعندما يلف التوتر الناس في كل شيء يتراجع الشعور بالاطمئنان.

هل تقرأون شيئا في اعمدة الكتاب والمقالات التي تطالعكم يوميا غير التحذيرات من خسارة المكاسب التي تحققت - احالة لاحساس كامن بامكانية الانتكاس - والدعوات للتريث والتعقل والغرق المتوالي في التحذير من «مغبة ما يجري» وهروب الاستثمارات وحرق المراحل وانتقادات مستمرة لسلوك الجمعيات والناشطين والنواب وانتقاد الاتجاهات المعادية للحريات وهاجس الرقابة والتجييش والجدل حول الفقر وتحسين مستويات المعيشة وتنامي السرقات؟

هذه ليست علامات استرخاء او طمأنينة، يزيدها ان «لعبة التربص» هذه التي تدور بين الحكومة والمعارضة ليست سوى صورة شاخصة لـ «ذهنية التربص» السائدة لدى الجميع. هل تذكرون المعارك اللفظية والكلامية في مجلس النواب؟ السبب ان النواب ليسوا مسترخين لا نفسيا ولا ذهنيا بل جاءوا يحملون في داخلهم حواجز وقلاعاً نفسية: تصورات مسبقة متبادلة عن بعضهم البعض يغذيها ركام هائل من الدعاية السياسية والاشاعات والشحن النفسي. هل ترون كيف يرد الناشطون على بعضهم البعض؟ لم يردد احد في يوم وهو يتصدى لانتقاد يوجه إليه بأن هذه هي الديمقراطية بل يقال دوما: «ليس لهم حق». وهذا ألا يدفعكم إلى تساؤل آخر: ما الذي يجمع كل هذه الجمعيات بتياراتها السياسية مع بعضها البعض؟لا شيء والنتيجة: ضياع الحد الادنى اللازم من ثوابت المجتمعات التعددية: احترام الحريات، المواطنة، العدالة والمساواة.

الكل مع المشروع الاصلاحي، الكل يعمل من اجل المواطن لكن الكل متربص بالآخر ولا شيء سوى الصراخ والمزيد من الصراخ واحتجاجات الشوارع والناس أصبحت لا تعبر عن مظالمها ومطالبها الا بالنزول الى الشارع. كل المشكلات حتى الصغيرة منها تبدو بلا حل لأن التربص ليس سلوكا طارئا بل ذهنية لا تفعل سوى ان ترسخ الشك والريبة المتبادلة بحيث يبدو الخطاب براقا ومبهجا لكن الممارسات على الأرض تسير في اتجاه آخر. نحن مصابون بالصداع

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً