العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ

فتح الله يتحدث عن طارق رمضان ونقد الصورة النمطية للمسلمين في الغرب

ضمن محاضرة بجامعة البحرين

ألقى الأستاذ المساعد بقسم الإعلام والسياحة والفنون عبدالناصر فتح الله محاضرة حول جهود المفكر الإسلامي طارق رمضان ودوره في مجابهة الصورة النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين في الغرب، بحضور عميدة كلية الآداب رئيسة اللجنة الثقافية بالكلية هيا النعيمي وذلك ضمن النشاط الثقافي الذي تشهده كلية الآداب بجامعة البحرين.

وقد بدأ فتح الله بتعريف موجز عن المفكر طارق رمضان بقوله: طارق رمضان شخصية فكرية إسلامية متميزة، وهو ظاهرة لا يمكن فصلها عن سياقها التاريخي العام المشكل من واجهتين، أولها الواجهة الحضارية التي تجد مبرراتها فيما اصطلح على تسميته بـ «نظرية صراع الحضارات» وخصوصا في شقها الذي يعتمد على التصنيف الديني لحضارات العالم.

أما الواجهة الثانية فهي الواجهة الاجتماعية، والتي جسدها الحضور الاجتماعي المتصاعد لمسلمي الغرب، وقد ساهم الإعلام بشكل كبير في تشكيل صورة طارق رمضان استنادا إلى السياق التاريخي العام للغرب منذ أواسط التسعينيات من القرن العشرين، ثم قدم فتح الله بطاقة تعريفية لطارق رمضان أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة أكسفورد بإنجلترا، الذي يناضل من أجل إسلام عصري متفتح على العالم، ويعمل على ترسيخ أسس التعايش بين تعاليم الدين الإسلامي ومبادئ الفكر الغربي.

فمنذ 2004 وهو يحتل المراتب الأولى عالميا فيما يتعلق بالشخصيات الفكرية الأكثر تأثيرا في العالم (الثامن في تصنيف مجلة التايم ماغازين الأميركية)، كما اعتبرته مجلة Times «المجدد الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين».

ولد طارق رمضان في جنيف سنة 1962. سويسري الجنسية، مصري الأصل، مغربي التبني. اشتغل على نيتشه للحصول على دكتوراه في الفلسفة، وحصل على دكتوراه ثانية في الفكر الإسلامي، ثم سافر إلى الأزهر لتعميق معرفته بالفكر الإسلامي.

منع من السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية منذ 2004 بفعل قانون Patriot Act وتضامن معه العديد من المثقفين منهم ناعوم شومسكي وإدوارد سعيد، ورفع هذا المنع في 2010.

له إلى حدود اليوم 27 كتاباً تراوحت مضامينها بين البعد الروحاني للإسلام (التعبد والقيم الإنسانية الكبرى للإسلام) والبعد الديني الاجتماعي لمسلمي أوروبا واندماجهم مع قيم الغرب.


طارق رمضان والإنتلجنسيا الفكرية

وحول موقعية رمضان من الثقافة في الغرب، أشار فتح الله إلى أن ما يمكن قوله في شأن طارق رمضان وعلاقته بالانتلجنسيا الفكرية والثقافية في الغرب أنها علاقة مشحونة بالتوتر والصراع. وأن رمضان هو مفكر متميز. متميز بذكائه وقوته الإقناعية ودقة لغته وغزارة إنتاجاته، ولكنه أيضا نتاج سياق حضاري وسياق اجتماعي: السياق الحضاري جسدته نظرية صراع الحضارات والسياق الاجتماعي جسده الحضور الاجتماعي لمسلمي الغرب.

إن رمضان نتاج واقع فكري جديد يشهد صراع الحضارات ودور الإعلام وما كان لنظرية صراع الحضارات أن تأخذ هذا البعد التدويلي والتداولي لولا تطور تكنولوجيا الاتصالات فتطور تكنولوجيا الاتصالات أعاد تشكيل بنية الإنسان مع ذاته ومع غيره. ولم تعد علاقتنا مع الذات كما كانت.


البعد الذاتي والفردانية المفرطة

وعن الظروف التي ظهر فيها المفكر طارق رمضان أشار فتح الباب إلى أنه لم تعد علاقتنا مع الغير كما كانت. فقد أصبح الإنسان صغيرا لا متناهيا وكبيرا لا متناهيا، بالمفهوم الدنيوي، طبعا. فالواجهة الصغيرة اللامتناهية تتمثل في تقوية البعد الذاتي والفردانية المفرطة للإنسان، وهو ما تكرسه قيم الحداثة، والواجهة الكبيرة اللامتناهية تتمثل في انخراط المتزايد والمتصاعد للإنسان في القضايا الكونية العامة والمصير المشترك للبشرية والعولمة...


صراع الحضارات لصمويل هنتنغتون

وأضاف فتح الله كلما أثيرت قضية صراع الحضارات إلا وأثير معها اسم صمويل هنتنغتون أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، هنتنغتون كما هو معلوم ينطلق من استنتاج مفاده أن التمييز بين الأفراد في العالم لم يعد أساسه أيديولوجيا، سياسيا أو اقتصاديا وإنما ثقافي، الصراعات انتقلت من دوافع جيوسياسية إلى أيديولوجية بعد ثورة 1917، ثم تحولت إلى ثقافية بعد سقوط جدار برلين 1989.

هنتنغتون جزّء العالم في نظريته إلى حضارات ثماني: الغربية (أوروبا الغربية وأميركا)، اللاتينو أميركية، الإسلامية، السلافية الأرتوضوكسية (حول روسيا)، الهندية، اليابانية، الكونفوشيسية، الإفريقية. ويقول لتفادي الصراعات الكبرى يجب على القوى الكبرى داخل كل مجموعة حضارية احترام المجال التأثيري لكل حضارة.

المهدي المنجرة عالم المستقبليات المغربي، رئيس الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية - شافاه الله - هو صاحب نظرية «صراع الحضارات» وليس هينتنغتون، وقد استشهد به صامويل هنتنغتون في مقدمة كتابه «صراع الحضارات» الذي بدأ كمقال في مجلة سنة1993. اعتبر المنجرة في كتابه «الحرب الحضارية الأولى: مستقبل الماضي وماضي المستقبل» الصادر سنة 1992 ان العدوان على العراق حرب عالمية حقيقية وهي أول صراع حضاري واضح بين الشمال والجنوب. واعتبر الحرب على افغانستان الحرب الحضارية الثانية.

الإعلام أداة صراع داخلي وخارجي. توظيفه في إدارة النزاعات ليس بالأمر الجديد. فقد خرج لتوه من توظيف فيما اصطلح عليه بالحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. وبالتالي فإن توظيفه من جديد في نزاع جديد لا يحتاج إلى تأهيل. كل ما يحتاج إليه هو صناعة إطار فكري وثقافي يزكي ويبرر هذا الصراع.


القطيعة الحضارية

وأضاف فتح الله يمكن أن نجزم في هذا الصدد أن الإعلام الغربي ساهم بشكل ملحوظ في تكريس ما يمكن أن أسميه شخصيا بـ «القطيعة الحضارية» ثم هناك على الواجهة الأخرى المواضيع الصغيرة الفرعية التي يمكن اعتبارها تغذي هذا التوجه الراسخ وتبرر شرعية الاهتمام به إعلاميا (موضوع المرأة المسلمة من خلال قضايا الحجاب والنقاب، والمسبح المختلط، والمآذن في سويسرا).

إثارة هذه المواضيع تتم على خلفية التهويل: المآذن مثلا لا يتجاوز عددها في سويسرا أربعة: حملة المؤيدين للحظر (الحزب الشعبي الراديكالي) اعتمدت حملة الخوف هذه بملصق يمثل المآذن بالصواريخ وإلى جانبهم امرأة محجبة. وطبعا يصاحب هذا النقاش وهذه الفرجة الإعلامية آلات تلعب بالنار فتكرس الإسلاموفوبيا مثلا إلى جانب التداخل نجد أيضا التدخل (هو تدخل مدفوع بمنطق الفرجة والصراع وتأجيج الحالة دراميا) أتذكر حينما كانت فرق التصوير ترصد أدنى حركة للمصلين وهم خارجون من المسجد في باريس نهاية الثمانينيات، آخر نموذج لهذا التدخل الفيلم الذي أعده صحافي للقناة الأولى الفرنسية الذي بثته القناة في بداية هذا الشهر يحمل عنوان «هل يجب أن نخاف من السلفيين؟» مشهد الصلاة في اتجاه غير القبلة.

وأضاف فتح الله أن طارق رمضان ظهر في هذا السياق المشحون وانخرط فيه قسرا أو اختيارا، ولم تخرج شخصية رمضان عن منطق المعالجة الإعلامية الغربية المعتمدة على الترويج لفكرة التهديد الإسلامي وترسيخها.

وتساءل فتح الله ما الذي جعل الاهتمام الإعلامي الأوروبي ينصب على طارق رمضان علما بأنه باحث جامعي كغيره من الباحثين من ذوي الأصول الإسلامية؟ مجيبا بالتأكيد لأنه استطاع أن يؤسس لنفسه قاعدة جماهيرية تتفاعل مع ما ينتجه (كتب وأشرطة وموقع).

والسؤال الآخر: لماذا استطاع رمضان أن يؤسس لنفسه هذه القاعدة؟ لأن شخصيته تميل إلى العمل الميداني.

والسؤال الأخير ألا يمكن اعتبار الإعلام الغربي بفعل اهتمامه بظاهرة طارق رمضان وتحامله الصريح حول الإسلام من جهة وأفكاره من جهة أخرى ساهم في تقوية فكر طارق رمضان بدل إضعافه وأن الإعلام، عن غير قصد، وجه الظاهرة وجهة لم يكن ينتظرها طارق رمضان. وإنما وجد نفسه مرتاحا في هذه الوجهة، لأنها تدفعه، وبفعل ذكائه أيضا، إلى الإجابة على أسئلة ربما لم يكن ليطرحها لولا أن الإعلام قد فرضها عليه كأجندة، وفي نهاية الأمر قد تكون فعالية هذا المفكر في هذا الاتجاه أفضل بالمعنى الحضاري والاجتماعي من الخوض في اتجاهات أكاديمية محضة. فالإعلام كلما سعى إلى إضعافه فإنه يقويه.

وعن عوامل نجاح طارق رمضان كنموذج ورمز لدى مسلمي الغرب في عمقهم التاريخي والسوسيولوجي، أضاف فتح الله بأن طارق رمضان جاء للإجابة على قلق الأجيال اللاحقة، حضور فكري وخصوصا حضور ميداني (لقاءات مباشرة مع هذه الفئة) واعتماد ضمير المتكلم بصيغة الجمع حينما يوجه كلامه لمسلمي الغرب في كتابه «أن تكون مسلما في الغرب» بعد عرض الواقع يطرح السؤال التالي: فمن نحن إذن؟ QIsommes-nous alors?

طارق رمضان في نظر الأوربي المسلم (الجيل الثاني والثالث والرابع) شخصية تساعده على التناغم في حياته الروحية مع قيم الحداثة والعلمانية وحقوق الإنسان.

يلقى تجاوبا جماهيريا في هذه الأوساط لأنه يعطي أجوبة مريحة للمسلم العادي الذي لا يملك سلطة المعرفة والذكاء الثاقب.

وهو ما يوطد مفهوم التعرض الانتقائي لوسائل الإعلام ويعطيهم الإحساس بان اختيارهم هو الاختيار الأنسب؛ لأنه يبدد كل التخوفات. ويجيب على كل المؤاخذات. وينفي وجود التناقضات.

نقرأ مثلا إحدى عبارات الرد على مقالاته في الانترنت «شكرا لك لأنك صوت من لا صوت به»، وقد ساهم الإعلام الغربي أيضا في توطيد حضوره الجماهيري بين أوساط هذه الفئة الاجتماعية لكونه وضع في إطار نقيض لما هو سائد. وهو الإطار الذي يضع فيه أبناء المهاجرين أنفسهم، ويعتبرونه يعبر عن واقعهم بمنطق l identification. ومن ثمة يمكن القول بان الإعلام قدم لطارق خدمة كبيرة وأتاح له فرصة الترويج لأفكاره.

ويختم عبدالناصر فتح الله بالتساؤل: ما هي طبيعة المساهمة التي يمكن أن يساهم بها هذا الشخص في إطار القضية الأشمل، حتى لا نعتبرها مشروعا أشمل، والذي يمكن أن يكون خلق الأجواء المناسبة الصحية للممارسة الإسلامية في بعدها العالمي دون حرج ولا خوف من المبادئ والقيم الموجودة هنا وهناك، وتنصهر في داخلها، وتكون مظهرا تعبديا متوازنا؟

إن الإشكاليات المجتمعية لا تحل من طرف شخص واحد وإنما يمكن لهذا الشخص الواحد أن يشكل حلقة حل إلى جانب آخرين لوجه من وجوه الإشكالية في اعتقادي. النقاشات اللامتناهية عن القيم والقوانين يمكن أن تكون مهمة ولكنها لا تحل مشاكل الحياة اليومية. فالفلسفات النظرية والمثالية يمكن أن تتحول وبنوايا طيبة إلى مناورات تغريب وتمييع، نتفادى بها عمق المشكلة ونتفادى الممارسات والحياة الواقعية. يجب إذن التفكير في وضع «فلسفة الحياة اليومية» الفلسفة التطبيقية التي تقيم ما هو موجود في القوانين والتأويلات المرتبطة به والإسقاطات السيكولوجية والرمزية التي تصاحبها. فلسفة «نحن المتحركة» مانديلا أشار يوما إلى أن قيمة الديمقراطية تقاس بمدى احترامها للأقليات.

يؤكد طارق رمضان أن ثمة خطوات قد قُطعت على الطريق، غير أن الطريق لاتزال طويلة، والرحلة الشاقة تحتاج على الأقل - كما أفصح في كتابه الأخير (اعتقادي) - لجيلين لقهر مشاعر التوجسية والخوف وتيارات الفكر الصدامي التشككي.

العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً