العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ

البلدية الشمالية لمن لا يعرفها

محمود العلوي comments [at] alwasatnews.com

إن ما آل إليه حال المجلس البلدي الشمالي من استنفار وإطلاق عشوائي للتهم، حتى غدا كالبحر الهائج أو كالقطة عندما تقوس ظهرها وتبرز مخالبها استعدادا للهجوم والانقضاض، وبروزه كمقاتل أوحد في ساحة القتال إذ تتكالب عليه جميع القوى بينما هو صامد يتلقى الطعنات، وأصبح أعضاؤه هم المغلوبون على أمرهم والذين لم يعد بإمكانهم الاستمرار في السكوت، وذلك بعد أن انقضت ثلاثة أرباع المدة المقرر لهم الكلام فيها، إن ذلك كله يجعل من الواجب أن أبين ولو النزر اليسير من الحقيقة لمن لا يعرفها نظرا لوقوفي على مواقف ومواضع لم يقف عندها الكثيرون، وخصوصا أني أحد العاملين في الهم البلدي، عفوا، العمل البلدي ومن موقع الحدث. أحيانا كثيرة يحتاج الطبيب إلى عناصر تعينه على تحديد الحال الصحية لشخص ما، كالأشعة السينية لتبين له حال الجسم من الداخل أو كالمناظير لتحدد له موضع العلة وأماكن الخلل، لذلك كان لزاما أن أمسك القلم وأشرح حال البلدية الشمالية من الداخل لمن لم تسنح له الفرصة التعرف عليها، أولم يقولوا أن أهل مكة أدرى بشعابها؟

أكاد أجزم بأني قد قرأت كل ما نشر من تصاريح ومقالات كتبت من قبل أعضاء المجلس البلدي، السابقة واللاحقة. قرأت بعضها عدة مرات، لا لبطء فهم ولكن محاولة مني لإيجاد طريقة تؤدي إلى فهم مغاير لما يرمون إليه وذلك تلمسا للعذر لهم. لقد اعتدنا قراءة التصاريح النارية من قبلهم سابقا وأذكر أحد تلك التصاريح الغريبة التي نشرت في إحدى الصحف اليومية والتي يصف فيها أحد الأعضاء العمل البلدي بالمباراة مشددا على كيفية الفوز فيها عن طريق المناورة والمراوغة والهجمات المنظمة حينا والمنفردة أحيانا كثيرة. إلا أنه، وفي الوقت نفسه، لم يشر إلى اللعب النظيف أو المنافسة الشريفة لا من قريب ولا من بعيد.

والأنكى من هذا وذاك، وصم الجهاز التنفيذي بالضعف وعدم الكفاءة من قبل أعضاء المجلس البلدي. وكيف يوصف كوكبة من خيرة الشخصيات المتمكنة إداريا وأكاديميا بالضعف؟ علما بأن الجهاز التنفيذي في الشمالية يشهد له البعيد قبل القريب، ولولا علمي بمعرفة الأعضاء الشخصية بهم، والتي تفوق معرفتي لذكرتهم بالاسم. وإني إذ أقول ما أقول، فإني لا أقوله من موقع المشارك في المسئولية ولكني أقوله من موقع المتفرج إذا ما أرادوا المواصلة بوصفها باللعبة. أقول المتفرج لا المشجع ذلك أن المشجع يميل إلى أحد الفرق. ولن استمر أو أسهب في الدفاع ولكن أحب أن أشير إلى رأي خاص، أعتقد أن الجميع يشاركني فيه، وهو أن المقيّم يجب أن يكون على قدر كاف من المعرفة والإلمام التام بمن وبما يقيّمه، فإنه لا يمكن لكاتب فاشل أن يقيّم أعمال أديب معروف، كما أن من يستطيع قراءة عداد ماء لا يمكن أن يكون مؤهلا لقراءة جداول إحصائية أو محاسبية، وعلى ذلك قس.

لقد كان الجهاز التنفيذي بالبلدية الشمالية سباقا إلى ما فيه صالح التجربة البلدية ودعمها وذلك بأسلوب علمي ومنظم وبخطى مدروسة، ولا أذيع سراً إن أخبرت بأن الجهاز التنفيذي للبلدية الشمالية هو الوحيد الذي اهتم بنقل وتوصيل المعارف المتوافرة لدى المسئولين إلى موظفيه عن طريق الدورات الداخلية المباشرة وإلى أعضاء المجلس البلدي عن طريق التقارير المرفوعة مع تقييم مستمر ووقفات مراجعة لمخرجات ما تم اتخاذه ومدى انعكاس ذلك على الإنجازات. أما على الصعيد الإداري فقد تحولت البلدية الشمالية بفضل إدارتها العليا إلى منظمة تتبع أحدث الطرق الإدارية. وعلى رغم من قصر الفترة فإن البلدية الشمالية ( بجهازها التنفيذي ) أصبحت في مصاف، بل وتفوقت بعض الأحيان على كثير من الإدارات العريقة في المؤسسات الأخرى.

عوداً على بدء، وتسليماً بأن العمل البلدي كمباراة كرة قدم، فيبدو أن أعضاء المجلس البلدي لبلدية المنطقة الشمالية قد بدأوا تواً في اللعب ولكن في الوقت الضائع. فبعد أن أيقن الناخبون أن المجلس الحالي لم ولن يؤخر أو يقدم، وبعد ما بدأت مظاهر الضعف والوهن تدب في أوصال المجلس، بدأ من يقرأ من أعضاء المجلس البلدي في قراءة الوضع وبدأت حال الاستنفار، والتي على ما يبدو أنهم وفقوا في اختيار الوقت المناسب لها، وخصوصا بعد أن أصبح جلياً وجود جهات أخذت بنهش اختصاصات هي من صلب اختصاصات المجلس البلدي الصريحة والواضحة، أقصد بذلك لجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس النواب. هنا بدأت العصافير المبللة في الانتفاض وبدأت بالبحث عن أقرب شماعة لتعلق عليها معاطفها الريشية الرطبة ولم تجد أقرب ولا أسهل من شماعة الجهاز التنفيذي ممثلة في شخص مديرها العام، وخصوصا أن هذا الضعف سوف يعود سلبا على سمعة الجهة الداعمة لهؤلاء الأعضاء. وأنا في هذا السياق لن أقوم بدفع التهم الموجهة إلى المدير العام وذلك لأسباب عدة أولها وأهمها هو أني على يقين تام بقدرة المدير العام التامة على درء الاتهامات والادعاءات كافة موثقاً دفاعه بالأدلة والبراهين الدامغة، أما ثانيها فهو علمي بمدى تمكنه وقوة موقفه القانوني، أما ثالثها فهو معرفتي الشخصية به ورأيي الخاص الذي أعتقد أن كثيرين ممن يعرفونه يتفقون معي فيه وهو أنه شخص فوق كل الشبهات وأنه إداري متمكن بل إداري وقيادي من الطراز الأول.

أما للمجلس البلدي للبلدية الشمالية فأقول: لقد أضعتم فرصاً كثيرة كانت ستقيكم شر هذا اليوم وشر هذه المناورات، وكان من الأولى توفير هذه الجهود والطاقات فيما يخدم المواطن عوضاً عن إضاعة الوقت فيما لا ينفع بل قد يضر. لقد كانت الفرصة مهيأة أمامكم لخدمة شريحة كبيره من المواطنين وكان الباب مفتوحاً على مصراعيه للمشاركة في تخفيف همومهم عندما شكلت لجنة لمراجعة اشتراطات البناء والتعمير، ألم تكونوا تعلموا عن المشكلات التي يعاني منها الكثيرون وتقض مضجعهم؟ البناء فوق الخدمات... الارتدادات... بيوت الإسكان... نسب البناء... الارتفاعات... تلك كانت جزءا من المشكلات التي كان من الممكن أن تحل بتعديل تلك القوانين فلماذا لم تقوموا بالمشاركة في تلك اللجنة أو حتى طلب المشاركة فيها؟ لقد كنا والمواطنين نأمل في التوصل إلى تعديلات من شأنها أن تساهم في تخفيف جزء من تلك المعانات الشبه يومية والمتكررة في مختلف مناطق بلديات المملكة. ما تعليق الاجتماعات إلا هروب من تحمل المسئولية ودليل على روح الانهزامية.

أما للمجالس البلدية الباقية فأقول: نعلم أنكم تترقبون نتائج تلك المعركة، والتي للأسف لا يوجد مسمى آخر لها، ولكن نقول حذار من أن تجروا إلى مثل تلك المهاترات فإنها لن تخدم المواطن ولا التجربة البلدية وما هي إلا حجر يرمى بين أسنان تروس التجربة ليعطل من المسير. وإن شئتم الإصلاح حقاً، فتحسسوا مواقع الخلل والضعف وأبحثوا فقد لا تكون كذلك. اسألوا أصحاب الخبرة والرأي ولا تفتوا بما ليس لكم به علم، انزلوا إلى الناس وابحثوا في مشكلاتهم لتحلوها من البداية وتوئدوها ولا تنتظروها لتتفاقم حتى تصلكم. في اجتماعاتكم، ابحثوا مشكلات الناس وانسوا مشكلاتكم وتذكروا أنكم هنا لخدمة أهالي المنطقة لا دائرتكم وبحسب. اتركوا الشكوى وطلب الصلاحيات فالإنجاز هو أن نرى النتائج بما هو متوافر لكم، والذي هو برأيي كاف إذا ما استغل بالشكل الصحيح. اعملوا على مصلحة الناس حقا ولا تعملوا لصالح الجهات التي تنتمون إليها ولا تجعلوا للمصالح الشخصية دورا في تعطيل مصالح المواطنين. واعلموا أنكم جزء من البلدية فلا داعي لبتر هذا الجزء عن شقه الثاني ولكل منكم اختصاصاته.

أما لأصحاب القرار فأقول: لقد حان الوقت لتقييم التجربة. تقييمها من كل الجهات، كجدوى وجود مجلس مركزي واحد عوضا عن المجالس الخمسة، ووضع معايير أكثر صرامة للمترشحين وأن لا يكون للمحاباة والمصالح السياسية دورا في الخلاف الدائر حاليا. كما أرجوا ألا يكون للعوامل الخارجية دورا في قلب الموازين وترجيح كفة على حساب أخرى. لقد استفدنا من تجارب الآخرين في وضع قانون البلديات كما يبدو لي إلا أننا لم نستفد من تجاربهم في تنظيم العمل البلدي ووضع اللوائح. لنقف وقفة محاسبة مع النفس وواضعين نصب أعيننننا مصلحة البلاد والعباد ونبعد السياسة عن العمل البلدي فمعروف ما تحمله السياسة في طياتها من دسائس ومناورات بينما العمل البلدي يتطلب شيئين أساسيين هما الصدق أولا والإخلاص في العمل على خدمة المواطنين ثانيا.

تلك كانت لمحات من الواقع الذي عشناه ونعيشه نحن العاملون في الهم البلدي إذ بدأت الأوراق في الاختلاط والتبعثر. وأصبحنا في وقت نخشى فيه على التجربة البلدية من أن توأد وهي في المهد، تلك التجربة التي كانت أولى ثمار عهد الإصلاح الذي بدأه صاحب الجلالة، والذي عوضا عن شكر تلك النعمة بدأنا في ركلها والتذمر وإدخالها في نفق مظلم لا يعلم أحد إلى أين يفضي. وفي الختام فأني لم أقل ما قلته ابتغاء أجر أو شكر ولكني أردت فقط أن أميط اللثام عن ما قد خفي عن البعض وهنالك الكثير مما لا يسع المجال لذكره، لا نكاية في أحد ولا تشويها لصورة أحد ولكنها كلمة حق أقولها لمن لا يعلم وأذكر بها من يعلم... وهي أولا وآخرا لله وللوطن

العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً