العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ

الحق في المعرفة ليس فضلاً... وحرية الصحافة هي حرية المجتمع

يقولون: صحافيون «متعجرفون»!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

«تسرد الصحف الأميركية، كبيرة أم صغيرة، فصول الحوادث اليومية لحياة بلدنا وحياة شعبنا، فلو جمعناها مع بعضها بعضاً، لوجدنا أن صحف مجتمعاتنا المحلية لا تروي قصة الحرية الأميركية فحسب، بل هي تلك القصة».

وزير الخارجية الأميركي كولن باول

إن لم تقرأ صحيفة في يوم ما، وخالجك شعور بأنك خارج دائرة المجتمع، خارج الحوادث، فإن صحافتك تقوم بعملها على أتم وجه، أما إن ساورك شعور اعتيادي، بمعنى أنك لم تتأثر بما حدث، وراودك إحساس قوي بأنك لا تقف بعيداً عن الحوادث المحيطة بك، وأنك مازلت فاعلا فيها، فالنتيجة هي أن المؤسسات الصحافية المحيطة بك هي أشبه بالمعطلة، والصحافيون المتباهون من حولك، هم أناس لا يقومون بعملهم كما يجب.

لابد ان نخرج على إحساسنا المتوارث بالتهميش للصحافة، هناك حاجز كبير على مستوى الإدراك لأهمية هذا الجهاز الإعلامي، هناك نظرة سلبية (مبررة) تجاه قمع الصحافة في الوطن العربي، سواء من السلطة التنفيذية أو التشريعية، أو المجتمع ذاته. لا نستطيع إنتاج صحافة مدنية ما لم نستطع تجاوز هذه العوائق الممتدة والمتشعبة في جميع المؤسسات المجتمعية.

هذه العوائق بالاستطاعة تلخيصها في العرض الآتي:

العائق الدستوري

نص التعديل الأول في دستور الولايات المتحدة على أنه «لا يجوز أن يصدر الكونغرس أي قانون يحد من حرية الصحافة»، الدستور مهمته وضع حدود بين السلطات، وبيان المهمات الموكلة لكل سلطة من السلطات الأربع «مفهوم السلطة الرابعة لا يجب لنا أن نعتبره مجازاً»، وإن كانت الدساتير العقدية العالمية لا تعترف بسلطة الصحافة، إلا أن الصحافة المدنية تكتسب سلطتها كنتاج للمدنية أولاً، وكنتاج آسن لكل مفاهيم الحرية التي تدعو لها تلك الدساتير ثانيا، وكأن تعريف أو تحديد أو دسترة حرية الصحافة كالخوض الساذج في تعريف الماء.

تحتاج الصحافة المدنية الى حصانات يوفرها لها الدستور، لتقوم بمهمتها المجتمعية. لابد ان تكون الحماية الدستورية للصحافة حماية فراغية، بمعنى ان تحاول السكوت عن هذا الحق، ألا تحاول تحديده وتأطيره، الحد والتبويب عملية رقابية أكثر خطورة من الإعلان عن برنامج مؤدلج تلزم به السلطة التنفيذية رؤساء التحرير وتحاسبهم على الالتزام به، لابد ألا نجعل من «الحق في المعرفة» والتداخل في الصراع المجتمعي فضلا تجود به المؤسسة الدستورية على الصحافة أو المجتمع، بل هي أحد أهم الحقوق الطبيعية، لعل الحق في المعرفة كالحق في الحياة.

علاج العائق الدستوري

لابد للهيئات الصحافية وقوى الضغط المجتمعي ان تكون فاعلة سياسيا، بمعنى ان تحاول جاهدة تكوين قوى ضغط داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، قوى الضغط هذه عليها ضمان الحقوق الدستورية لعمل الأجهزة الاعلامية، الصحافيون المتهمون بانهم «يدعون المعرفة بالسياسة» مطالبون بأن يضمنوا حقوق عملهم قبل ان يطالبوا بحقوق الناس.

الإمبراطورية الإعلامية الأميركية لم تنتج دونما صراعات كبرى حول حرية الصحافة، والتعديل الأول الوارد أعلى الوصف للعائق الدستوري هو نتاج معارك وصراعات ممتدة. والنجاح الذي حققته المؤسسة الإعلامية الأميركية لم يكن نتاج المصادفة، بل نتاج عمل دؤوب من رجال الإعلام والمهتمين به، وعبر جدالات كبرى شهدتها أروقة مجلسي الكونغرس والنواب الأميركيين.

لابد ان تشهد مؤسساتنا التشريعية والدستورية جدلا مستمرا، لابد ان تتحرك كل الأجهزة الإعلامية المكتوبة والمسموعة وأجهزة التلفزة نحو معركة الحماية الدستورية، لابد ان تعترف مؤسسات المجتمع بالسلطة الرابعة، وان توقع على هذا، لأنها بذلك تصنع حريتها قبل أن تعطي الصحافة حريتها كاملة، فحرية الصحافة هي حرية المجتمع الاولى. في النهاية لابد من الاقتناع بأن الصحافيين لا يتورطون بالسياسة، بل إن عملهم بذاته سياسة، ورؤساء التحرير هم قادة هذه التجمعات السياسية «الصحافية».

العائق التشريعي

العائق التشريعي هو نتاج العائق الدستوري بالضرورة، بمعنى أنه إما مكمل لما تقره مواد الدستور من عبارات كبت وتحديد، أو هو الأداة المستخدمة في تدارك الخطأ «غير المقصود!» الذي قد ترتكبه بعض الدساتير حين تعلن «ان حرية التعبير والصحافة مكفولة!» التشريعات الإعلامية تقوم على تدارك هذه العبارة المشجعة، لتقوم بدورها المعهود في السيطرة على الصحافة وتطويق مهمات عملها المحورية.

مازالت فضاءات التشريعات الإعلامية تتسم بالصغر والمحدودية، ومازالت السلطتان التشريعية والقانونية تسنان القوانين المفبركة المربكة لعمل الصحافة المدنية العربية. التشريعات الإعلامية التي تتسم بالمصطلحات الواسعة مثل «لابد ان تلتزم الصحافة بالمصلحة العامة»، «حرية الصحافة مكفولة إلا فيما يتعارض مع الأمن الوطني أو القومي»، «فيما لا يتعارض مع السلم المجتمعي»، «يتحمل رئيس التحرير أو من يقوم مكانه كل المسئولية عما ينشر في الصحيفة»، والكثير من العبارات والشعارات التي تبقى إشكالية تحليلها مأزقاً لا يمكن الفكاك منه. هذه العبارات تجعل من رئيس التحرير منشغلاً بحماية نفسه مع بعض الممارسات الحماسية التي قد يقوم بها أحد صحافييه الصغار.

علاج العائق التشريعي

لابد ان تهدف المؤسسات الإعلامية العربية في خططها المستقبلية نحو التحرر، ونضالها الدستوري لابد ان يتصل بمحاولات جادة تجاه تحررها التشريعي، قد يكون الهدف الاستغناء عن وجود ما اتفق على تسميته بـ «التشريعات الإعلامية العربية»، وصولا الى نتائج التجارب الدولية الحديثة التي أنهت ما يسمى بالتشريعات الإعلامية، او الى تحديدها في الإطار التجاري فقط. أي تشريعات تنظمها تجاريا بصفتها أعمالا تجارية ربحية، دونما تعرض لسقوفها وهمومها المجتمعية. مع أن النظم التجارية هي مهمة وزارات التجارة لا وزارات الإعلام العربية التي كانت ومازالت تحبس المعرفة والحقيقة عن الناس في الوطن العربي.

كما لابد لها من الاجتهاد في الحصول على حقوقها التاريخية بدعم الدولة لها، سواء على صعيد الدعم المالي والاقتصادي عبر إلغاء جميع الرسوم المفروضة على استيراد الورق أو جميع الاجهزة المساندة في عمليات الطباعة والنشر والتوزيع، او على الصعيد الإجرائي بضرورة تفعيل وتطوير الدول لاجهزتها الإعلامية الحكومية، بما يتوافق مع حق الصحافة في الحصول على المعرفة، والتي هي الوسيلة في معرفة الإنسان المدني لحقيقة الحوادث التي تدور من حوله.

العائق المجتمعي

«الصحافيون متعجرفون»، «متحيزون»، «ينشرون الاكاذيب»، «هم مخادعون ويدعون العبقرية ومعرفة كل شيء» هكذا يصف الناس الصحافي. أما الصحف فهي «متحيزة»، «غير دقيقة» ولربما «كاذبة» «همها الربح لا الناس». صحافتنا العربية صحافة معطوبة. ولكن كيف يستطيع الصحافيون إصلاح هذا الخلل؟ كيف تستطيع الصحافة العربية تحديدا، إقناع افراد المجتمع بأن الصحافة هي الوجه الحقيقي للديمقراطية والحرية والمساواة التي ينشدونها، وانها إن صلحت صلح ما سواها، وإن خابت خاب ما سواها.

الدراسات المسحية الاجتماعية تدلل على إنخفاض حاد في مستويات التصديق للصحافة العربية، والمعدلات تشير الى ان مستويات الثقة بالصحافيين في انخفاض خطير يقدر بين 65 في المئة الى 79 في المئة. هذه المعدلات خطيرة ويجب ان تنتبه إليها جمعيات الصحافيين العربية التي مازالت غائبة عن البحث والاستقصاء، أين تقف بالضبط؟ وماذا حققت من واجبات ومهام؟ والأهم كيف تتصرف وما هي الحلول المطروحة؟

نسب التوزيع إما ثابتة، وإما في هبوط مستمر، والتقنيات الحديثة في المعرفة تلعب دورها في الحد من قوة الإعلام المكتوب عموماً، وثقافة الصورة أصبحت عائقاً لا يستهان به، والاستقرائية للصحافة المكتوبة أصبح الرهان عليها مملاً وهروباً عن مواجهة الواقع، والحوادث المتسارعة التي تبثها أجهزة الإعلام المرئي والصحافة الإلكترونية غدت اكثر الضربات القاضية للصحافة المكتوبة. بقي لدينا القليل من عوامل البقاء والتأثير، «العادة والتعود»، «صحافة الرأي»، «صحافة التحليل»، وتبقى أقوى عوامل بقائنا «صحافة الاستطلاع»، أي صحافة الشارع.

علاج العائق المجتمعي

يضع مركز «بيو» للصحافة المدنية نموذجا علاجيا يطلق عليه «المهاجم الشرس»، إن الهجوم الشرس كخيار استراتيجي تتبعه الصحافة المدنية هو إحدى الصور العلاجية المهمة، إذ يعتمد على الهجوم بقوة على السلطات المدنية الأخرى، ويشمل هذا الهجوم السلطة التشريعية والتنفيذية كل في رؤية خاصة وديناميكية خاصة. هناك 31 في المئة من الناس يعتقدون ان الصحافة قادرة على تغيير القرارات في المطبخ السياسي، وهكذا كانت صحيفة «الوسط» البحرينية في تغطيتها لحوادث شارع المعارض الشهيرة في البحرين مثالاً واضحاً، إذ كان لتغطية صحيفة «الوسط» التأثير في استباق القرار السياسي حيال تصنيف الاعمال المشاغبة برفض اعتبارها ذات طابع «سياسي».

قد يرى البعض ان الصحافة بهذا تكون عامل توتر، أو أنها تقوم بإثارة الشارع، أي أنها بالتحديد ليست صورة للديمقراطية والعدالة والحرية. لابد ان يتفهم الجميع ان الصحافة بهذا الدور الذي تقوم فيه لها هدفان. الهدف الاول هدف مجتمعي خاص بطبيعة وظيفتها كسلطة مستقلة لها وظيفتها في دعم الديمقراطية وكشف الحقائق الغائبة عن الناس، وهي بذلك تقوم في الوقت نفسه بحماية نفسها من الانقراض، إذ ان الصحافة «المتزلفة» هي صحافة تؤدي نحو انقراض المهنة ونهايتها يوماً بعد يوم.

عندما تتسم البيئة بالصراع، تحاول الصحافة المدنية ان تتحول من خيار «الهجوم الشرس» الى خيار آخر أفضل تسميته بـ «المراقب» أو «الكاشف»، بمعنى ان تتحول من الهجوم الى الحياد الذي يقوم بمهمة الكشف والمراقبة لسير الديمقراطية، دونما تفعيل لصحافة الرأي والتحليل المنحاز، وهي بذلك لا تتخلى عن دور الهجوم، إذ ليست العملية سوى استراحة محارب

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً