العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ

نادي العروبة... الوجه الآخر

تقي محمد البحارنة comments [at] alwasatnews.com

شاعر وكاتب بحريني

حظي نادي العروبة منذ تأسيسه في العام 1939 - بتشجيع وإسناد أمراء البحرين ابتداء من عهد المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ثم، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ثم على عهد المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وانتهاء بالعهد الميمون لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي أكد للمسئولين في النادي في أكثر من مناسبة، اهتمامه وتشجيعه للنادي، وحرصه على أن يستمر في تأدية رسالته في توجيه الشباب، والمساهمة في المشروعات الثقافية والفكرية والأدبية لرفع اسم البحرين في مضمار الثقافة وخدمة المجتمع والحفاظ على انتمائها العربي الأصيل. وقد تتوج هذا الاهتمام بالنادي من قبل جلالته، حين أبدى رغبته السامية للمسئولين في النادي لوضع جائزة باسم الأستاذ المرحوم إبراهيم العريض، تكون مخصصة للإبداع الأدبي والثقافي، يتولى إدارة شئونها نادي العروبة باعتبار علاقة الأستاذ العريض بهذا النادي منذ نشأته الأولى.

وقد أورد النادي في كتابه «نادي العروبة وخمسون عاماً... ثم نادي العروبة وستون عاماً» جوانب متعددة من المواقف المشرفة لحكام البحرين مع النادي، ابتداء من الرسالة التي رفعها مؤسس النادي محمد دويغر، إلى الشيخ سلمان بن حمد بتاريخ 31 ربيع الثاني سنة 1358هج، والتي جاء في مقدمتها ما يأتي:

«مولاي المعظم... يتشرف نادينا بأن يرفع إلى سيادتكم العلية نسخة من نظامه مشفوعة برجاء حار في أن يتفضل بقبولها، وأن يتنازل فيسبغ عليها ظل رعايته الكريمة...».

وتقص علينا أوراق النادي القديمة حديثاً ممتعاً لتلك العلاقة المستمرة يعتد بها النادي ويحتفظ بها ضمن أغلى وثائقه وسجلاته.

لقد كان للمغفور لهما الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ومن بعده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، حضور شبه دائم في حفلات النادي مع باقي الشيوخ ومنهم أصحاب السمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، والشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ مبارك بن حمد آل خليفة، والشيخ علي بن خليفة بن دعيج آل خليفة، والشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، وغيرهم من أفراد الأسرة الكريمة... وحينما يحول مانع من حضور تلك الحفلات كان النادي يتسلم رسائل اعتذار رقيقة فيها شرح لمسببات الغياب.

وتتضمن صفحات كتاب النادي نماذج من تلك الرسائل المتبادلة وصوراً لبعض الاحتفالات التي يتصدرها أصحاب السمو الأمراء وأفراد الحاشية الكريمة. ومن بين تلك المناسبات الحفلة التأبينية الأربعينية لوفاة المغفور له الشيخ حمد بن عيسى الكبير التي أقامها النادي في 6 صفر العام 1361هج. وكذلك الحفلة الشعبية العامة في قاعة نادي العروبة بمناسبة تولي صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم في العام 1962. وقد تضمنت كلمة الترحيب التي كان لي شرف إلقائها بين يدي سموه باسم النادي واتحاد الأندية الوطنية، استشرافاً للمستقبل المضيء الذي تحقق بوضع دستور للبلاد وانتخاب المجلس الوطني، وذلك بعد عشر سنوات تقريباً... ومما جاء فيها:

«إن من توفيق الله عز وجلّ أنه لمّما يبشر بالخير والأمل أن عاهلنا الكريم الذي نحتفل اليوم بعيد جلوسه هو زينة شباب هذا البلد. وهل أقدر على تفهم نفسية الشباب من الشباب أنفسهم لاسيما وقد تجمعت في شخصيته الفذة وشخصية أخويه الكريمين تجارب الأجداد وخبراتهم مقرونة بهمة الشباب وعزماته، وهذه لعمري التربة الخصبة للتعاون المثمر والعمل البنّاء. إذا تعهدت كل ذلك عيون ساهرة محنكة وقلوب محبة ناصحة. والنصح والمشورة هنا في حد ذات كل منهما عملية يمكن أن تتوفر على مراحل بين البساطة والتنظيم. والمقصود بالنصح والمشورة ومحاولة الاستفادة من آراء المجربين وذوي الاختصاص لتفهم وجهات النظر العامة حول موضوع معين. وقد تأتي أيضاً عن طريق عمل تنظيمي ثابت تبعاً للظروف. وقد تكون عفوية تستجيب لكل مناسبة في وقتها. كما قد تكون مرسومة ذات منهج مخطط وأصول مدروسة. والمهم في كل ذلك أن تتمثل وجهة النظر العامة لكي يكون الرأي أصدق تعبيراً عن الواقع وأكثر تمثيلاً للرغبة...».

ومن أواخر تلك المناسبات الحفل التأبيني الكبير الذي أقامه النادي بمناسبة الأربعينية للمغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وتخليداً لذكراه العطرة. ذلك هو الجانب الأول من علاقات النادي نستعيدها اليوم للتاريخ والذكرى.

أما الجانب الآخر فهو ما أردت أن أستعرضه في هذا المقال للكشف عن مواقف تدور حول علاقة المؤسسات والدوائر السياسية الأجنبية بالنادي، والبريطانية خصوصاً. لقد كانت في البحرين آنذاك أربع شركات كبرى بريطانية الجنسية أو محسوبة عليها:

الأولى: شركة النفط (بابكو) وهي شركة تكاد تخلو سجلات النادي في سنواته الأولى من مساهمات مادية أو إسناد معنوي حتى في حفل التعليم. وذلك فيما عدا عرض الأفلام الدعائية خلال سنوات الحرب العالمية الأخيرة، بالتعاون مع دائرة العلاقات العامة البريطانية (التي أنشئت زمن الحرب)، ثم من خلال قسم المعهد البريطاني... ولكن سياسة شركة بابكو تغيرت خلال الخمسينات. فعلى رغم حماس نادي العروبة في تأييد القضايا العمالية، ونشاط بعض المسئولين فيه لصالح مطالب العمال، فإن شركة بابكو - في عهد رئيسها أي. أي. سكينر والمدير «براون» استجابت بحماس لرسالة النادي وتبرعت بمبلغ خمسة عشر ألف روبية لمساعدة النادي لبناء دار جديدة في شارع الزبارة، وذلك بتاريخ 18 مايو/ أيار سنة 1952، وبتاريخ 28 يونيو/ حزيران 1953 قدمت شركة بابكو تبرعاً آخر بمبلغ ثلاثة آلاف روبية، ثم استمرت هذه المنحة السنوية للنادي من قبل الشركة وزيدت في بعض السنين التالية إلى ستة آلاف روبية، فيما عرف بعد ذلك بمنحة بابكو السنوية، والتي تبرعت بها أيضاً لأندية أخرى. واستمرت علاقة بابكو الجيدة مع النادي خلال الخمسينات والستينات، وربما إلى ما بعد ذلك.

وثاني الشركات الكبيرة كانت شركة «غريمكنزي» وثالثها شركة «البرق واللاسلكي - كيبل أند واير لس»، ولا يوجد في سجل النادي ما يدل على أية علاقة خاصة أو إسناد مادي من قبل هاتين الشركتين.

أما رابعة الشركات في البحرين فكانت «شركة امتياز النفط القطرية - بي. س. إل». وأول رسالة في سجلات النادي كانت بتوقيع مديرها «باكر» بتاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1939. وقد أرسلها نيابة عن ضيفه المليونير «ونثروب روكفلر» الذي زار البحرين في نوفمبر 1939، وذلك جواباً على دعوة النادي له لزيارة النادي. وقد تضمن الجواب اعتذاراً غير رقيق فحواه أن روكفلر ليس لديه وقت لزيارة النادي، كما أنه لا يحمل معه نقوداً في السفر ليتبرع بها... (يعني: مسكين!)، إلا أن «باكر» نفسه سرعان ما أصبحت له علاقة طيبة ومميزة بالنادي عن طريق ممثل شركته المحلي نعمة داغر (وهو من العراق) فكان ينوب عنه في حضور الدعوات ويقدم دعماً مالياً محدوداً على فترات. ولعل من أسباب تلك العلاقة الخاصة صلته برئيس النادي محمد دويغر وإبراهيم العريض وعلي التاجر، وكانا يعملان في الجهاز الإداري للشركة.

أما إذا جئنا إلى علاقة المعتمدين السياسيين لبريطانيا العظمى، فنجد أن العلاقة مع النادي لم تتعد المجاملات، وتلبية بعض الدعوات والاعتذار عن حضور معظمها، وذلك في عهد جي هوس (باليوز الدولة البريطانية في البحرين) وبرتران توماس (مدير العلاقات العامة) ورئيس الخليج في بوشهر. ومعظم تلك الرسائل اعتذرت عن حضور الحفلات، أو إهداء صور جلالة ملك بريطانيا، جورج السادس في ملابس تتويجه، أو بعض الكتب والمجلات ومواد الدعاية الحربية وذلك فيما بين الأعوام 1940 - 1943. ولا تشير مستندات النادي إلى موقف غير ودي. ولكن الإفراج عن الوثائق التاريخية من قبل وزارة الخارجية البريطانية، قد أتاح لنا الاطلاع على مستندات تقول شيئاً آخر كان غائباً عن الأذهان، من مثل التقريرين المترجم فحواهما أدناه:

الأول: وهو تعريف بنادي العروبة ضمن تقرير عن «الأندية والمؤسسات» مؤرخ في 7 أغسطس/ آب العام 1944، إذ يقول:

«تقرير عن نادي العروبة في المنامة - تأسس هذا النادي في سنة 1257 (1938) من قبل الشباب البحارنة. ورئيسهم السابق والحالي هو محمد دويغر - مدير دائرة أموال القاصرين - وقد كان رئيس الدائرة الفخري هو صاحب العظمة الشيخ السير سلمان الذي كان مديرها سابقاً، وكان محمد دويغر آنذاك رئيس الكتاب في تلك الدائرة ويعمل تحت إشراف صاحب العظمة. وقد كان صاحب العظمة يدفع (للنادي) مساهمة سنوية بمبلغ 150 روبية، والآن فإن صاحب العظمة هو الرئيس الفخري للنادي. إن أعضاء هذا النادي هم 103 وبينهم 11 سنياً والباقي من الشيعة. وموازنته الحالية تقل عن ألفي روبية. والاشتراك الشهري للأعضاء هو روبية واحدة لكل منهم. إن قسماً من النادي تم تحويله إلى مدرسة ذات مدرسين فخريين من قبل الأعضاء. هذه المدرسة قصد بها تعليم الأبناء وبعض الأعضاء، والأبناء عليهم أن يدفعوا أيضاً روبية واحدة في كل شهر. ومنذ ثلاث سنوات مضت، ذهب محمد دويغر للعراق وسورية واتصل برجال النشر لتجهيزه بمطبوعات مجانية. وقد أثمرت دعايته عندهم وبعضهم واصل إرسال المطبوعات مجاناً...».

أما التقرير الثاني فهو في صورة رسالة من الوكيل السياسي في البحرين الميجر تي. هيكونبوتام بعث بها إلى المقيم السياسي في شيراز تحت رقم جيم/1259 بتاريخ 31 أغسطس 1944 يقول فيها:

«يشرفني أن أعود لظهيركم رقم ج/48 بتاريخ 15 يوليو 1944:

2- إن نادي العروبة ليست له أهمية تذكر، وعدد أعضائه كما هم الآن 103 أعضاء. إن صاحب العظمة الشيخ كان في وقت من الأوقات مهتماً شخصياً بالهيئة الإدارية للنادي ويواصل دفع الاشتراك سنوياً لهذه المؤسسة.

3- أنا أفهم أن صاحب العظمة لا يؤيد أن تطلب الأندية المحلية مساعدات مالية من مصادر خارجية، وأجد نفسي في اتفاق تام مع وجهة نظر عظمته. إن خدمات التعليم التي تقدمها حكومة البحرين تعتبر كافية ولا توجد حاجة إلى مدارس تعتمد على التبرعات لكي يتم تمويلها من الخارج لأندية من مثل (نادي العروبة). لهذا أقترح أن يتم الطلب من سفير صاحب الجلالة (البريطانية) في القاهرة بالإيعاز إلى وزير الخارجية (المصرية!) بعدم الاستجابة للمساهمة في هذه المؤسسة...». (انتهى).

على ضوء ما ورد في التقريرين يمكن استنتاج ما يأتي:

1- إن عظمة حاكم البحرين الشيخ سلمان كان رئيساً فخرياً لنادي العروبة ويواصل التبرع للنادي في كل سنة. ولعل ذلك كان مصدر عدم ارتياح للمعتمدين فيما يستنتج مما بين السطور.

2- إن استجابة بعض دور النشر في العراق وسورية لإرسال مطبوعات مجانية إلى النادي كان بسبب «دعاية» قام بها رئيسه محمد دويغر.

3- إن نادي العروبة ليست له أهمية تذكر.

4- إن خدمات التعليم في البحرين كانت كافية، وان البحرين ما كانت بحاجة إلى مجهود أندية في مضمار نشر التعليم مثل (نادي العروبة).

(وهنا يتجاهل التقرير أن نادي العروبة لم تصله مساعدات مادية من خارج البلاد، وانه لم يتصل بوزارة الخارجية المصرية لأن رسائل النادي كانت موجهة إلى دور النشر المصرية للحصول على المطبوعات فقط، وان النادي كان يعتمد على ماليته واشتراكات الأعضاء. كما أن طبيعة مشروع التعليم في النادي كانت لمحو الأمية، وهو مشروع مكمّل للتعليم النظامي، وليس بديلاً عنه... أما المشروع الآخر فكان لرفع مستوى الأعضاء الثقافي عن طريق محاضرات وندوات ذات مستوى ثقافي أوسع، على يد الأستاذ العريض وعدد من المثقفين والمربين).

5- إن النادي - على ضآلة شأنه كما تصفه الرسالة - قد استدعى من بريطانيا العظمى أن تقوم باتصالات دبلوماسية مع الخارجية المصرية لمنع مدّ يد العون لمشروع التعليم في النادي.

وإذا أضفنا إلى موقف المعتمدين السياسيين ما عُرف عن موقف المستشار البريطاني لحكومة البحرين بلغريف - الذي أبدى أسفه في مذكراته على تشجيع التعليم في البحرين، والذي أوقف عدداً من البعثات الطلابية بعد سنتها الأولى وأعادها إلى البحرين - وإذا أضفنا إلى كل ذلك ما نُسب إلى المستشار حين قال عن طالب يتعلم الحقوق في بريطانيا في الخمسينات «إن البحرين لن تحتاج إلى خريج في القانون أو حامل درجة دكتوراه لمدة مئة سنة مقبلة»... عندئذ يمكننا أن نستنتج الكثير الكثير عن موقف بريطانيا العظمى في ذلك الوقت تجاه نشر الثقافة والتعليم عموماً، والذي انعكس خصوصاً على أنشطة أندية البحرين، ونادي العروبة بالذات

إقرأ أيضا لـ "تقي محمد البحارنة"

العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً