العدد 812 - الخميس 25 نوفمبر 2004م الموافق 12 شوال 1425هـ

أخرجوا الدين من عقال المتطرفين في الشرق والغرب

محمدحسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أشار السيّد محمدحسين فضل الله إلى أن الدين تحول في هذه المرحلة إلى موقع تجاذب بين من يفرض عليه الإرهاب من الداخل ومن يفرضه من الخارج، محذراً من محاولات الإدارة الأميركية تقديم رموزها المحافظة كرسل لديمقراطية مزعومة ومن سعيها للبس لبوس الدين.

جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن موقف الإسلام من السياسة واستخدام الدين في كثير من التجارب المعاصرة، فأجاب: «ثمة حديث لايزال يتردد في أذهان الكثيرين، بأن الدين لا علاقة له بالسياسة، وان رجل الدين لا حق له في التدخّل فيها، وان تدخّله قد يبعده عن خط الاستقامة، وقد برزت هذه المقولة من عنصرين: الأول هو المفهوم الغربي عن الدين بأنه علاقة شخصية بين الإنسان وربه، ينحصر في العبادات والأخلاقيات العامة مما يتصل بشئون الآخرة لا بشئون الدنيا في قضايا الناس التي هي محور العمل السياسي، وبذلك يكون التدخّل فيها من قِبَل القائمين على شئون الدين تدخّلاً في ما لا يعنيهم، أو لا ينسجم مع موقعهم الديني». وأشار إلى العنصر الثاني وهي «النظرة السلبية للسياسة باعتبارها قائمة على الوسائل غير الأخلاقية من الكذب والخداع والاحتيال، على أساس السياسة الواقعية التي لا تخلو من المكيافيلية، مما ينكره الإسلام على الملتزمين به، ولاسيما علماء الدين الذين لابد أن يقوم أمرهم على الصدق والصراحة والأمانة».

ولفت إلى أن المسألة تختلف في المفهوم الإسلامي، «لأن الدين في كل تاريخه قائم على العدالة في كل شئون الناس والحياة... والعدالة تتسع لكل قضايا الإنسان في الحكم بكل مفرداته، والحاكم في شخصه ومواصفاته، والعلاقات العامة الخارجية والداخلية، والأوضاع القانونية... ومن الطبيعي أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالسياسة في علاقة الأمة بقضاياها، على صعيد المشاركة والمراقبة والمحاسبة والمحاكمة والتعيين والعزل ورفض قانون هنا وقانون هناك، بما يتصل بالفساد السياسي والاجتماعي والأمني، وما يتصل بمصير الأمة في حاضرها ومستقبلها، الأمر الذي قد يصل بالمسألة إلى مستوى الإلزام الشرعي باعتبار أن المشرفين على الواقع الإسلامي والملتزمين بأحكامه هم الذين يؤكدون حركة الإسلام في خط العدالة، لأن قوانينه الشرعية قائمة على تحديد الحقوق والواجبات العامة والخاصة للناس وعلاقتهم ببعضهم وبالحياة، وهذا مما يحتاج إلى الدقة في التنفيذ على خط الاستقامة».

وأضاف فضل الله: «أما مسألة المفهوم الشائع عن السياسة من الخط اللاأخلاقي الذي تفرضه الواقعية التي تلاحق الظروف على الأرض، والتي قد تواجه الحيلة بمثلها، والأكذوبة بأكذوبة مضادة، والانحراف عن القيمة الأخلاقية بانحراف مماثل، ما لا يلتقي بالمثالية الأخلاقية والقيم الروحية في الدين... أما هذا المفهوم، فقد يناقش فيه المختصون بأن المنهج الأخلاقي الإسلامي في جميع القوانين والأحكام الشرعية، على مستوى الوسائل والأهداف، خاضع للمصلحة العليا للإنسان، فإذا اصطدمت القيمة الأخلاقية بالمصلحة الإنسانية في مستوى الأهمية فإن القيمة تتجمّد في بُعدها المثالي لتنفتح على البُعد الواقعي، لتكون في نطاق القيمة الواقعية على قاعدة التزاحم بين المهم والأهم. ومثاله في الفقه الإسلامي هو أن الكذب في الإسلام قيمة سلبية محرّمة، والصدق قيمة إيجابية ملزمة، فإذا توقف الإصلاح بين الناس على الصعيد الفردي أو الجماعي على الكذب تحوّل الكذب إلى قيمة إيجابية ملزمة أو راجحة، وأصبح الصدق قيمة سلبية، حتى ورد في بعض الكلمات المأثورة: «الكلام ثلاثة: صدق وكذب وإصلاح بين الناس». ومثال آخر «فيما أدّى الصدق إلى فضح الأسرار الحيوية للأمة أو إلى سقوط البلد تحت تأثير الاحتلال أو ما إلى ذلك، فإن الكذب واجب في هذا الاتجاه».

وأضاف: «أما مسألة تدخّل رجل الدين في السياسة واستخدامها للاستغلال الشخصي وعدم معارضته لأن ذلك من شأنه إسقاط المقدّس، فإن الجواب عن ذلك أن الإسلام لا يجعل من رجل الدين شخصاً مقدّساً لا يمكن مناقشته، بل هو إنسان يخطئ ويصيب في فهم الدين، على مستوى الاجتهاد أو التطبيق، ولذلك من الممكن توجيه النقد إليه تماماً كالنقد الموجَّه لغيره، وعليه وعلى الناس أن يتقبّلوا ذلك كله».

وخلص إلى القول: «إن للدين قيمه وقوانينه المرتكزة على أساس حماية الإنسان من نفسه ومن الآخرين، في خط العدالة الإنسانية الشاملة، ولذلك من حق الدين أن يدخل الساحة لتأكيد مفاهيم العدالة في الواقع، ولكل إنسان الحق في مناقشة الاجتهاد الديني على مستوى النظرية والتطبيق ومواجهة القائمين عليه بالنقد، لأنه لا قداسة لغير المقدّس، ولا قداسة لأحد في الواقع المعاصر تجعله بعيداً عن الشبهات أو فوق النقد أو فوق القانون، وبذلك لا يتحوّل الدين إلى مشكلة في الحركة السياسية، بل يكون حلاً في تقويمها عندما تتكامل القيمة مع الواقع».

وختم إجابته بالقول: «ولكن مشكلة الدين، وخصوصاً في واقعنا المعاصر، تكمن في الذين فرضوا أنفسهم عليه، وقدّمهم الإعلام الموجَّه والمراوغ كناطقين باسمه، فشوّهوا صورته في الواقع الإسلامي، وكذلك في الواقع العالمي، وحققوا ما كان يصبو إليه دعاة محاربة الإسلام باسم الحرب على الإرهاب... وهناك في الغرب من يقدّم نفسه للناس كنبي مرسل أو كقديس يعمل لتطهير الأرض لحساب ديمقراطية مزعومة، كما في الإدارة الأميركية برموزها، والتي قد تلبس لبوس الدين لتحارب قيم الدين الأساسية في احترام الإنسان وحقوقه في الحياة، وتسعى لفرض هيمنتها على العالم وإخضاع الشعوب لحساب مصالحها وأطماعها. إن مشكلة الدين وفي هذه المرحلة بالذات، أنه أصبح في موقع تجاذب بين من يريده رهينة ليفرض عليه الإرهاب من الداخل، وبين من يفرض عليه الإرهاب من الخارج، ولذلك على المتديّنين الواعين أن يتحركوا سياسياً وثقافياً وإعلامياً، لإخراج الدين من عقال المتطرفين في الشرق والغرب، قبل أن تختلط المفاهيم على البقية الباقية التي لاتزال ترى فيه طريقاً للخلاص من الظلم والعدوان، وسبيلاً للنجاة في الدنيا والآخرة»

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 812 - الخميس 25 نوفمبر 2004م الموافق 12 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً