العدد 812 - الخميس 25 نوفمبر 2004م الموافق 12 شوال 1425هـ

أغنياء بجلود أخرى!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

إذا كنت واحداً ممن جلببهم الفقر لباس المهانة وجرّدهم مما يتنعم به الآخرون، أو كنت شاهداً حياً على واحدة من قصص (المجاعة) المخبوءة تحت جلود المتعففين في هذا البلد الطيب فلا تقترب من بعض الأغنياء المتبطرين لتسأله حاجتك. لماذا؟ لأنه بكل بساطة ينظر إليك بنظرة ازدراء، لأنك فقير... والفقير في قاموسه (المتغرب) ما هو إلا وباءٌ تنقله فيروسات (الطبيعة الكونية) لينغص على الأغنياء تنعّمهم في فردوس المليارات المكنوزة. فلذلك تجب الوقاية منه، فالوقاية خير من العلاج!

هذا «الغني المسكين» ورث هذه النظرة من مخلّفات الفكر المادي والثقافة الغربية ليتمترس بها في مواجهة كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من مفاتح خزائنه التي تنوء من ثقلها «بالعصبة أولي القوة». فهو يرى ما يراه أنصار «مالتوس» ومن يسبحون في فلك الاقتصاد الاستعماري، الذين يقولون إن الفقر والمجاعة مردّهما إلى أدوار (بيولوجية) واقتصادية طرأت على العالم منذ القدم!

كما أن هذا النمط من الأغنياء يرى أن حل أزمات الفقر يكمن في بتر النسل، وما الزيادة السكانية في رأيهم سوى مدعاة إلى المجاعة والقلق والفناء! في الوقت الذي تراهم وكأنهم يريدون أن يتفردوا بهذا الكون ومنابع ثرواته، فيلومون بحماقتهم الفقراء على فقرهم والجياع والمحرومين على فاقتهم، وبدلاً من تسخير «بعض» ملياراتهم لتدشين مشروعات تنقذ هؤلاء من الحرمان، تراهم يبغون نفي كل من له صلة بالفقر إلى خارج الكرة الأرضية!

حال بعض الأغنياء كحال الدول الكبرى التي أخذت على عاتقها تجويع الملايين من أبناء الشعوب، وإن كلفها ذلك رمي ملايين الأطنان من مختلف الأغذية يومياً في البحار من أجل أن يحافظ القائمون على عروشها على «لهب» الأسعار واحتكار السوق العالمية!

«فلتمُت جوعاً شعوبُ الأرض مادمت غنياً»!

ومن المجحف أن نتحدث عن أغنياء العالم ونغفل أغنياء آخرين يعيشون معنا على هذا الأرخبيل محدود الأطراف ذي المساحة الصغيرة. أغنياء يمشون بأرجلهم المذهّبة كل يوم على هذه الأرض التي تئن تحت وطأتها آلاف الأكباد الحرّى... أغنياء يرغدون تماماً كأولئك الذين يتربعون على كنوز الدنيا في أقصى الأرض. إنهم بيننا يعيشون وبين ظهرانينا يتمرغون على تراب تلك (الفدانات) الممتدة على أطراف هذا الأرخبيل.

وإن كان هناك فارق ضئيل بين بعض أولئك وبعض هؤلاء، فهو أن بعض المتخمين في أقصى الأرض صحيحٌ أنهم لا يتقاسمون عُشر ثرواتهم مع فقراء شعوبهم إلا أنهم يستثمرونها في مواطن كثيرة ترفد اقتصاد بلدانهم وترفع العوز عن محتاجيها، ويبقون الرابح الأول من تلك الاستثمارات، بيد أن بعض (أغنيائنا) يصارعون من أجل استنزاف كل ثروات وطنهم ويضعون أيديهم على كل بصيص خير يجد فيه شعبهم المرهق متنفساً، ومن ثم يطيرون بتلك الأموال ليستثمروها في أوطان أخرى ببناء عمارات وفنادق تناطح السماء... ويبقى وطنهم يتسكع بشعبه على حافة الطرقات فيدفعهم إلى غسيل السيارات أو بيع زجاجات الماء و«التحميل» أو الاستجداء وراء «الدفة والبوشية»!

ما رأيكم أخيراً في (أغنيائنا)؟ أليسوا هم أغنياء بجلود أخرى؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 812 - الخميس 25 نوفمبر 2004م الموافق 12 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً