العدد 816 - الإثنين 29 نوفمبر 2004م الموافق 16 شوال 1425هـ

البصّامون

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

في أحد المؤتمرات الإقليمية كان من ضمن الحاضرين شخص كثير الإزعاج لا يفوّت جملة، ولا ترد نقطة إلا وقفز معترضاً أو مصوّباً أو معدّلاً لها، وكان على خلاف دائم مع رئيس المؤتمر، ولكن عندما حان وقت تأليف اللجنة الرئيسية للمؤتمر، قام الرئيس بتسمية هذا العضو من ضمن الفريق.

استغرب عدد من الذين ضمتهم اللجنة، حتى قال أحدهم للرئيس متسائلاً: «هل صحيح أنك اخترت هذا الرجل من ضمن الفريق؟»، فقال: «نعم، إنه من النوع الحيوي الذي يستطيع أن ينبهنا إلى ما يمكن أن نخطئ فيه، فهو ليس من البصّامين».

ولكن البصّامون لدينا هم المفضلون، الذين يتركون ذوات رؤسائهم تتضخم حتى يشعروا أنهم آلهة تسير على قدمين، فلا يعترضون ولا يتحفظون ولا ينصحون ولا يداخلون، وإنما كل عملهم هو إضفاء شكل ديمقراطي، بأن يضيفوا بصمتهم في أسفل قرار لم يتخذوه، ونقاش أجراه الرئيس/الإله مع ذاته وفرضه عليهم مع نظرة تحذير لكل من يجرؤ على أن يفكر بينه وبين نفسه في الاعتراض، وفي أكثر الأحوال ديمقراطية وشفافية وادعاء تسير الأمور على نسق «قولوا ما تريدون، سأعمل ما أريد».

هل لنا أن نلوم البصّامين إذا رأوا أن من سبقوهم قد دفعوا ثمن مداخلة أو رأي أو اعتراض؟ هل للبصّامين أن يستفيدوا من الماضي ودروسه ويقنعوا بدورهم في البصم، وأن ينتقوا من المحابر أفخرها حتى لا تكون البصمة باهتة فيتم التشكيك في نواياهم وتفسر على أنها تحفظ؟

لا شك أن رئيس ذاك المؤتمر قد حصّن نفسه بالمشاركة الفاعلة من أكثر الناس قدرة على نبش الأمور، وتفصيل المسائل، وعدم ترك أية نقطة تمر من غير تمحيص، فالمشاركة الفاعلة في كل المواقع من شأنها أن تحكحك الصدأ الجاثم على الأفكار والنفوس وتجعل من أجواء العمل صحية ولائقة، ويكون للخطأ ألف أب، كما للصواب ألف أب. أما في حال الرئيس الذي يحيط نفسه بالبصّامين، أو هكذا يريدهم، فلا أمل له سوى أن يغرق وحده

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 816 - الإثنين 29 نوفمبر 2004م الموافق 16 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً