العدد 817 - الثلثاء 30 نوفمبر 2004م الموافق 17 شوال 1425هـ

عندما يناقش المسرح هموم الوطن

إلى متى تستمر «دنيا الغرباء»؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهد مساء الخميس الماضي العرض الأخير لمسرحية «دنيا الغرباء»، في قاعة مركز السنابس الثقافي. قبل ابتداء العرض الذي تأخر خمس عشرة دقيقة، تحدّثت مع جاري عن سرّ النشاط الذي يميّز هذه المنطقة فقال: «السر هو اتحاد المؤسسات وعملها يداً واحدة في هذه الانشطة. فهنا شباب نشيط، والكفاءات متوافرة، إلى جانب الدعم المادي والمعنوي». وأضاف: «عندما تتوحد الجهود حتى على مستوى القرية الصغيرة يمكن تحقيق الكثير».

ولعل في ذلك ما يدعو إلى التأمل والتفكير، فالكفاءات منثورة هنا وهناك، لا تخلو منها مدينة ولا قرية، ولكن ما تحتاج إليه هو توحيد هذه الكفاءات وتوجيهها لتصبّ في قنوات العطاء الثرّ، مع التأكيد على جانب العمل المؤسساتي، الذي من المفترض أن يتجه نحو دعم هذه الفعاليات الثقافية المفيدة.

من الناحية الفنية، لا أدّعي الحديث كناقدٍ فني، لهذه المسرحية الكوميدية الجادة، ولكن هناك جوانب ضعف ظاهرة، لعلّ على رأسها شخصية الفتاة «ليلى»، وهي تعكس مشكلة قلة العنصر النسائي وسط بيئة محافظة، وهي مشكلةٌ عانى منها المسرح الخليجي عموماً طوال العقود السابقة حتى وقف على رجليه. الطريف ان الشاب الذي مثّل دور الفتاة اقترب من شكل «الفتاة»، خصوصاً مع طبقة أحمر الشفاه الكثيفة، تماماً كما تفعل الممثلات «الحقيقيات» والمذيعات في تلفزيوناتنا العربية، لكنه من حيث الأداء من الصعب الاقتناع بأدائه كفتاة، وكم تمنّيت لو تم الاستنجاد بتلك الممثلة البحرينية المعروفة للقيام بهذا الدور الذي يناسبها جداَ، فمؤهلاتها لا تتجاوز شيئين: الجمال و«تقطيب الوجه» الدائم، وما عدا ذلك فهي ممثلة درجة ثالثة أو رابعة أو ربما خامسة، مع ذلك يفرضها المنتجون على الجمهور في كل المسلسلات، أليست كلها كآبة و... عواصف ودموع؟!

على ان المسرحية لا ينقص من مستواها عدم تقمّص فتى لدور فتاة في بيئة محافظة، إذ مسّت المسرحية قضية مطروحة على المستوى الوطني العام في هذه المرحلة من تاريخ البلد، وتتعلق بالأداء الاقتصادي العام والقوى الاجتماعية والأطراف المتنفذة وقوى السوق التي لا تتيح المجال للمنافسة الحرة في الميدان الاقتصادي.

العمل المسرحي هنا له طبقتان، الطبقة الفوقية هي طبقة الكوميديا الرقيقة، التي تزيّنها المواقف الطريفة و«القفشات» والمقالب، حين يجتمع أصم وأعمى وأبكم وأعرج ومجنون في قرية صغيرة، تعاني من التهميش والفقر الشديد، ويدور بينهم الحوار إلى ان ينتهوا إلى طريقةٍ للنهوض، بوضع أيديهم بأيدي بعض، والقيام بمشروع تجاري جماعي ناجح لتجاوز الفقر الذي يرزحون تحته، وينتهي بهم الأمر إلى الوقوع في مصيدة رئيس التجار الذي رمى بهم في السجن، لعدم قبولهم المشاركة في الارباح، بدعوى عدم الانصياع للقوانين!

وأما الطبقة الأخرى من هذا العمل المسرحي فتناقش قضية الثروة الوطنية وكيفية الإدارة والسياسة في بلدٍ يُراد من أهله السكوت على كل المنكرات والفضائح والتجاوزات المالية والادارية، مع عجز «ممثلي الشعب» في الدفاع عن مصالح الطبقات المتوسطة والدنيا، وحفظ المصالح العليا للوطن والشرائح الواسعة من أبنائه.

من جانب آخر، تتناول هذه المسرحية الكوميدية الجادة قضية «النخبة» المغتربة عن الوطن، في هيئة المحامي الشاب الذي تطوّع للدفاع عن المظلومين الخمسة من منطلقٍ إنساني بحت مع تخرّجه من الجامعة، ولكنه أمام المطامع وتوزيع «الأراضي» و«سيارات البي ام»، يسقط أمام محكمة الضمير والتاريخ. ففي جلسة الدفاع عن المتهمين نراه يفاجئ الجمهور والمتهمين معاً باعلان التخلي عن دفاعه عنهم، والانقلاب على مبادئه «الإنسانية» بالمطالبة بإيداعه هؤلاء المتجاوزين للقوانين السجن! وينبري المتهمون لإصدار رأيهم كل على حدة في هذا المحامي - النخبة، التي سقط الكثيرون من أعضائها في امتحانات سابقة، مازالت تختزن حكاياتها الذاكرة الشعبية في هذا الوطن بكثيرٍ من المرارة والأسى.

المسرحية قالت الكثير، في ثوب كوميدي حاز فيه البطولة الممثل سهوان (في دور المجنون)، بحركاته البارعة، وتعليقاته الأبرع.

كفاءات وطاقات كثيرة في هذا البلد، فقط اتركوا لها الحرية للتعبير عن هذه المخزونات الثرية، ففي هذا البلد الكثير مما يجب أن يقال، والكثير الكثير مما يجب أن يسمع أيضاً

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 817 - الثلثاء 30 نوفمبر 2004م الموافق 17 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً